الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا تجبرون الناس على دخول الجنة؟

فاخر السلطان

2014 / 12 / 22
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حين التمعّن في السؤال، سيتولّد في أذهاننا الكثير من المسائل والأمور، في حين أن الهدف الرئيسي من توجيهه هو الوصول إلى حل لمسألة تهميش وتكفير وترهيب وإلغاء صاحب الفهم الديني المختلف.


من الطبيعي أن يستنكر بعض رجال الدين (أو غيرهم) أي رأي مخالف لرأيهم. لكن من غير الطبيعي أن يتم ترهيب صاحب الرأي المخالف، ومحاكمته باعتبار رأيه مناهضا للدين وعدوا للفضيلة الأخلاقية، أو يتم إقصاؤه بمختلف السبل المتاحة، إذ بمراقبة ومتابعة خصوصياته ووضع حد لها عن طريق الدوريات الدينية، أو من خلال رمي ماء النار في وجهه، أو بتصفيته كما في ممارسات تنظيم "داعش". فهذا هو الذي تجب مناقشته والتركيز عليه. فنحن مللنا من العبارة الواهية التي تزعم بأن رجال الدين يحترمون الفهم الديني المخالف لرأيهم، في حين وأمام أول اختبار تنهدم تلك العبارة وتظهر مخاطرها وتبرز مساوئها وتعبّر بكل شفافية عن كذب قائلها.


فمن يعتقد بأن فهمه الديني هو الصورة الوحيدة المعبّرة عن حقيقة الدين وعن سمو الأخلاق، هو في الواقع يحتاج إلى معالجة معرفية، لأن نتيجته تلك ستؤدي إلى مضار أخلاقية على الصعيد الاجتماعي، تتمثل في إلغاء المختلف وضرب التنوّع المعرفي.


ويبدو أن تلك الصورة الإقصائية الناتجة عن امتلاك الحقيقة، والتي تظهر في ظل ظروف نفسية سلوكية تمجّد الأنا الفكرية وترفض الفكرة المغايرة وتستسهل الإساءة لصاحبها، تهدف إلى إيهام الآخر بأنه لابد من وجود وصاية فكرية وأخلاقية على شؤونه، ولابد من وجود مَنْ يحدّد دخوله الجنة أو النار.. أو بعبارة أخرى، تسعى هذه الصورة إلى "إجبار" الناس على دخول الجنة. لماذا؟ لأنها تعتقد بأن الفهم الديني المخالف لفهمها، يعيق طريق الفضيلة وطريق الجنة ويمهّد الطريق للرذيلة ولدخول النار. وتلك معضلة كبيرة، لأنها - كما قلنا - تنفي مزاعم قبول المتديّن للتعدّد.


فمن يعتقد بأن فهما دينيا آخر مخالفا لفهمه هو فهم منحرف وقد يدخل صاحبه ومتبنيه النار، يجب أن يكون في مواجهة أمر مماثل وهو أن فهمه قد يكون منحرفا أيضا. فالأفهام الدينية لابد أن تتعايش في ظل امتلاكها جانبا من الحق لا كل الحق. وأن الخطأ أو الانحراف في الفهم هو أمر طبيعي ما دام صادرا عن بشر خطّائين. فمن يعتقد بانحراف الشباب عن الدين لأنهم لا يتبنون فهمه الديني، عليه أن يفكر قليلا إذْ يمكن لفهمه أن يكون منحرفا أيضا، لذا عليه أن يقنع نفسه بأنه لا يمتلك كامل الحقيقة الدينية.


فحينما يصعد رجل دين على منبر الخطابة ليقول لمستمعيه بأن هؤلاء الذين يخالفونه في المذهب يتصفون بصفات أخلاقية جميلة لكنهم مع الأسف سيدخلون النار لأن ولاءهم الديني منحرف، في الوقع يعكس أمرا خطيرا، وهو امتلاكه المطلق لمفاتيح الخطأ والصواب، ولمفاتيح الحسن والقبح، ولمفاتيح الجنة والنار. فيهدد أصل التعايش ويعرّض الأمن الاجتماعي للخطر.


