الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشهر عوائل يهود الديوانية في ميدان الزراعة والتجارة (الحلقة الثالثة والأخيرة )

نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)

2015 / 1 / 1
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



آل موسى :

من أول العوائل اليهودية التي استوطنت الديوانية عائلة (موسى) , جاءت من شمال العراق عام 1750 واستقرت في مدينة الديوانية , كان أبناء الطائفة اليهودية في الديوانية يمتهنوا الزراعة والتجارة وبيع الأقمشة والمصوغات الذهبية ونقل المحاصيل الزراعية للمدن العراقية الأخرى , فقد اهتمت عائلة (خضوري ساسون موسى) بتجارة الحبوب وساهموا في التطوير الزراعي في الفرات الأوسط .
ولد خضوري ساسون موسى عام 1894 في مدينة الديوانية " وقبلهُ أبوه وجدهما الآخران قد ولدا في الديوانية , ترعرع في وسط زراعي ونشأ بين أناس كانت الأراضي كيانهم وملاذهم" ( ) , كانت رغبة ساسون موسى أن يجعل من ابنه (خضوري) بائعاً للأقمشة يساعده في الحانوت التي يمتلكها في سوق الديوانية , لكن الابن لم يأنس لهذا العمل ولم يعبأ به فترك حانوت الأقمشة وانصرف إلى تجارة الحبوب متنقلاً بين الديوانية والناصرية والبصرة , وقد عملَ في عدة مجالات منها تزويد المضخات الزراعية بالنفط , في "عام 1924 تعاون مع آل معلٍم رواد الزراعة الحديثة في الفرات في مجال نصب المضخات لسقي بعض المقاطعات الزراعية , كما استثمر الأراضي مع الشيخ (غازي آل إدريس) من عشيرة الخزاعل ومع (الحاج رسول والحاج عبود آل شنين ) من عشيرة الأكرع فرع ( المجاوير) "( ) , هنالك حكاية يشير إليها الكاتب والباحث مازن لطيف " معروفة وتدور على ألسنة أهالي الديوانية يرددها باستمرار وهي عندما قام أحد اليهود الديوانية بطرق باب جاره المسلم الفقير وأخبره بأن كل ممتلكاته سيصادرها النظام الدكتاتوري الذي أمر بتهجيره ورجاه أن يأخذ منه وعن طيب خاطر أثمن ما لديه من نفائس , فراح الرجل يلطم على رأسه ويقول ( إذا خسرتك شليّ بالمال) ففضل الفقر النبيل على الثراء بنذالة " كما يشير الكاتب إلى أن أبناء الطائفة اليهودية في الديوانية كانوا " يرتدون ملابس عربية خالصة مثل الزبون والعباءة والعقال وكان لهم محبة واحترام وتقدير لأن عملهم وأياديهم كانت بيضاء في التعامل مع الناس وحتى مساعدة الفقراء .. وهناك الكثير من الأغاني الشعبية التي تغنى مع عزف على آلة الربابة التي تنسب إلى عزرا اليهودي الذي كان صائغاً في مدينة الديوانية "( ) .
من المتاعب التي حصلت لعائلة (خضوري ساسون موسى) قضية منازعاته الزراعية الطويلة التي شغلت الدوائر واللجان والمحاكم عشرات السنين " منذ عام (1943 ولغاية1970) , إذ انتهت في آخر المطاف بحصوله على غيض من فيض من حقوقه , وقد كانَت المساحات الزراعية التي حصل عليها خمسمائة دونم من أصل ستة آلاف دونم , تركها وراءه كما ترك حقوقاً زراعية أخرى" ( ) , شأنه في ذلك شأن سائر اليهود الذين هجروّا من العراق تاركين أراضيهم وممتلكاتهم وهم لا يلوون إلى شيء.
من ممتلكات اليهودي العراقي (خضوري ساسون موسى) القصر الذي يمثل تحفة معمارية في مدينة الديوانية ومكان الأرض المشيد عليه , القصر يقع مقابل نهر الحلة الصغير الذي يقطع مدينة الديوانية إلى نصفين , ويطلق على هذا القصر بـ( طاق خضوري) نسبة إلى هذا الثري الذي لعب دوراً في الزراعة والتجارة ونقل المحاصيل الزراعية خارج المدينة وللمدن البعيدة (البصرة والموصل وبغداد) , ( طاق خضوري ) هو رمز معماري لذاكرة الديوانية , ومن أهم الصروح والآثار العراقية المهمة , ذا واجهه عالية شاهقة وأعمدة كبيرة والطارمة العريضة والبناء ذات الطراز العصري والغرف المتعددة المطلّة على الشارع العام والمشرفة على النهر والمستندة على الأعمدة ذات الطراز الروماني , حيث يذكر والدي المرحوم عبد الأمير الربيعي قبل وفاته إن الذي شارك في بناء هذا القصر وعمل زخارف واجهته (الأسطة عبد الكاظم إبراهيم حمادي) , كما شارك هذا الأسطة في بناء مبنى المحافظة القديم وبناء الأعمدة المدورة والذي أتذكر عند مروري من