الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أركيولوجيا الحركات المسلحة داخل الاسلام

عبد الحميد أبوزرة

2014 / 12 / 21
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



لا يمكن فهم الواقع المعاصر للأمة أو المنطقة العربية الإسلامية بكل مكوناته الفكرية أو السياسية أو تناقضاته الاجتماعية و الاقتصادية دون الرجوع إلى التاريخ و النظر في أحداثه بعين الباحث الموضوعي المحايد المترفع على كل الموانع و الجواذب الاديولوجية أو التاريخية التي دائما ما تحرف الباحث عن الحقيقة عن هدفه ..
موضوع الحركات المسلحة في التاريخ الاسلامي ليس مجرد ترف فكري او بحث في موضوع تاريخي من أجل الاستئناس و لكنه موضوع ضروري لفهم الكثير من الظواهر السياسية و الدينية و الثورات و الحدود الفكرية التي تشكل الخارطة السياسية و الاثنية للمنطقة العربية الاسلامية التي تعتبر من اكثر مناطق العالم اشتعالا و حرجا و احتداما وامتلاءا بالصراعات الطائفية و الدينية التي لا تفتأ تختفي في مكان حتى تشتعل في أماكن أخرى.
متى وكيف ظهرت أول جماعة اسلامية تحمل السلاح داخل الاسلام وتوجهه صوب المسلمين ؟ كيف تنشأ الحروب الطائفية بين المسلمين وكيف تنتهي ؟ هل دائما الدوافع و الاختلافات الدينية هي السبب الرئيسي وراء هذه الحروب الأهلية ؟
بمجرد ما نضع مصطلح الجماعة فإننا نقسم الفضاء البشري إلى صنفين: الفرد في مقابل الجماعة هذان الصنفان يؤثر بعضهما في بعض فالفرد يكون الجماعة و الجماعة تصنع هوية الفرد داخلها..
حسب تعريف علم الاجتماع فالجماعة _ البشرية _ فردين أو اكثر من فرد يتميزون بخصائص أو أهداف مشتركة في زمن و/أو مكان معين ..
أما في الأصل اللغوي العربي لمصطلح "جماعة" فنجد في لسان العرب:
جمع: جَمَعَ الشيءَ عَنْ تَفْرِقة يَجْمَعُه جَمْعاً
الجَمْعُ: مَصْدَرُ قَوْلِكَ جَمَعْتُ الشَّيْءَ. والجمْعُ: المجتمِعون، وجَمْعُه جُموع. والجَماعةُ والجَمِيع والمَجْمع والمَجْمَعةُ: كالجَمْع وَقَدِ اسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ فِي غَيْرِ النَّاسِ حَتَّى قَالُوا جَماعة الشَّجَرِ وَجَمَاعَةُ النَّبَاتِ. الجَمْعُ: مَصْدَرُ قَوْلِكَ جَمَعْتُ الشَّيْءَ. والجمْعُ: المجتمِعون، وجَمْعُه جُموع. والجَماعةُ والجَمِيع والمَجْمع والمَجْمَعةُ: كالجَمْع وَقَدِ اسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ فِي غَيْرِ النَّاسِ حَتَّى قَالُوا جَماعة الشَّجَرِ وَجَمَاعَةُ النَّبَاتِ.[1]
أما في الاصطلاح الفقهي و الكلامي فتأتي الجماعة البشرية في مرادفات متعددة: الفرقة و الحزب و الطائفة ونضع هنا تعريف الطائفة من " القاموس الفقهي لغة واصطلاحا للدكتور سعدي أبو حبيب " :
الطائفة: الجماعة، والفرقة، وفي التنزيل الكريم: (الزينة والزاني فاجلدوزا كل واحد منهما مئة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) (النور: 2) قال ابن عباس، ومجاهد، وأحمد: الطائفة: واحد، فما فوقه.
وقال عطاء، واسحق: اثنان، وفصاعدا.
وقال الزهري: ثلاثة نفر، فصاعدا.
وهو قول للشافعي.
وقال مالك: أربعة، فأكثر.
وهو قول للشافعي.
قال قتادة: أمر الله أن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين، أي نفر من المسلمين يكون ذلك موعظة، وعبرة، ونكالا.
- من الشئ: القطعة منه تقع على القليل والكثير. [2]

اهتم العرب بقيمة الجماعة وارتباط الفرد و العنصر بها فأسهبو في اعطاء الاسماء لها و تنويعها و تمييز الفروقبين الجماعات نوعا وكيفا وعددا وكما , فهاهو ابن مالك (المتوفى: 672هـ) صاحب الألفية في كتابه الألفاظ المختلفة في المعاني المؤتلفة يعطي للفظ الجماعة عشرون مترادفا :
بَاب الْجَمَاعَة
حزب وَطَائِفَة وَفرْقَة وعصبة ورهط وفئام وأحزاب وكردوس وفوج وثلة وَجَمَاعَة وملأ وزمر وكتيبة وفيلق وَنَفر وزرافات وخميس وجيش وشرذمة . [3]

أما اللبابيدي أحمد بن مصطفى المتوفى سنة 1318 هـ في كتابه " اللطائف في اللغة = معجم أسماء الأشياء " فيضع لمصطلح الجماعة أكثر من 140 مرادفا منها:
الأثفة الأثفية الأثئية الأزملة الأبش الأباشة الأفرة الأوقة الْأمة .. [4]

وقد اهتم الفقهاء المسلمون من القدم بالكتابة و التحليل و التصنيف في موضوع الجماعات و الفرق التي ظهرت داخل الاسلام و ظلت تنتسب له أو أعلنت الارتداد أو الاستقلال العقدي وتكوين دينها الخاص بها .
ومن أول المؤلفات و الكتابات في هذا السياق :
1- كتاب: الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية
لعبد القاهر بن طاهر بن محمد بن عبد الله البغدادي التميمي الأسفراييني، أبو منصور (المتوفى: 429هـ)

2 - كتاب: الفصل في الملل والأهواء والنحل
لمؤلفه: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري (المتوفى: 456هـ)
3 - كتاب: الملل والنحل
المؤلف: أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أبى بكر أحمد الشهرستاني (المتوفى: 548هـ)
يرى أغلب من كتبو في نشوء الفرق و الجماعات في التاريخ الاسلامي انها بدأت مع وفاة النبي صلى الله عليه وسلم واجتماع المسلمين في سقيفة بني ساعدة واختلافهم في من سيتولى قيادة المسلمين و إمامتهم من الطائفتين : الانصار أم المهاجرين ثم اتفاقهم على تولية الصحابي أبي بكر (ض) .
يرى عَبْد القَاهر البَغْدادي (المتوفى سنة 429 هـ ) في كتابه الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية أن الاختلاف بدأ مباشرة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم[5] حيث اختلف الصحابة في حقيقة موته بين مصدق و غير مصدق, غير ان هذه الحادثة لا تعتبر اختلافا لغلبة رد الفعل النفسي و سرعة التفاهم بعدها ولدعم تركها أي تأثيرا سياسيا على اوضاع المسلمين مقارنة بغيرها من الاختلافات ..
ويمكن تلخيص اهم الاختلافات في السنوات الاولى للإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم :
1- اختلافهم على مكان دفن النبي صلى الله عليه وسلم بين من يقول بدفنه في المدينة و القائلين بدفنه في مكة وبين القائلين بدفنه في الشام قرب بيت المقدس.
2- اختلافهم على من يتولى امامة المسلمين وخلافة النبي في قيادتهم حيث طالب الانصار بالإمامة لسعد بن عبادة ورفض القرشيين لهذا بدليل حديث النبي بكون الانتساب لقبيلة قريش شرط لتولي الامامة , ثم استقرت الاوضاع بمبايعتهم للصحابي أبي بكر.