لذا توجد لدى من يزعم امتلاك تلك المفاتيح، مساع لجر الناس صوب فكره هو فقط، باعتباره يمتلك ناصية النجاة المطلقة، وكأنه يجر الناس جرا إلى الجنة، التي ليست إلا الجنة المتعلقة بأفكاره وبفهمه هو، فيما الجنة ليست ملكا لأفكاره فقط بل هي تستوعب مختلف الأفكار والأفهام، بل مختلف صور التفكير للعيش في الحياة.


القول بأن فتح باب حرية الفكر سيؤدي إلى دخول أفكار فاسدة في المجتمع، التي من شأنها أن تتغلغل إلى العقول ما يؤدي بالنتيجة إلى فساد المجتمع، وهو قول باطل. فمن بيده الحكم بأن فكرا ما باطل وغيره غير باطل؟


إن ثقافة الحق الديني المطلق والباطل الديني المطلق، تستند إلى هيمنة سلطوية قائمة على الوصاية على العقول، لذا هي تسعى إلى أسر الفكر والتعبير لكي تتحكم بما يجب أن يقال ويقرأ وينشر وما يجب أن يفكَّر فيه. وبالمحصلة هي تستهدف قتل الحرية. والمثير أنها تزعم وجود سلبيات للحرية، لكنها لا تشير إلى آفات ثقافة الوصاية والهيمنة. فإذا كانت الحرية تجلب بعض الفساد فإن الاستبداد يجلب فسادا كبيرا.


فأعداء الحرية يربطون بين سلامة الجسم وسلامة المجتمع. فيعتقدون بأنه مثلما يجب منع وصول الأمراض والسموم إلى جسم الإنسان وأنه لابد أن نكون حذرين تجاه ما يمكن أن يؤذي أبداننا ويعرض سلامتها للخطر، يجب أيضا أن نكون حذرين تجاه سلامة المجتمع وأن نواجه ما يمكن أن يعرض أمن المجتمع الفكري للخطر. قد يكون هذا الكلام صحيحا، لكن شريطة وجود إجماع على تشخيص ما يمكن اعتباره بأنه مضر وخطير على المجتمع. فالأفكار يجب أن تطرح، وإذا حصل إجماع على أن البعض منها يضر بالمجتمع، عندها يجب منعها. وهو أمر شبيه بأنواع الأغذية التي يُعتقد بأنها خطيرة على كل أفراد المجتمع ويجب منع دخولها إلى البلاد. وفي غير هذه الحالة فإن الممارسات التي تعكس وصاية على الفكر وسجنا للحرية لأن مجموعة من المتدينين تعتقد بضررها وخطورتها على المجتمع لكنها لا تمتلك إجماعا على تلك المضرّة والخطورة، فإن تلك الممارسات لا تعكس إلا استبدادا.


إن المفكرين الغربيين في القرون الوسطى حينما طرحوا رؤيتهم حول دوران الأرض وسكون الشمس، تمت معارضتهم على أساس أن تلك الفكرة تخالف وجهة النظر الدينية السائدة في الكنيسة آنذاك، وبدلا من نقد تلك الرؤية وصفوها بالجرثومة التي تهدد أمن المجتمع ولابد من وأدها. وجميعنا يعلم بأن عملية الوأد لم تؤد إلى أي نتيجة، بل إن رؤية غاليليو في هذا الإطار انتشرت على نطاق واسع حتى أصبحت من أهم النظريات العلمية في العصر الحديث. بالتالي فإن التضييق على الأفكار والحريات بطريقة استبدادية هو طريقة فاشلة. فمن الخطورة على سلامة المجتمع وحريته واستقراره أن تعتقد مجموعة من رجال الدين وأنصارهم بأنهم أوصياء على الفكر وعلى الحرية، وبأنهم الوحيدون الذين لهم حق تحديد الحق من الباطل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لم يعد للاه عمل لقد اخذنا محله
مروان سعيد ( 2014 / 12 / 22 - 17:38 )
تحية للاستاذ فاخر السلطان المحترم وتحيتي للجميع
رائع هو فكرك حول التعددية وحرية الفكر بشكل عام ومن يؤمن بالاه الحقيقي يجب ان يعرف هو خلقنا احرار فكريا وعقائديا ولم يخلقنا مبرمجين ببرنامج واحد لكانت الحيات بليدة ومملة وكانك ترى الارض بلون واحد
نعم جعلنا مختلفين لنكمل بعضنا وناخذ من بعضنا ونتبادل الخبرات لكي نبني هذا العالم الجميل ونكون شركاء حقيقيين مع الله
ولكنا اليوم كل يكفر اخاه ويجعل مسواه جهنم ونحن نعرف بان الديان هو الله فاخذنا محله بالدينونة وفتحنا محاكم دينية وبداء القتل على الهوية او المزهب وحتى على الشكل لقد سمعت بالعراق قتلوا بعض الشباب برميهم من السطح على ان لباسهم غير لائق واعتبروهم منحرفين وشازين
وقد قال المسيح
«لا تدينوا لكي لا تدانوا 2 لانكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم. 3 ولماذا تنظر القذى الذي في عين اخيك واما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها؟ 4 ام كيف تقول لاخيك: دعني اخرج القذى من عينك وها الخشبة في عينك. 5 يا مرائي اخرج اولا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدا ان تخرج القذى من عين اخيك!
ومودتي للجميع