أمام البناية وجود تاريخ الإنشاء لها بكلمات بارزة من ضمن البناء في أعالي الشرفة كان يشير التاريخ إلى عام1934 والتي يرتكز عليها جسر المحافظة , لكن أزيل التأريخ مؤخراً بعد بناء شرفة حديثة ضيعت معالم البناء القديم , كانَ (لقصر خضوري) لمسات فنية على نهاية الأعمدة ومن الزخارف والكتابات الموجودة في الواجهة الأمامية , وقد تم بيع القصر قبل هجرة عائلة خضوري ساسون موسى إلى الشيخ عبود شنين , استغل هذا الصرح فترة الخمسينات من قبل محكمة الديوانية , لكن في الآونة الأخيرة أصبح يُشغَل من قبل مكاتب ومخازن للمواد الغذائية , وقد أهملت بقية البناية دون ترميم بالرغم من قدمها وقيمتها التراثية , وبسبب الإهمال تسربت المياه الجوفية إلى أسس البناية والسرداب مما أدت إلى تآكل سردابها وجدرانها , ومن خلال وسائل الإعلام نرجو من محافظة الديوانية والمهتمين بالتراث الاهتمام بهذا الصرح وامتلاكه لدائرة الآثار والتراث كونه يمثل ذاكرة المدينة.
كما كان في السابق قصر آخر لليهودي العراقي الثري عزرا داود خلاصجي في الصوب الصغير قرب مديرية المكوس للواء الديوانية سابقا أي في شارع الصيادلة في أوائل عام 1930" , يذكر الكاتب عبد الكريم قطان في كتابه (مذكرات من جنوب العراق ) "حيث بنيت دار حديثة الطراز ... كانت باحة الدار مسقفه وبني على السقف طابق ثان .. وكنا نقف مشدوهين أمام المرحاض(الفرفوري) وكذلك المغسل ونظن إن (البانيو)الموجود في الحمام سوف يستعمل بدل (الطشوت)لغسل الملابس , وبعد أن تم بناء الدار الجميلة حدثت المأساة التي أصبحت حديث العام والخاص لسنين طويلة , صباح يوم من أيام الربيع الجميلة (عام1930) , إذ أحاطت الشرطة بهذه الدار التي تم بناؤها أو يكاد , وبحضور متصرف اللواء (خليل عزمي) , وبإيعاز منه دوهمت الدار من قبل عمال بأيديهم الفؤوس والمعاول , راحوا يهدمون ويخربون الدار الجميلة وبعد ساعتين أو ثلاث ساعات لم يبق من واجهة الدار سوى الأطلال , وكأنها أطلال بابل ... قيل إن سبب ذلك يعود إلى أن بلدية اللواء كانت أصدرت إجازة البناء بصورة غير قانونية تتعارض مع مخطط توسيع عرض الشارع ... وقد اصدر المتصرف أمراً بإبطال إجازة البناء وأمر بهدم هذه الدار ... تمكن خلالها السيد خلاصجي من الحصول على حكم من المحاكم المختصة بالتعويض , فغرمت الحكومة المتصرف كلفة إعادة البناء على أن يدفعها من جيبه الخاص , وإعادة بناء الدار كما كانت عليه سابقا"( ).
من الأعمال التي قام بها (خضوري ساسون موسى) هو بناء أول معمل لصناعة الثلج وماكنة لطحن الحبوب , لكن كل هذه الممتلكات قد تركها وراءه كما ترك حقوقاً زراعية أخرى شأنهُ شأن سائر اليهود العراقيين , وإلى جانب هؤلاء وأولئك نذكر من اليهود الذينَ عملوا في الزراعة بشكل أو بآخر ( اسحق عزرا معلم , ساسون شماش , حسقيل الياهو , يامين منشي وولدية داود وصالح , المعلم رحمين عيزر , آل زيور , آل صديق , آل دانيال , عزرا الياهو وذن و ولده يوسف في مدينة الحلة).
هذه ملامح مما أسهم به يهود الديوانية في ميدان الزراعة والتجارة والنقل وتطويرها في الديوانية خلال السنوات الماضية والأخيرة مما أثر تأثير كبير على واقع الحياة الاقتصادية في منطقة الفرات الأوسط .
المصادر للأجزاء الثلاثة ::
1- لطيف. مازن – مقال عائلة خلاصجي .. واحدة من أشهر العوائل العراقية –م وقع الحوار المتمدن في 11/12/2011 العدد 3573
المصدر السابق
2-لطيف. مازن - التاريخ المنسي ليهود العراق- ص 59
3-لطيف. مازن – مقال - عائلة خلاصجي - نشر على موقع الحوار المتمدن بتاريخ 20-1-2010
4-قطان. عبد الكريم محمد رؤوف - مذكرات من جنوب العراق من الطفولة إلى المنفى – دار الساقي بيروت ط1- 2005 - ص104-ص105
5-الميالي. فيصل غازي – تاريخ الأقلية اليهودية في لواء الديوانية - ص93
6- مجلة مسارات البغدادية الغراء بعددها 13 السنة الرابعة 2990 - ص 66
7- موريه. أ.د. سامي - ذكريات عراقية - موقع ايلاف
8-البراك. د. فاضل – المدارس اليهودية والايرانية في العراق- بغداد 1984 – ص 245








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة