الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الاخير

طوني سماحة

2015 / 1 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل ما زال الزواج التقليدي يصلح لمجتمع القرن الواحد والعشرين؟

لقد خاض الانسان تجارب الزواج على أنواعه خلال السنوات، القرون، والالفيات الماضية. فمن تعدد الزوجات في المجتمعات القديمة، الى أحادية الزواج في المسيحية والمجتمعات الحديثة، الى المحظيات والسبايا، الى المساكنة والحرية الجنسية، لنصل في الزمن الحاضر الى تشريع الزواج المثلي. ومن البديهي التساؤل "هل من نظام زيجي أفضل من غيره؟ هل ما زال الزواج الآحادي صالح المفعول في الزمن الحاضر؟"

لا شك أنه لكل منا رؤيته التي تحددها له مفاهيمه الاجتماعية والثقافية والدينية والاخلاقية. فالمتحرر يؤمن ان الانسان متعدد الشركاء وبالتالي لا يمكن حصر علاقاته برجل واحد او امرأة واحدة، إذا من الطبيعي ان يقفز الانسان من علاقة لأخرى بحسب ما تمليه عليه رغباته. من ناحية اخرى يقف المسيحي مترددا بين قيم الحداثة وقيم الدين. فالحداثة تغريه وتدغدغ مشاعره نظرا لما تؤمنه له من سهولة التحرر من علاقة قد تكون غارقة في المشاكل والمصاعب فيما التقليد يفرض عليه الالتزام بالشريك ذاته والعمل معا على حل المشاكل المتراكمة. ولا تقل حيرة المسلم عن حيرة المسيحي. فالبعض اراد الانتقال من الاسلام التقليدي الى اسلام اكثر مصالحة مع الحداثة، إلا أنه قوبل بصعود الفكر الديني الذي يريد تطبيق الشريعة ليس في العالم الاسلامي فحسب، بل على الكرة الارضية كلها. ومن هنا ابتدأ الصراع الكوني بين الاسلام المتطرف الذي يختزل الزوجة بإناء جنسي وبين الحداثة التي تعمل على تطوير قدرات المرأة الفكرية والنفسية ، ناهيك عن تعدد الزوجات وملكات اليمين. وفي النهاية، ومع ان العالم انفتح على الفكر المثلي، إلا ان الزواج المثلي ما زال غير مرغوب به في الكثير من بقاع الارض، حتى ضمن بعض مكونات المجتمعات المتقدمة، خاصة الدينية منها. في ظل كل هذه التناقضات نعيد طرح السؤال " هل ما زال الزواج التقليدي يصلح لمجتمع القرن الواحد والعشرين؟"
قد يكون من المفيد الاجابة على السؤال المطروح أعلاه بسؤال آخر "كيف قاربت البدائل الاخرى للزواج المشاكل التي يعترضها الزواج التقليدي وما الذي استطاعت ان تقدمه للإنسان؟"

كان الزواج التقليدي على مدى العصور هو حصن الامان للعائلة وركيزة المجتمع الاساسية. وعلى الرغم من المشاكل التي كانت تعترضه إلا أنه استطاع خلق مجمتع متوازن ومعافى يتشارك الجميع فيه لخدمة واحدهم الآخر. فالطفل في هذا المجتمع يرى نفسه جزأ من العائلة الكبيرة التي تضم بالاضافة الى الوالد والوالدة والاخوة، الجد والجدة والعم والعمة والخال والخالة. يتمتع الطفل في ظل هذا الزواج بالاستقرار والسعادة فيما يشعر كل من الزوج والزوجة بالامان إذ يدرك كل منهما ان شريكه له وحده وهو وحده لشريكه. في ظل هذا الوضع يقدّم كل من الجد والجدة والعم والخالة فيضا من الحب يغمر العائلة كلها، ناهيك عن السند المعنوي واحيانا كثيرة المادي الذي يتمتع به كل واحد من أفراد العائلة.

هذه الحسنات التي يقدمها الزواج التقليدي للزوجين، يقف دونها أي زواج. فسهولة الانفصال والانتقال من علاقة الى اخرى في المجتمعات الغربية والمتحررة لا تأتي دون ثمن. من خلال احتكاكنا بالمجتمع والتقارير العلمية والمقابلات التلفزيونية وقراءة الجرائد، نعرف انه كلما كسر انسان علاقة ما، لا بد لكل من الشريكين دفع الثمن غاليا بالاضافة الى الآثار السلبية التي تترك بصماتها على حياة الاطفال. يعاني الغالبية الساحقة من الذين انفصلوا عن شركائهم مشاعر الكراهية والحزن والاحباط والرغبة بالانتقام والغضب التي ان لم يتم احتواءها قد تدفع بصاحبها الى الانتقام الفعلي من خلال إيذاء الآخر ان لم يكن قتله في حالات معينة. أما الأطفال فهم الضحية الكبرى لهذا الشرخ في العائلة. يخبرنا علماء النفس ان الاطفال غالبا ما يشعرون بالذنب كل ما عاشوا هذه التجربة إذ أنهم غالبا ما يلومون انفسهم ويعتقدون انهم هم السبب في ما يحصل لوالديهم. أضف الى ذلك استغلال الاهل لمشاعر اطفالهم اذ غالبا ما يستعملهم الاهل المنفصلون كسلاح حي لمحاربة الآخر. ولأن الغرب ادرك مساوئ الانفصال، حاول الكثير من الوالدين هناك التخفيف من المصيبة بالخروج من هذا المأزق بالحد الادنى من الخسائر من خلال الحفاظ على علاقة ودية بين الشريكين بعد الانفصال.

أما تعدد الزوجات والذي تقلص في العصور الحديثة في معظم بقاع الارض، فإنه لم يستطع ان يحفظ التوازن في العلاقة بين الرجل والمرأة، لا بل علت فيه كفة الميزان لصالح الرجل على حساب شريكاته. فكلما أتى الرجل بامرأة جديدة ليضيفها الى شريكاته السابقات كلما تأثرت العلاقة التي تربط الرجل بزوجته الاولى. فالزوجة في مثل هذه العلاقات تدخل رغما عنها في حرب مفتوحة مع ضرّاتها لأجل الحفاظ على المكانة الاولى في حياة زوجها. أضف الى ذلك مشاعر الغضب التي تجتاح المرأة التي ترى أن زوجها يحبها أقل مما يحب زوجاته الاخريات. ولا يسلم الاطفال في ظل هذا الواقع من الالتباس الذي يعيشون فيه جراء مشاركة آخرين لهم في حبهم لأبيهم على حساب امهم مثل زوجات الاب والاخوة غير الاشقاء. ولا ننسين العامل الاقتصادي الذي يشكل حجر عثرة في مثل هذه الزيجات إذ أن المرأة الاكثر قربا من زوجها تحصل هي وأبناؤها على امتيازات مادية أكثر، بينما المرأة الاقل قربا من زوجها قد تعاني هي وأبناؤها من الاهمال المادي العاطفي.

بعد ان قضى العالم على الرق بشكل شبه نهائي، عادت الحركات الاسلامية المتطرفة مثل داعش والنصرة لتحييها. طبعا لا يمكننا ان نقارن الزواج بالرق وشراء وبيع السبايا. لكن لا بد من الاشارة ان استرقاق النساء هو من اكثر صور البشرية همجية وبربرية إذ انه لا يأخذ بعين الاعتبار مشاعر المرأة وارادتها، بل يحولها لسلعة يزداد سعرها ويتناقص بحسب العرض والطلب.

برزت الحاجة للمساكنة في السنوات المائة الماضية على أمل ان تساعد في اختبار الشريك قبل الزواج، مما يؤسس لعلاقة ناجحة. لكن المساكنة لم تستطع ان تكرس نفسها كبديل عن الزواج. لا شك ان البعض اختار هذا النمط من الحياة على حساب الزواج التقليدي، لكن الغالبية العظمى ما زالت تفضل ان تكون المساكنة مرحلة مؤقتة. أما عن فعالية المساكنة في التقليل من مشاكل الزواج والطلاق، فإن الاحصاءات تشير الى ان الذين تزوجوا بعد فترة من المساكنة لم يكونوا أكثر مناعة تجاه المشاكل من الذين تزوجوا ولم يسكنوا معا قبل الزواج. كذلك ايضا، فان الدراسات تشير الى ان الربط التي تربط الزوجين والاولاد في علاقة الزواج هي أكثر متانة من تلك التي تربط شريكين يتساكنان معا هما وأولادهما.

أما الزواج المثلي فهو يفتقر لعناصر الانجاب بالطرق الطبيعية. لذلك عمد الكثير من المثليين لتبني الاطفال او لجأوا الى الطب كيما يمدهم ببويضة او مني شريك ثالث كيما تكتمل عناصر هذه العلاقة. ولا بد من الاشارة هنا ان الطفل في هذه العلاقة ينمو دون ان تتاح له الفرصة على التعامل المتوازن مع النموذجين الذكري والانثوي في العائلة.

إذا وبعد ان قاربنا البدائل المتاحة للزواج التقليدي نستطيع القول ان هذا الزواج هو اكثر الانواع صحة وعافية للمجتمع. فهو يمنح الامان لكل من الزوج والزوجة والاطفال، كما انه يمنحهم احساسا بالسعادة قد لا يحصلون عليه في أماكن أخرى. لكن لا بد من الاشارة ان كلفة صيانة هذا النوع من الزواج مرتفعة جدا. فهو يتطلب تضحية متبادلة وعطاء دون حدود والتزاما مطلقا وحبا عميقا، أمور إن لم تتوفر لا ينفع معها أي شيء.

الايمان بالزواج التقليدي يتطلب ايمانا برسالة السيد المسيح ككل. فالزوج والزوجة يشبهان المسيح والكنيسة في علاقتهما. الزوج مثل المسيح يغار على زوجته ويخاف عليها ويخدمها و يحبها حبا عميقا حتى الموت. والمرأة مثل الكنيسة تطيع زوجها وتخدمه وتحبه. يشبه الزواج التقليدي علاقة المسيح بالكنيسة حيث هو الرأس وهي الجسد، كما ان الكنيسة تلتزم بحب سيدها ولا تبحث عن حب بديل في مكان آخر. في الزواج التقليدي يعطي كل من الشريكين أفضل ما عنده لشريكه تماما مثل المسيح والكنيسة. فهو مات من اجلها كيما تحيا وهي تعيش على وعد اللقاء القريب معه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2015 / 1 / 4 - 23:21 )
اقوى نصوص اهانة وتوبيخ المرأة في الكتاب المقدس (المسيحية) :
http://ya66ereg.blogspot.com/2013/07/blog-post_2032.html

اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah