الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطرف أيضا من مقومات بناء الأمم

احمد عسيلي

2014 / 12 / 31
المجتمع المدني


تسائل يوما الكاتب البريطاني براون ويتاكير في كتابه الحب المحرم ، عن سر تغير الأوضاع في عالمنا الشرقي ، فجعل من هذا الشرق الذي احتفى يوما بشاعر استهزء بكل قيم المجتمع الأخلاقية و الدينية ، كأبي نواس ، و مارس المثلية الجنسية علنا ، دون أن يؤثر ذلك على مكانته الشعرية . كيف لهذا الشرق أن أصبح يضيق على مشهد قبلة في السينما ؟؟؟ . و لا يجد هذا الكاتب إلا جوابا واحد مستمدا من علم الإجتماع ، و هو أن الأمم القوية ، والتي تتحلى بدرجة عالية من الثقة في النفس ،تسمح لجميع أشكال التعبير عن الذات بالخروج ، بما فيها الأشكال المتطرفة ، و بما فيها كل أشكال السخرية من الأمة نفسها !!
ألم يحتفي الغرب و ما زال يحتفي بشاعر فاشي كعزرا باوند ، الذي تمسك بالفاشية الإيطالية حتى آخر أيام حياته ، لكنه رغم فاشيته فهو شاعر مبدع و خلاق ، و ساهم في اكتشاف مواهب أدبية أثرت الشعر الغربي ، كتبنيه للشاعر العظيم اليوت ، و الذي لا يتحرج من ذكر حقيقة أن باوند ساهم معه في كتابة القصيدة الأشهر في الأدب الإنكليزي ، و هي قصيدة الأرض اليباب .
ألم يكرم اليابان أيضا روائي و مجنون كيوكيو ميشيما ؟ هل ممكن أن نتخيل صدمة مجتمع محافظ كالمجتمع الياباني برواية مثل رواية اعترافات قناع !
لم يخف يوكيو ميشيما حبه للدماء و العنف ، لينتهي هذا الوله الدموي بالإنتحار أمام الملأ من أحد شرفات وزارة الدفاع اليابانية ، لكنه جنون تحتاجه الأمم ،لأن صوت الإعتدال اذا لم يلقى معاكسة من أمثال تلك المواهب ، يصيب الأمة الركود و من ثم الوفاة .
لذلك يجب الحفاظ على شعراء التطرف ، كالحفاظ على سياسيين عقلانيين ،
هذه حال الأمم جميعها التي تدرك أنها ليست ابنة اليوم ، و يجب أن تبقى محافظة على نفسها لآلاف السنين .
فإلى اليوم يفخر الفرنسيون بفيلسوفهم العظيم سارتر ، الذي قال ذات يوم ( كل من لم يكن شيوعي فهو كلب ) ، و نزل إلى الشارع ليبيع الصحف الماوية و الشيوعية ، في ذروة الحرب الباردة ، و احتدام الصراع مع الإتحاد السوفييتي و الصين .
ما هو موقف العرب يا ترى لو أن مواطنا عربيا حمل العلم الإسرائيلي إبان الاعتداء على غزة ؟
أو أنه رفع علم داعش و نادى بمبايعة البغدادي في ميدان التحرير بالقاهرة ؟
أنا لست مع الأول و لا مع الثاني ، لكن يجب أن نسمح لكل الأشخاص برفع الأعلام التي تريد . مع ثقتنا ، أن هذه الأصوات هي أصوات نشاز و سيبتلعها التيار .
هذا مع المواطن العادي ، فما هي خصوصية الشاعر ؟
ألن تشفع له إبداعاته التي أصبحت جزءا من تراثنا ، كي نسمح له بكل أشكال التطرف و الجنون ، و المجون .
ليفعل ما يريد ، لكن بالنهاية هناك دولة و قانون قادر على حماية الجميع رغم كل الجنون و التطرف .
لهذا فسعيد عقل جزء من تراثنا ، حتى تطرفه و اختراعه لأبجديته الخاصة ، هو جزء من تراثنا .
من منا يستطيع نسيان أغاني فيروز التي كتبها لها ، شام يا ذا السيف ، هي الوجه الآخر من دعوته للبننة العالم العربي . هو هكذا كل متكامل ، هذه العبقرية الشعرية جزء من شخص يحق لنا أن نفخر بوجوده في تاريخنا ، حتى لو دعى إلى الفاشية ، فأهلا بكل تلك الكلمات ، لكننا لنا مشروعنا الخاص في بناء الدولة ، و التي يجب أن يستلمه أشخاص آخرون ، سعيد عقل ليس واحدا منهم ، لكنه أحد مبدعي لغتنا .
و سيبقى واحدا من المبدعين و ان كرهنا فاشيته ، كما يمكن أن نتفق مع سماحة و طيبة و نبل عدد كبير من الفنانيين أو الأدباء ، دون أن نخجل من الإعتراف بإن نتاجهم لا يستحق المتابعة .
فتراثنا ليس سياج يجب أن نضبط داخله كل تحركاتنا ، بل هو مدى ، و نسشجع كل من يوسع ذاك المدى
أهلا بالمتطرفين ، أهلا بكل خارج عن قيم مجتمعنا ، أهلا بكل الأصوات من اينما شاءت ، من أراد السير بأي طريق فليذهب ، في تلك الحالة فقط نكون قد خطونا المرحلة الاولى في بناء دول على أسس صحيحة ،
و طالما أننا عاجزين عن احتضان جميع الأصوات ، و طالما أن زعزعة استقرار دولنا ، ممكن أن تهتز عبر مقالة أو مضاجعة في سرير ، فهذا يعني أنننا مازلنا أضعف من بناء الدول ، و أضعف من أن يكون لنا قدرة على كتابة كلمة في مدونة اتاريخ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ضجة في المغرب بعد اختطاف وتعذيب 150 مغربيا في تايلاند | #منص


.. آثار تعذيب الاحتلال على جسد أسير محرر في غزة




.. تراجع الاحتجاجات في عدد من الجامعات الأميركية.. واعتقال أكثر


.. كم بلغ عدد الموقوفين في شبكة الإتجار بالبشر وهل من امتداداتٍ




.. لحظة اعتقال طالبة رفعت علم فلسطين بيوم تخرجها في أمريكا