ويعتبر هذا الاختلاف من اخطر الاختلافات التي وقعت في التاريخ الاسلامي والتي ستؤثر عليه لاحقا وستصبح السبب في نشوء جماعات و حركات المعارضة.
3- اختلافهم في أحقية آل بيت في ميراث النبي وتحديدا فاطمة في ميراث أرض فداك مع الخليفة أبي بكر الذي منعها بدليل حديث النبي عن عدم وراثة الانبياء.
4- اختلافهم في قتال مانعي الزكاة أيام خلافة أبي بكر بين معارض لقتالهم لأنهم يشهدون الشهادتين و مؤيد لقتالهم بحجة رفضهم لأداء ركن من أركان الاسلام.
5- اختلافهم في الثورة على الخليفة عثمان بن عفان بسبب ظلم ولاته ورفض عثمان التخلي عن الخلافة ثم انتهاء الثورة بمقتل الخليفة عثمان.
6- اختلافهم في حكم قاتلي عثمان وما نتج عنه من أحداث اخرى : معركة الجمل بين جيش أم المؤمنين زوجة النبي عائشة و الصحابيين طلحة و الزبير من جهة ومن جهة اخرى جيش علي .
7- الاختلاف في معركة الجمل سيؤدي إلى معركة اخرى بين جيش علي و جيش معاوية التي سميت بمعركة صفين .
8- الاختلاف على طريقة التحاكم في معركة صفين بين الجيشين وخروج جزء من جيش علي بعض رفضهم لتحكيم الرجال كوسيلة لإيجاد حل او الاصطلاح
9- هذا الاختلاف بين علي وجزء من جيشه سيؤدي إلى معركة بينهم سميت النهروان جاءت بعد فشل الجهود لإرجاع الخارجين.
بعد تعدادنا لأهم الخلافات يتضح أن الاوضاع السياسية في النصف الاول من القرن الهجري الاول استقرت طائفيا على ثلاث فرق كبرى متباينة الحجم و العدد والافكار و الاهداف:
الفرقة الاولى هم من ساندو علي في حروبه وسيتم الاصطلاح عليهم بالشيعة وتعني الاتباع أو أتباع اهل البيت لأنهم لايرون الخلافة أو الامامة إلا في أهل بيت النبي أو نسله , و يطلق عليهم أيضا الرافضة لأنهم رفضو خلافة أبي بكر و عمر وعثمان رضي الله عنهم.
الفرقة الثانية وهي الخوارج وهم كما سبق من رفض التحكيم من جيش علي و خرجو رافضين إمامة علي أو معاوية مشكلين أول فرقة داخل الاسلام تكفر باقي المسلمين و تحاربهم بالسلاح.
الفرقة الثالثة وهي الاكبر وتشكل غالبية الامة وهم السنة الذين يقبلون بخلافة أبي بكر وعمر و عثمان ثم الخلافة الاموية و العباسية وما تبعها من دول و خلافات إلى هذه اللحظة.
رأينا كيف تحولت الخلافات السياسية بين الصحابة في أحقية من يخلف النبي على الامة والتي اصطلح عليها البعض بالأزمة الدستورية في الاسلام كانت من بين أهم الاسباب التي أدت إلى نشوء فرقة الشيعة و ما تلاها من فرق أخرى اشتقت منها و أهمها الزيدية و الاسماعيلية و الكثير من الفرق التي ظهرت لقرون أو عقود ثم اختفت لأسباب مختلفة.
ومن بين الاسباب التي شكلت الفرق والجماعات هو الاختلاف في فهم النصوص الدينية وخاصة نصوص العقيدة ولكن لا يجب اغفال أو إهمال باقي الاسباب الاقتصادية و الاجتماعية التي قد تكون السبب الحقيقي الظاهر أو المهيج الخفي لهذه الحروب و الجماعات كالعصبية القبلية و ثقافة الغزو[6] و السبي و اقتصاديات الرق و الاستيلاء هذه العناصر التي التي ساهمت في تشكيل الشخصية العربية منذ القدم واستمرت بصور معلنة او خفية حتى بعد الاسلام.

-------------------------
الهوامش:
[1] لسان العرب : جمال الدين ابن منظور . دار صادر – بيروت الطبعة: الثالثة - 1414 هـ , الجزء 8 صفحة 53 .

[2] القاموس الفقهي لغة واصطلاحا : المؤلف: الدكتور سعدي أبو حبيب
الناشر: دار الفكر. دمشق – سورية , الطبعة: الثانية 1408 هـ = 1988 م , الصفحة 235 .


[3] الألفاظ المختلفة في المعاني المؤتلفة , محمد بن عبد الله، ابن مالك , المحقق: د. محمد حسن عواد , الناشر: دار الجيل – بيروت , الطبعة: الأولى، 1411 , صفحة 162 .


[4] اللطائف في اللغة معجم أسماء الأشياء , المؤلف: أحمد بن مصطفى اللَّبَابِيدي الدمشقي (المتوفى: 1318هـ) , الناشر: دار الفضيلة – القاهرة , الصفحة 197.
[5] الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية , عبد القاهر البغدادي التميمي الأسفراييني، أبو منصور (المتوفى: 429هـ) , الناشر: دار الآفاق الجديدة – بيروت الطبعة: الثانية، 1977 , الصفحة : 12 .


[6] المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام , المؤلف: الدكتور جواد علي (المتوفى: 1408هـ) , الناشر: دار الساقي , الطبعة: الرابعة 1422هـ/ 2001م , المجلد 10 , الصفحة 5 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح.. وتوقف دخول


.. بعد قتله جنديين.. حزب الله يستهدف مجدداً ضباطاً إسرائيليين ب




.. هل سيطرة إسرائيل على معبر رفح مقدمة للسيطرة على المدينة بكام


.. شقاق متزايد في علاقة الحليفين.. غضب إسرائيلي من -الفخ الأمير




.. ترامب يتهم بايدن بتزوير المحاكمة لأهداف سياسية