الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بَيْنَ الذَّاكرة وعَمليات الإدراك العقلية

سيومي خليل

2014 / 12 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الكاتب: سيومي خليل
بينَ الذَّاكرة وعَمليات الإدْراكَ العَقلية
------------------------------

مَازال هُناك إصرار كَبير عَلى تَحويل دماغ التلميذ وعَقله إلى دن عَظيم ، ووعَاء كبير ،يُرمى فيه الغث والثَّمين من المعلومات ، إنه ليسَ أكثر من مُستنقع للمعلومات ، والأرقام ،والتَّواريخ ، وعَواصم المدن ، ومَقادير إختبارات التَّجارب ،والقَصائد المطولة والركيكة ، هَذا فقط هو ما تَنجح فيه أغلب الفصول الدراسية ،ليتحول في الأَخير التلميذ إلى أَكبر مُهتم بالغش ، فَما دام التلقين كان ببغائي ، فلا بأس أَن تكون لحظة الإمتحان ماكرة كالثَّعلب ، وأَوراق الغش والتَّدليس مقدسة كالتميمات التي يُعلقها الزنوج على رقابهم .

العَملية التعليمة - التَّعلمية عَليها أن تَتجاوز مَطب الحفظ الذي يَقعُ فيه التلميذ بواسطة تَجاوز طريقة الالقاء البَبغائي التي يميلُ إليها المُّلَقِن ،مِن غير هذا التجاوز ، سيظلُ المُّلقَن مُؤمنا أشد الإيمان بأن مُهمته تَنحصر في تعليب المعلومات التي أعطيتْ له ،وإعادتها إلى صاحبها ، هَكذا سيضمن أَعلى النقط ، وسَيضمن إنتقالا سلسا إلى مَراحل تعليمية متقدمة ، لكنه سُرعان ما يَرمي تِلك المَعارف بعد إنتهاء كل حصة إختبار ، وسَيجد نفسه في العُطلة الصيفية كأَنه لم يَحفظ يوما شيئا ما ، بل سيحملُ أحساسا بأنه لمْ يدخل يوما مدرسة ، لأَن الذاكرة مَهما جادة بِقوتها وفعاليتها ، تَتزاحم فيها المَعلومات حَدَّ صراعها ، و وتقومُ بِتورية بَعضها بعضا ، مما يَجعلها قاصرة على جعل التلميذ قَادرا على فَهم ما يُحيط به ، ومُستوعبا لتغيرات التي تَحدث أمامه ، وعاجزا كل العَجز عن إيجاد حُلول لمواقِف وُجودية وحَياتية وَمعرفية تُلقيها أَمامه لحظات العمر .

في ظل عالم تَتسارع المعارف فيه كأَنها في سباقات المائة متر حواجز ، ليس بمقدور الإلقاء الأُفقي ، الذي يَتم من رجل التعليم إلى المتعلم ،أَن يُواكب سرعة هذه المعارف ، أو على الأَقل لا يُمكنه لوحده إلا أن يُؤدي إلى أعطاب خَطيرة في عملية الإِدراك والفهم ، بل من الوَاجب وضْع نوافذ عَديدة في دماغ التلميذ ، كي يَشرئب بنفسه منها على العالم والمعرفة ،دُون أن يكون خَاضعا لسجن المعلومات التي تتغير بسرعة ، ومهمة وضع هَذه النوافذ ، نَراها ، هي مِهنة رجل التعليم الأُولى ، فالعَقل الذي يجب أن يتم تلقينه للتلميذ هُو العقل المُتحرك ، القادر على جَعل المتعلم ماسكا بزمام العمليات العقلية المشرحة للواقع .

