الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أخلاقياتنا المغلقة و مقاييسها التي لا قيمة لها في مجتمع آخر ..

كمال بالمقدم

2014 / 12 / 21
المجتمع المدني


هـــل يمكن أن تكون الأخلاقيات مجرد توارث تحكمه العادة و التــــقليد و ليس مدى جدوى تلك الأخلاقيات و منفعتها للمجــتمع ؟ الجواب هو : نعم .
إذن ... هل هذا يعني أن الملتزمين بتلك الأخلاقيـــات قد لا يكون لديهم الوعي الكافي بالأخلاقيات التي يتبعونها ؟ أيضاً .. نعم .
و إذا كانت الإجابات لهذه الأسئلة .. نعم .. فـ مرحبا بك .. أنت في مجتمع ذو أخلاقيات مغلقة حسب الفيلسوف الفرنسي هنري بيرجســــون .

ما هي الأخلاق المغلقــة ؟

حسب بيرجسون فالأخلاق المغلقة هي الأخلاق الي تهدف لتنظيم و ضبط مجتمع محدد بعينه تبعا لخصائصه و معـــطياته ... أي أنها أخلاقيات مناسبة لظروف و عادات ذلكـ المجتمع .. و لا يمكن أن تكون عامة لبني البشر في كل زمان و مكان ...هي أخلاقيات جامدة تخضع لضغوط المجتمع و عاداته و تقاليده .. و يصبح الإلتزام بها نوع من الـــــعادة أكثر منه وعيا أخلاقيا بأهمــــيتها .. نعني لدى الـــفرد ... هي أخلاقيات [ تحت عقلية ] كما يصفها برجســـون ...

طبعاً على العكس هي الأخلاقيات المفــــتوحة .. التي تهدف لصالح كل إنسان بعيدا عن مجتمع و مكان بعينه ... هي أخلاقيات لا تخضع للعادة و التكرار بدون تمحيص بل هي أخلاق متسايرة مع الزمن و التغيير و تهدف لأفضل النتائج مع كل تغيير أو تحدي جديد ... هي أخلاق أخضعت للعقل و ليست رهن العادة و التقليد كما هي الأخلاق المغلقة .. لذلك يسميها برجسون الأخلاق [ الفوق عقلية ] .. و التغيير الأخلاقي للأفضل كان دوما مرهونا بهذا النوع من الأخلاق .!

مثلا تحريم الرق هو نتاج للأخلاق المفتوحة العقـــــلانية .. لأن أخلاقنا المغلقة المتوارثة لا تجد عيبا في الرق و العبودية ..

بعد هذه المقدمة و التعريفات البسيطة نطرح السؤال التالي : إلى أي أخلاقيات ينتمي مجتمعــــنا ؟ لا شك أن الإجابة على مثل هذا السؤال لا يجب ان تستغرق ثانية من الوقت .. فمجتمعنا ذو أخلاقيات مغلقة تماما ... مجتمعنا هو رهين العادة و التقليد اللاعقلاني بإمتياز ...

ما هو أخلاقي و لا أخلاقي ..قد تم تحديده منذ زمن و لم يتجدد ابدا و ليس على الافراد سوى الإتباع و إعادة التدوير من جديد ... قلنا إن من أهم ما يميز أفراد هذه المجتمعات ذات الأخلاقيات المغلقة هو عدم إداركهم لمدى جدوى أخلاقياتهم لأنهم يعتنقونها عن توارث ...و هذا يضعهم في تناقض شديد ... و هو أمر واضح و ظاهر في مجتمعنا ...

مثلاً .. أعطني تفسيراً عقلانياً لهذا المثال إن استطعت ؟ يخبرك أحدهم أن على المرأة أن لا تختلط مع الرجال .. حتى لا يحدث الفساد أو تتعرض للتحرش حسب تعبيره ... ثم يعلن إحتجاجه و يصرخ بأنه إن حصل و تمت مظاهر الاختلاط في الأسواق أو الملاعب فسيكون أول من يتحرش ؟؟؟؟
ألم تعلن أن رفضك للاختلاط من أجل أن لا يتم التحرش بــــها ... فكيف يكون رفضكـ لهذا القرار أن تقوم بالتحرش بها ؟

التناقض هو سمة هذه المجتمعات .. لأن أعــــتناقها لهذه الأخلاقيات ليس مسألة قناعة عقلانية كما أســـلفنا ... بل مسألة تقليد و وراثة ... يحصل كثيرا أن يكون أفراد هذه المجتمعات لا يعرفون الغرض من وراء إعتناقهم لتلكـ الأخلاقيات من الأساس ... التقليد الأعمى .


يتساءل الكثير لماذا في مجتمعنا المتدين تكثر السرقات و الفساد و الظلم و إنعدام الحقوق و الأخلاقيات السيئة لــدى الأفراد ؟ ربما لأننا لا نعرف أهمية تلك الأخلاقيات اصلا ؟فأخلاقياتنا تهتم بأمور هامشية تافهة مثل طول ثوب فلان و هل صلى في المسجد أم المنزل و هل هو حليق أم لا ؟ حجاب فلانة و هل عباءتها على الرأس أو على الكتف هل تضع المناكير و العــــطر أم لا ؟ أولويــــاتنا الأخلاقية المهمة .. منع المرأة من القيادة كما في السعودية .. إغلاق المحلات وقت الأذان .. مراقبة الناس في الأسواق .... إلخ ...

جميعها أخــــلاقيات متوارثة أصـــــبحت همنا و شغـــلنا الشاغل ... هي أخلاقياتنا المغلقة و مقاييسها التي لا قيمة لها في مجتمع آخر و لا تخــــتص بالبشر في كل مكان و زمان ... لن يكون طول بنطالكـ و ذقنك مدخلا للحكم عليك في ايطاليــا ..و لن يكون لون أصابعك أو مقدار الشعر الذي أخذتيه من حاجبك مقياسا للحكم على مدى إستقامتك في الصين .. نحن مجتمع ذو أخلاقيات مغلقة و هذه حقيقة ... و ليست كل القيم لمجتمع مغلق صالحة لكل المجتمعات و بالتالي فالقيم و المثل النابعة من مجتمع مغلق فستكون في الغالب قيم [ مغلقة ] ... إذن القيم المغلقة تعاني من مشكلة أنها جامدة و ستصطدم بالزمن عاجلا أم آجلا ... و ذلك هو السبب و التفسير العقلاني في أننا لا نؤمن مثلا بحقوق الإنسان أو حرية التعبير أو الديموقراطيـــة ... ذلك لأنها تتعارض مع ما ورثناه و ما ينص عليه إنغلاقنا الغير عقــــلاني ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - القسام: الحكومة الإسرائيلية لا تري


.. حماس تؤكد مقتل أسيرين بغارة على رفح: إسرائيل لا تريد استعادة




.. -تهاجم قوافل الإغاثة-.. واشنطن تفرض عقوبات على مجموعة -تساف


.. مبادرة لتعليم الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة بغزة




.. السودان: الموت في الصحراء أو الترحيل مخاطر تواجه اللاجئين إل