الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دعهم يخرجون - العلاقة مع الاسلامويين

حارث محمد حسن

2005 / 9 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هناك طريقتين لمواجهة الخطر ، ان تردعه او تتركه يفرغ ما في جعبته لينكفئ .التيارات الاسلاموية ذات التوجه التكفيري والعنفي هي من ابرز المخاطر التي افرزتها مرحلة انكفاء الحداثة في العالم العربي ، على الاقل من زاوية ماتبقى حيا من منجزات تلك الحداثة. والتعامل مع هذه التيارات وخطابها السياسي ومنطقها الفكري ظل لزمن غير قليل منحصرا في صورة ردع الخطر واستخدام اليات الكبت المعتادة لدى الأنظمة الديكتاتورية الفاقدة للمشروعية السياسية والاجتماعية ، والنتيجة هي رد فعل عكسي تمثل بصعود قدرة هذه التيارات على التحشيد والتعبئة مستثمرة مجمل المناخ الاجتماعي والفكري الناكص عن الحداثة والتأثير المستمد من التلاعب بالخطاب الديني وتطويعه وفق منطق يدغدغ المشاعر الشعبوية ويجد فضاءا مقبولا في الحيز الذهني الضيق الناتج عن تراكمات القمع الفكري وغياب اليات التجدد الاجتماعي والفكري التلقائي.
من هنا فان المدرسة المخابراتية انتهت الى الفشل في تعاملها مع هذه التيارات ان درسنا الأمر من منظور الافق الأبعد. لقد استمدت الأنظمة المخابراتية التي حكمت العالم العربي منذ الستينات فلسفة التعامل مع هذه التيارات من رؤى قصيرة الأمد توازي الطبيعة الظرفية لهذه الأنظمة وعلاقاتها القسرية مع بيئاتها الاجتماعية. فكانت " حلولها " اجراءات ذات تأثير تغذوي في الغالب خصوصا عندما غاب عنها الأفق الاجتماعي وقدرة الارتقاء بمستوى الفهم الى الأسباب الأكثر جذرية وهي في كثير من الأحيان نفس الأسباب التي انتجت هذه الأنظمة . القمع البوليسي للحركات الاسلاموية زاد من قبولها الاجتماعي عندما تم التعامل مع هذه الحركات كظاهرة سطحية يغيب عنها العمق الاجتماعي والثقافي في الوقت الذي ظلت هذه الأنظمة تحتكر ذات الخطاب السياسي المجاري لخطاب هذه الحركات وتسهم في اعادة انتاج ذات الاطر الثقافية والمعرفية المواتية لتسريب فكر هذه الجماعات وتأكيده اجتماعيا ، فصارت هذه الأنظمة عدوا وصنوا في آن واحد للاسلامويين ، ليلتئم الطرفان في كثير من الاحيان ضمن تحالف شاذ حافظا خلاله على مساحات نفوذهما ضمن الحيز الاجتماعي وعلى مستويات معينة من الصراع لاتضر باتفاقهما الضمني على الانقضاض المتواصل على متجليات الحداثة حيثما بدت مغذية للتمرد على السائد السياسي والأجتماعي.
فوجدنا الطرفان ( الأنظمة والاسلامويين ) يتبنيان خطابا متشابها احيانا ( تحرير فلسطين ، محاربة الامبريالية والصهيونية ، الماضي المجيد ) في اطار التسطيح المتواصل للواقع السياسي والهروب من مواجهة الاستحقاقات التي تفرضها العملية غير المنجزة لبناء الامة في جميع هذه البلدان ،وتشجيع الهروب الاجتماعي نحو مشاكل ما وراء الحدود باستغلال الميوعة الجغرافية المرتبطة بدورها ايضا بمشروع بناء الامة غير المنجز . الأنظمة ترى في هذا الخطاب وسيلة لترقيع مشروعيتها الناقصة ومحاكاة المخيال الجمعي ، والاسلامويين يعتبرونه وسيلة مزايدة لاحراج الانظمة ولسد النقص في المشروع السياسي لتنظيماتهم الذي يغيب عنه الفهم التاريخي ويتغذى على مائدة التيهان الفكري الناتج عن المنطق مابعد الحداثي للرأسمالية التفكيكية.
وفي ظل هذه المعادلة ، بدا إن الفضاء السياسي والاجتماعي في العالم العربي قد اغلق على علاقة شاذة بين خصمين يكملان بعضهما بقدر ما يمارسان العداء تجاه بعضهما ، القمع الذي استخدمته الأنظمة ضد الاسلامويين عمق من مشروعيتهم الاجتماعية وأحيانا السياسية ، في الوقت الذي اسهم ذلك في تعميق المشروعية الدولية لهذه الأنظمة حيثما طرحت نفسها وكيلا للنظام العالمي في سعيه لترسيخ دعائمه بمواجهة التطلعات الثورية او المنتجة للفوضى .