بين الذَّاكرة والعَمليات العقلية ما بين الإِستظهار عن ظهر قلب والتَّحليل المنطقي للوقائع ، فليس أمامنا إلا أَحد هَذين الطريقين ؛ تحويل المتعلم إلى ذاكرة ستضمحل يوما ما كَسحابات المطر ، أو جعله يَملك مفاتيح التحليل والإستنباط ، وللأَسف الشديد ، هُناك فئة كبيرة من رجال التعليم تَعمل على صقل ذاكرة المتعلم ،كأَنها تصقل مهندا عربيا قَديما ، ولا تَعلم أنه مَهما كانت عَملية الشحذ مَاهِرة ، فإن المهند سيصدأ يوما ما ، وسيجد نفسه أسوأ من الخشبة بدون ثمار .

في المقابل مَاذا أَعدت الوزارة لِمساعدة رجال التَّعليم المصرين على التخلي على طريقة الإِلقاء الببغائي للمعارف ، والسَّاعين وراء تلقين التلميذ وسائل إمتلاك طرق التفكير والفهم ؟؟؟.

لا شيء ...

ففي الأخير يَجد رجل التَّعليم المُحفز للقُدرات العقلية الثاوية للمتعلم مُحاصرا بمقررات حفظية واستظهارية ، ويَجدهُ غَير مالك للوجستيك المساعد على إِعطاء المتعلم تلك القدرات ، فالإِعتماد على أربعةِ حطآن، وسبورة سوداء يتيمة ،وعقيرة رجل التعليم ،ومحبَته الكبيرة لمهنته ، نَراها ،غير كافية لإِنجاح هذه المهمة ، وربما لهذا السبب يعود أغلب رجال التعليم أدراجهم ، ويصرون على طريقة التلقين الكلاسيكية التي تحول المتعلم إلى دفتر قديم من خمسين ورقة .

من الواجب إستحضار وسَائل التقنية الحَديثة للتخلص من أَعطاب التَّعليم التي يرزح تحتها تعليمنَا الفاقد للبوصلة، ومن الواجب التقليل من الحشو الناتج عن طول المقررات ، وإمتلائها بالكثير من المعلومات التي عفى الزمن عنْها ، يجب التركيز على تَعلُم طُرق المعرفة بدل تَعلُم محتوى المعرفة ، فالمحتوى يتغير وهو نسبي ، ودائم التجدد ،والطرق هي من تَصنعه ، فإن ظَلَلنا حبيسي جدرانه ، فسَنظل مَتلقين للمعارف ، ولن ننتجهَا
أبدا ، وسنظل ككثير من حفظةِ التراث الذين لا يفقهون معناه رغم وقرهِ في ذاكراتهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حفظ أم فهم؟؟
ماجدة منصور ( 2014 / 12 / 22 - 08:57 )
حاول المركز الإسلامي في استراليا إنشاء مركز ( لتحفيظ القرآن الكريم) في ولاية نيو ساوث ويلز ولكن الحكومة الإسترالية إعترضت على كلمة (تحفيظ أو حفظ) و أكدت ضرورة إستبدالها بكلمة ( تفهيم)0
فكانت قضية بين المركز الإسلامي و دائرة منح التراخيص استمرت مدة سنتان.0
ثم أصدر القاضي قراره بالسماح للمركز الإسلامي أن يستخدمو الإسم الذي تقدموا به و هو (المركز الإسلامي لتحفيظ القرآن الكريم))قائلا: إنه من الأفضل أن يتم تحفيظهم القرآن بدل تفهيمهم القرآن...لأنهم لو فهموه..فإن مصيبتنا ستبقى فادحة و كبيرة جدا.0
احترامي

اخر الافلام

.. أكسيوس: الولايات المتحدة علّقت شحنة ذخيرة موجهة لإسرائيل


.. مواجهات بين قوات الاحتلال وشبان فلسطينيين أثناء اقتحامهم بيت




.. مراسل الجزيرة: قوات الاحتلال تقوم بتجريف البنية التحتية في م


.. إدارة جامعة تورنتو الكندية تبلغ المعتصمين بأن المخيم بحرم ال




.. بطول 140.53 مترًا.. خبازون فرنسيون يعدّون أطول رغيف خبز في ا