الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السوفسطائيين واثرهم علي الفلسفات اللاحقة

ديفيد ج. كوج

2014 / 12 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


1
أثر السوفسطائيين علي الفلسفات القديمة:

لاشك ان جماعة السوفسطائيين كان لهم اكبر الأثر في الفلسفة عامة وكان لأراهم القول الفصل في كل شئ خاصة في جعلهم للانسان المنطلق الأول والاخير لكل شئ أو لنقل الفلسفة وذلك بقول بروتاجوراس ان الانسان مقياس الاشياء جميعاً ما يوجد منها وما لا يوجد.
أي ان ما يعرفه الانسان هو ما يوجد والا فلا شئ يوجد وبذلك احدث السوفسطائيون نقلة كبيرة في تاريخ الفلسفة.
وكذلك ان ما يعرفه الانسان هو ما يوجد الا فلا شئ يوجد .
وكذلك دعوة السوفسطائية الي الفردانية ، بمعي انهم دعوا الي النسبة ايضا بحصر المعرفة والاخلاق بل وكل شئ نسبي . فكل مايراه المرء انه حق لايراه الاخر كذلك فلكل نظرته للامور لذلك جعلوا كل شئ نسبي.
وهذه النزعة اثرت ايضا علي الفلسفة الحديثه بشكل خاص ونجد ذلك عن نيتشه الذي تاثر نوعا ما بنزعة تراسيماخوس الفوضوية.
وبشكل عام فالسوفسطائيون لهم اثرهم الاكبر في تاريخ الفلسفة الغربية . وقد ظهر ذلك عند معاصريهم امثال سقراط الذي تميز فلسفته نقداً للسوفسطائية بشكل عام لاسيما للجيل الاول خاصة بروتاجوراس وجورجياس.
ويظهر ذلك في نقد افلاطون وارسطو لقول بروتاجوراس ان الانسان مقياس الاشياء جميعاً ّ فقالا لم اختار بروتاجوراس الانسان ليكون مقياساً لولجود كل شئ ولم لايكون القر او البقر أو اي حيوان اخر ذي ادراك.
فاختيار بروتاجوراس للانسان هو ان الانسان لابد ان يسيطر علي الطبيعة ويكون المنطلق الاول، ولان الانسان اهم من كل شئ حتي الحيوانات فبدون إنسان لايمكن ان يكون لكل شئ معني. ولاشئ ان أثر السوفسطائيين علي اللاحقين عليهم كانت بطريقتين الاولي ومباشرة في حالة سقراط وافلاطون والثانية غير مباشرة كما عند ارسطوطاليس وغيره. وايضا تاثر كل من هو افلاطوني النزعة وارسطي النزعة.
وكان سقراط اول من تجرأ وعارض السوفسطائيين وقد كان لمعارضته للسوفسطائية اكبر الاثر في فلسفته لاسيما نظريته المعرفية . فسقراط شأنه شأن بروتاجوراس اهتم بالانسان وجعل محور الفلسفة. اذ اقال سقراط اعرف نفسك بنفسك. وهذا يدل علي الاهتمام بالانسان وعن نظريته المعرفية فقد عارض فيه بروتاجوراس اي ان للاخير يرى ويقر بنسبية المعرفة واما سقراط فراى عكس ذلك اي انه يرى ان المعرفة كلية وليس جزئية . ونعتقد انه لولا السوفسطائيين ولولا تحريضهم الناس خاصة سقراط بطريقه غير مباشرة لولاهم ربما لما رات فلسفة سقراط النور.
وكذلك تلميذه افلاطون الذي كان مخلصاً لاستاذه ومؤرخ حياته. لان سقراط لم يكتب شئ بل كل ماورد عنه هو عبارة عن محاورات كتبها افلاطون.
ويعد افلاطون اكبر المعارضين للسوفسطائية واشدهم لانه خصص عدة محاورات لكي يعارض بها هذه الحركة مثل محاورة السوفسطائي وبروتاجوراس وحتي جورجياس وغيرها من المحاورات الي خصصها لنقد فلسفتهم . ويرجع ذلك الي ان السوفسطائيين ياخذون الاجر مقابل تلقينهم الناس اي درس وربما عارض افلاطون هؤلاء الفلاسفية لانه كان لديه ماتلقيه من المال.
وكذلك وقع افلاطون في نفس المشكلة التي كان يعارضها عند السوفسطائيين وهي قوله ان بروتاجوراس علم شابا كان له قضية ووضع له شرط ان ياخذ اجره بعد ان يكسب القضية ولكن بروتاجوراس رفع الدعوى ضد الشاب وكسب القضية وشك راسل في مدى صحة هذه الرواية ، وان لم تكن هذه الرواية صحيحة فافلاطون وقع في نفس الورطة والمشكلة التي يعارض بها هذه الجماعة ومنها الخداع والكذب.
واما ارسطوطاليس فيبدو انه علي حق بعض الشئ في نقده للسوفسطائيين خاصة وانه عاصر الجيل الثاني منهم لانهم جعلوا التعاليم وسيلة لكسب العيش وركزوا علي خداع الناس بالالفاظ ( الخطاب). وقد جعل ذلك في تأليف ارسطو لكتاب المغالطات في هذا الكتاب له اثره في المنطق الصورى وكان مخصص بالاساس لنقد الفلسفات السوفسطائية.
والمقصود هنا بتأثير السوفسطائيين علي سقراط وافلاطون وارسطوطاليس هو تاثرهم بهم سواء اكان سلبا او ايجاباً وقد اهتم هؤلاء الثلاثة كلهم بالفلسفة السوفسطائية حتي يستطيعوا هدمها. ويقال ان افلاطون قد اخذ نظريته في السياسية او لنقل التربية التي اوردها في الجمهورية قد اخذخ عن بروتاجوراس. حيث ان بروتاجوراس قد ورد في نظريته في التربية كيف يمكن ان يعلم المرء من النشأ حتي سن الرشد حتي اذا ماخرج لمعترك الحياة يصبح قادراً لمجابهة المشاكل والدفاع عن المدنيه.
وهذا ماقاله افلاطون في كتابه الجمهورية حول تربية الاطفال حتي يصبحوا حكاماً عندما يكبروا.
وفي العصور الوسطي لانجد للسوفسطائية اي وجود وهذا يعني عدم الاهتمام بهم وبفلسفتهم ، ذلك ان فلاسفة العصور الوسطي قد اولوا الفلسفة بتماشي مع دينهم اي المسيحية وللدفاع عنها ضد العقائد الاخرى ايضا. ولذلك نجدهم في البداية قد تاثروا بافلاطون وافلوطين امثال القديس اوريليوس اوغسطين والقديس انسيلم.
وفيما بعد اي بعدهم تاثروا اللاحقين بارسطوطاليس مثل القديس توما الاكوميني الذي كان واقعيا عكس الاوائل الذين كانوا مثاليين وعلي اي حال فالسوفسطائيين لم يظهروا في مسرح الحياة في هذه العصور وربما لانهم كانوا ينتقدون الدين . وكذلك هذا العصر اهتم فلاسفتها ( معظمهم لاهويين ) بامور الدين والله وليس الانسان.
بعد أن تم تناسيهم تماماً وتجاهلهم فلاسفة العصور الوسطي المسيحين ، عاد السوفسطائيين الي مسرح الفلسفة مجدداً في العصر الحديث ( عصر التنوير).
بفضل التطورات التي حدثت وتحرر الناس بعض الشئ من سلطة الكنيسة التي كانت تتابع كل شئ بواسطة محاكم التفتيش .
واعتناق او الاخذ بافكار هذه الجماعة صعبة وربما سيتعرض المرء للاتهام بالهرطقة. واما في العصر الحديث فقد تغير المعطيات.
ومع ذلك لم ينصف السوفسطائيين من قبل الفلاسفة ايضاً. وذهب بعض منهم الي معارضتهم مثل مافعل افلاطون حول اخذهم اجر مقابل تعليم الناس ومع ذلك نجد مثلا ان للسوفسطائيين اثر بسيط علي المذهب التجريبي الانجليزى عند لوك وهيوم.
وهو اعتماد هؤلاء الفلاسفة ومن بعدهم من نفس المدرسة علي الحواس وجعلهم الحواس مصدراً وحيداً للمعرفة. وهذا مايتفق مع ماذهب اليه بروتاجوراس عن نسبية المعرفة وان المعرفة حسية اي تدرك عن طريق الحواس. وهذا مايقوله لوك بالضبط اي ان المعرفة تتم بالتجربة والحواس ولا يوجد معرفة غريزية في الانسان.
لكن علي الرغم من ان التجريبين قريبون بعض الشئ من السوفسطائيين الا ان اقرانهم وهم العقلانين المثاليين امثال كانط وديكارت بعيدين كل البعد عن هذه الجماعة . لان هؤلاء اعتمدوا علي العقل اكثر واقروا بوجود الله والنظام الكوني وهذا ماكان يزدريه النزعة السوفسطائية.
وبالاضافة الي ذلك فقد تأثر بهم جون ستيورات مل خاصة في نظريته عن القانون واقراره بتطبيق القانون الوضعي وكان السوفسطائيون هم السباقون الي ذلك حتي انهم وضعوا تمييزا بين القانون الوضعي والطبيعي وذهب بعضهم الي ان القانون الطبيعي هو الافضل ويجب تطبيقه لانه ليس فيه خطأ وسيحترمه الناس وذهب الاخرين عكس ذلك. وقد اثني هيغل علي السوفسطائيون لكنه لم ياخذ بافكارهم ولم يتاثر بهم.
وفي نهايات القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين عاد فكر السوفسطائيين بقوة خاصة عند فريدريك نيتشه.
الذي طبق فلسفة السوفسطائيين بحذافيرها بل واضاف بعض الاشياء اليها. وقد تحدث نيتشه عن كثير من الموضوعات ويتجلي ذلك في كتابه "هكذا تكلم زرادشت" ينتقد فيه الدين والقيم الثقافية والحضارية السائدة في عصره. وهذا مافعله السوفسطائيين من قبله . بل وذهب الي تقسيم الناس وثقافتهم الي ثقافة الاقوياء والضعفاء وهو يزدرى الضعفاء ويدعوا الي استخدام القوة فقط.
وتحدث عن ذلك ايضا عن ارادة القوة اي ان الحياة تتوق الي الازدهار والانتشار والغزو فهي ارادة قوة وليس ارادة حياة.
فلا مكان للضعفاء في هذه الحياة حسب راى نيتشه . وهذا ماقاله تراسيماخوس بالضبط اي ان القوة هي التي يجب ان تسود ولاشئ سواها . والقانون يخدم الضعفاء فقط. وقسم نيتشه الاخلاق ايضا الي اخلاق السادة واخلاق العبيد. وقال ان اخلاق العبيد هي التي تعلمها المسيحية وهي الفضيلة والرأفة والاهتمام بالضعفاء والشفقة وانكار الذات ونقذف به الي هاوية الخدمية لذلك دعا الي نبذها.
و كذلك هوبز الذي تحدث عن انانية البشر ايضا و حرب الكل ضد الك.
اذن فنيتشه وغيره من الفلاسفة قد تاثروا بالسوفسطائيين وبفلسفتهم بطريقة غير مباشرة او توافقهم في الاراء والافكار. فالسوفسطائيون جماعة لايستهان بهم ولابفكرهم العميق واهتمامهم الجليل بالانسان ونزعتهم التنويرية وتحريضهم الناس للتفكير وتجديد الكثير من الامور في حياة الانسان لاسيما القيم البالية مع ان بعض ارائهم تدعوا للفوض مثل قولهم ان الحق للاقوى وهذا مافسره نيتشه بارادة القوة وبعض ارائهم حقا فوضوية ولكن لهم قدر كبير من الاهمية والمساهمة في الفلسفة القديمة خاصة والحديثه ايضاً وحتي المعاصرة ومابعد الحداثه.
نواصل...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مستشرق إسرائيلي يرفع الكوفية: أنا فلسطيني والقدس لنا | #السؤ


.. رئيسة جامعة كولومبيا.. أكاديمية أميركية من أصول مصرية في عين




.. فخ أميركي جديد لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة؟ | #التاسعة


.. أين مقر حماس الجديد؟ الحركة ورحلة العواصم الثلاث.. القصة الك




.. مستشفى الأمل يعيد تشغيل قسم الطوارئ والولادة وأقسام العمليات