2 - ولماذاتجبرون الناس على دخول النار؟؟
عبد الله اغونان ( 2014 / 12 / 22 - 19:56 )
لاأحد يجبركم على دخول الجنة
رغم حسن نوايا بعض المؤمنين عملا بقوله صلى الله عليه وسلم
ان قوما يقادون الى الجنة بالسلاسل
ان أراد الله بهم خيرا
هناك دعاة على أبواب جهنم من تابعهم قذفوه فيها جهنم الدنيا التي نعايشها وجهنم الاخرة وهي أشد
بشرتمونا بالقومية العنصرية فشتت الأمة اربا اربا وطوائف متناحرة نماذجها حزب البعث والعبث فيسوريا والعراق حرق ويحرق الحرث والنسل
بشرتمونا بالوحدة العربية فها أنتم في كل بلد صيحات ونعيق
بشرتمونا بالاشتراكية باذا باالتوحش والفساد ومصاصي الدماء قد سيطروا على الفكر والثروة والسلطة بل تحالفوا وأطبقوا اطباقا
بشرتمونا بالحرية فلم نر الا مزيدا من الميوعة والاباحية والاعلام الماجن هز ياوز وشطح ردح
ودردك وعود دردك
الثورات الوهمية تحولت الى فوضى خلاقة وخناقة وكأنك يابوزيد ماغزيت الاستسلام في فلسطين ومصر وعودة الفلول وبراءة الطغاة وسجن الأحرار
عبودية جوع اذلال
الى الله المشتكى
وحسبنا الله وعم الوكيل


3 - تصارع بين القرآن والحديث القدسي والمسلم
john habil ( 2014 / 12 / 24 - 06:47 )
ص: 218 ] ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون
إن قوما يقادون الى الجنة بالسلاسل
من الواضح جداً .. ليس هناك خيار
الله حكٌم وأجرى المقايضة
والرسول أكد وأثبت، أن الطريق الى الجنة لبعض القوم يجي أن يكون عن طريق القياد والسلاسل
أي كما يشرح السيد آغانون
عبودية ... نقييد أحرار (( سبيهم وأسرهم ))..جوع وإذلال .... تهديد بالقتل أو اعتناق الاسلام .... الذي سيأخذذحم من السلاسل إلى الجنة
هذه مسطرة ... وأدلة على تضارب القرآن ... والحديث .... والوهابية


4 - مقال لطيف
نصر ( 2014 / 12 / 25 - 14:41 )
... شكرا... مقال لطيف

اخر الافلام

.. ناريندرا مودي... زعيم هندوسي في هند علمانية -اختاره الله للق


.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: فترة الصوم المقدس هي فترة الخزي




.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: السيد المسيح جه نور للعالم


.. عدد العائلات المسيحية في مدينة الرقة السورية كان يقدر بنحو 8




.. -فيديو لقبر النبي محمد-..حقيقي أم مفبرك؟