ليست قوة الاسلامويين ، بناءا على ما سبق ، نتيجة لبنائهم الفكري المتماسك او القدرة الاختراقية لأيديولوجيتهم ، بل لأنهم النتاج الممكن الوحيد في هذه البيئة المناوئة للحداثة السياسية ، وهم الامتداد الطبيعي للقمع السياسي والفكري لأنهم تربوا على المتاح الاجتماعي واوغلوا في المضي بعيدا في طريق النكوص عن الحداثة الذي قطعت الأنظمة خطواته الأولى ، وامتلكوا آليات البقاء عبر الاستثمار المنظم لغياب الوعي الاجتماعي والاستفادة من المنابر المتاحة شعبيا ومن الظرف التاريخي المغلف بقدر كبير من البؤس والنزعة القدرية ورغبة الاستئساد بالماضي في مواجهة العزلة الإجبارية عن المجتمع الحديث .
وفي بعض الأحيان صار الطرح الاسلاموي المناوئ للحداثة صريحا بعد ما بدا جزءا من عملية إثبات الهوية ، لقد ذهب الكثير من الاسلامويين الى حد اعتبار التخلف معيارا للنقاء فأصبحت قطيعتهم مع النظام العالمي اكثر تجذرا وانكشافا . وفي الوقت الذي يبدو ان القوة المركزية في النظام العالمي وهي الولايات المتحدة تتجه الى المواجهة المباشرة مع الاسلامويين ، تعيش الأنظمة أزمة وجود جديدة وتحاول بشكل او بآخر التأقلم مع الوضع الجديد باليات مختلفة ، فتارة تحاول الايحاء برغبة العودة الى مشروع الحداثة غير المنجز، وتارة اخرى تتخندق وراء ذات الخطاب الشعبوي السائد تشبثا بمشروعية داخلية تعوض تراجع مشروعيتها الدولية ، ورغم الطابع الإيحائي للسلوكين ، فانهما لا يخلوان من تنازلات تقدم للولايات المتحدة في الحالة الأولى ، وللاسلامويين في الحالة الثانية .
ان هذه الأزمة الوجودية هي نتاج لعملية تراكمية جذرها الأساسي هو الخيار القمعي في التعامل مع الإسلام السياسي ، فحيثما افتقد المجتمع إلى البنية الحداثية المنظمة ديمقراطيا والمعتمدة على آليات التنافس المفتوح ضمن الإطار السياسي الواسع ، كان الأداء القمعي ظرفي الأثر وآني النتيجة ويخلو من النظرة البعيد الأفق ، ولاينهي المشكلة بقدر ما يسهم في تراكمها واعادة إنتاجها وبلوغها أوج التعبير عن نفسها في لحظة إصابة هذه الأنظمة بالشيخوخة وقرب تقاعدها . إن قطع الرؤؤس واختطاف الرهائن والقتل بالجملة يعكس هذا التفاقم في رغبة التعبير عن الذات لدى الاسلامويين كما يعكس تأزمهم أمام نمط المواجهة الجديد الذي لم يعتادوا عليه ، وهو وان أبقى على اعتماد آليات قمعية فانه يرهن ذلك بمشروع تحديث واسع يتجاوز سيطرة الأنظمة الحاكمة وأحيانا يقضي عليها . لقد فشل المنطق القمعي في وضع حد للمشكلة وبات الخيار الممكن هو السماح للبؤر الاسلاموية بالتعبير عن نفسها سواء بالخطاب الديماغوجي او بالمعارضة الصريحة او بقطع الرؤوس وخطف الرهائن ، فالآلية الجديدة ذات الأفق الأبعد لا ترهن المستقبل باستحقاقات الحاضر ولاتسعى لسلام مؤقت على حساب مستقبل فوضوي ، بل تتقبل الفوضى المؤقتة التي يسعى الاسلامويون الى فرضها وتتسلح بالمناخ العالمي المتقبل للمواجهة الشاملة معهم من اجل استهلاك قواهم عبر إطلاقها لتصل إلى الذروة وليتبدى " مشروعهم " على حقيقته خاليا من أي مشروعية اضفاها القمع عليه ومن أي جاذبية تمتع بها بفعل التمظهر بصورة الضحية . هذا الخيار سيكون بشكل او بآخر سقوط لنتاج مرحلة الانكفاء عن الحداثة ، سقوط لأنظمة هذه المرحلة ، ولمعارضتها ، ولخياراتها ..انه السقوط اللازم لبداية جديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟


.. نشطاء يهود يهتفون ضد إسرائيل خلال مظاهرة بنيويورك في أمريكا




.. قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد.. تعرف على تاريخ الطائفة ال


.. رئيس الطائفة الإنجيلية يوضح إيجابيات قانون بناء الكنائس في ن




.. مراسلة الجزيرة ترصد توافد الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة ال