الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عندما يتحوّل الدين إلى سياسة

حسين الموزاني

2014 / 12 / 31
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حسين الموزاني

عندما يتحوّل الدين إلى سياسية

مما لا شكّ فيه هو أنّ العلاقة بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي كان يغلب عليها طابع العداء والكراهية والحرب منذ نشوء الإسلام وإقامة دولة الخلافة الإسلامية وإلى اليوم، كما لو أنّ هذا الصراع المتعدد الأبعاد والأشكال أصبح قدراً لا فكاك منه. وقد بُذلت على مرّ العصور محاولات حثيثة لتوسيع النفوذ والتنافس بين الديانتين الإسلامية والمسيحية، وحتّى عبر شنّ الحروب الاستعمارية، ثم لحقت بهما الديانة اليهودية التي تحوّلت إلى أداة سياسيّة وعسكرية تستغلها القوى الغربية وتسخرها لتنفيذ أهدافها ومآربها. وكانت هذه الديانات السامية التبشيرية تحاول بشتى السبل إقصاء بعضها البعض وتهميشها، وقد بلغت هذه العلاقة المتوترة والملتبسة بين الدول الإسلامية والمسيحية مرحلة مخيفة من انعدام الثقة المتبادل في الوقت الراهن على نحو خاص. وتعرّض المسلمون، ومازالوا يتعرضون، وبغض النظر عن إيمانهم أو عدمه، إلى حملات تشويه مغرضة تستند إلى الأكاذيب وتزوير الوقائع التاريخية لغرض الحطّ من شأنهم وتسفيه معتقداتهم ومن ثمّ شنّ الحرب على بلدانهم وتدميرها وتشريد سكّانها مثلما حدث ويحدث في أفغانستان والعراق وسوريا.
وكان الكتّاب والمؤرخون الغربيون، ما عدا استثناءات قليلة، يكنون العداء السافر للإسلام وكتابه ونبيّه، ويشوهون عن عمد الوقائع التاريخية الثابتة ويروجون الإشاعات والأكاذيب عن سكّان المشرق، والعرب منهم بصورة خاصة، ومعتقداتهم وحياتهم الاجتماعية. فنرى البعض يصفهم في القرون الوسطى بأنهم منحلون اجتماعياً وكلّ من يضع عصاه على باب دار يحقّ له أن يقضي وطره مع صاحبة الدار، مثلما كتب الألماني يوهان بويموس في مطلع القرن السادس عشر. وقال إنهم فاسدون وكسالى ولا يعرفون التجارة والصناعة ويعيشون في بيوت متداعية وخالية من الحماية ويعتاشون على الأفاعي ولحوم الإبل ويرقدون كلّهم رجالاً ونساءً وأطفالاً في فراش واحد ويخوضون الحروب مع بعضهم البعض لأسباب تافهة. ووجدت هذه الأحكام المسبقة والتصورات المشوهة عن العرب سبيلها لدى طائفة كبيرة من الكتّاب والمفكرين والسياسيين إلى يومنا هذا. واستعرض إدوارد سعيد في كتابه "الاستشراق" بعضاً من مظاهر العداء للعرب في كتابات الغربيين.
بيد أنّ واقع الحال يتحدث بلغة أخرى، مختلفة تماماً ويقدم صورةً ناصعةً للعرب، باعتبارهم صنّاع حضارة ومؤسسيّ ثقافة جديدة وديناً شاملاً ولغةً فكريةً وأدبيةً رصينةً، مازالت حيّةً ومتجددةً إلى يومنا هذا. وساهموا مساهمة فعّالة في إحياء الفلسفة والعلم الإغريقيين، ممهدين الطريق إلى حقبة التنوير الحاسمة التي شهدتها القارة الأوروبية. ويعترف البعض بفضل العرب في اكتشاف العلوم الحديثة وبراعتهم في الطبّ والرياضيات والجغرافيا والفلك والفلسفة والأدب وعلم الاجتماع. وأحصى أحد الباحثين نحو مئتيّ مصطلح في مختلف المجالات العلمية والتطبيقية، انتقلت بدورها إلى اللغات الأوروبية وباتت متداولةً إلى يومنا هذا، ومنها الجبر والكيمياء والكحول والصكوك البنكية والملاحة البحرية وفنون الحرب وما إلى ذلك. وانتشرت هذه المعارف في جميع أنحاء القارة الأوروبية عبر اللغة اللاتينية ثم الفرنسية والإنجليزية فالألمانية.
لكنّ هذا التأثير الذي كاد أن يكون أحاديّ الجانب والذي مارسه العرب على أوروبا اختفى شيئاً فشيئاً في عهد السلطنة العثمانية بصورة خاصة، واكتشاف الأوروبيين "لإرثهم" الإغريقيّ القديم فصاروا ينقلون عنه مباشرة، دون المرور بالعرب الوسطاء ونقلة الحضارات القديمة. فخبا بريق العرب وتلاشى دورهم واضمحل وتحولوا إلى مجرد أثر ماضوي يلهب مخيلة الرومانسيين والشعراء الحالمين بعوالم ألف وليلة وليلة.
ونحن لا نرى في الوقت الحاضر سوى الانحطاط وانعدام دور العرب، ونعني هنا الأنظمة العربية بالدرجة الأولى، في صياغة الوعيّ البشري الشامل وإقامة الأنظمة الاجتماعية المتكاملة، الاشتراكية منها أو الرأسمالية، على غرار ما فعله ويفعله الأوروبيون والآسيويون والأمريكيون. وهناك من يلقي بالذنب على عاتق إسرائيل والصهيونية العالمية وآلتها الدعائية العملاقة الرامية إلى تشويه صورة العربي بغية تسهيل عملية الإجهاز عليه، دون مراجعة الأخطاء الذاتية والأزمات الاجتماعية.
وسائل الإعلام الغربية تحاول جاهدةً أن تبرز ظاهرة التطرف والإرهاب وتلصقها عمداً بالعرب، دون أن تتعرض إلى أنظمتهم المرتبطة بالغرب سياسياً واقتصادياً وأمنياً وعسكرياً. فبات العربي مشبوهاً بسبب ذنب لم يقترفه أصلاً، وصارت تلصق به التهم الجاهزة، وأخذت وسائل الإعلام الدعائية الموجهة تتفنن في تفسير المصطلحات العربية مثل "النقاب" و"البرقع" و"الجهاد" و "الانتفاضة" و"الفتوى" و"القاعدة". وأضحت مصداقية العربيّ موضع شكّ أينما حلّ، وعليه أن يثبت براءته ونزاهته أمام الرأي العام ووسائل الإعلام، ويجدد الولاء لأنظمة الدول الغربية ومؤسساتها ويبرر سلوكه وتصرفاته، على الرغم من أنّ هذه الأنظمة تعترف بأنها هي التي تسهّل عملية التحاق المتطرفين الإسلامين في مناطق القتال ليقوم البعض منهم بعمليات انتحارية مثلما تؤكد اعترافات أحد المسؤولين الكبار في مكتب حماية الدستور الألماني، وذلك تحسباً واحترازاً لئلا ينفّذ هؤلاء المتطرفون جرائمهم الإرهابية في بلدان الغرب مثلما حدث مؤخراً في العاصمة الكندية أوتوا على سبيل المثال.
صحيح أن العرب، وبالأخص نخبهم السياسيّة والثقافيّة، يتحملون مسؤولية كبيرة في ترسيخ هذه الصورة القاتمة التي رسمها الغرب عنهم، لكنّ من الثابت أيضاً هو أنّ وسائل الإعلام الغربية تحاول بخبث وإصرار وبشكل يومي على تشويه صورة الإنسان العربيّ والطعن في كرامته ومصداقيته ومحاربته نفسياً وتهميشه ثقافياً وزعزعة ثقته بنفسه والإجهاز على روح المقاومة في داخله. فتحوّل الإنسان العربي الليبرالي المنفتح على الآخر، والمبدع العربيّ قبل كلّ شيء، إلى ضحية سهلة ومشروع لا ينضب لبثّ السموم الدعائية الغربية وشنّ الحرب بشقيّها العسكري والنفسيّ عليه وعلى شعبه وبلده وثقافته دون أدنى وازع أخلاقي أو مبرر قانونيّ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah