الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من يوقف التقدم الطبيعي للشأن الاخلاقي

كمال بالمقدم

2015 / 1 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



فــــي أي زمان و في أي مكان تقريبا لم تغب [ مثل عليا ] معينة يتطلع إليها جماعة من الناس صغرت تلك الجماعة أم كبرت ... و المثل العليا تلعب دورا مهما كونها تمثل المباديء للناس و بالتالي تلعب دورا مهما في كيفية عيش أولئك الناس لحياتهم ...و سواء كانت تلكـ المثل عبارة عن أخلاقيات تمثل المعايير التي يجب العيش وفقها أو كانت تتجسد في أشخاص بحد ذاتهم و ما يتبع ذلك من تصرفاتهم فإنني لن أتطرق هنا لـ [ منشأ ] تلك المثل العليا لا من منظور فلسفي ولا من منظور علم الاجتماع فالكلام سيطول لو أردت ذلكـ ...

لكن سأناقش مــــسألة المثل العليا و بعض ما يتعلق بــها ... سأطرح بعض الأسئلة في البداية و سأحاول أن أجيب عليها :

هل القيم و المثل العليا لا تتغير و لا يمكن أن يكون هناك ما هو [ أعلى ] منها ؟
هل إرتباط المثل و القيم العليا بـ [ المقدس ] يجعلها في حالة جمود و سكون ؟
هل المتدين بشكل خاص لديه القدرة ليأخذ خطوة للأمام في حال اكتشف أن هناك [ مثل عليا ] أعلى من تلكـ التي يؤمن بها ؟

بالنسبة للسؤال الأول و قابلية المثل العليا للتـــغير :

النظرة للمثل العليا من منظور علم اجتماعي يؤكد لنا أن المثل العليا تختلف و تتطور .. ليس هذا فحسب بل أن بعض المثل العليا لا تكون قيما نبيلة اصلا في زمان و مكان آخرين .. بل أنها قد تعتبر شرا ... و كذلك فإن بعض ما يعتبر سيء أو شرير أخلاقيا قد يعتبر في أمكنة و أزمنة مختلفة " قيمة أخلاقية " ليس عليها غــــبار ... كذلك لو تطرقنا للأشخاص الذين يمثلون " مثلاً أعلى " للعديد من الناس فإننا نجد أن تلك المثل العليا تابعة أيضا للسائد في زمانها و مكانها و بالتالي فإن اختلاف الزمان و المكان يجعل تلك الشخصيات خاضعة لنفس ما تخضع له القيم الأخلاقية من قابلية للتبدل و التغيير ... فمن كان شخصا عظيما في السابق و [ مثلاً أعلى ] قد يصبح شخصا آخر بمقاييس أخلاقية تتبع لزمان و مكان مختلفين ... و من هنا يتضح أن نظرة الانسان و مفهومه للمثل العليا تتأثر بمحيطه ( مكانه و زمانه ) الذي يعيش فيه و لا يعود اختيار تلك المثل و إعتناقها
للشخص نفسه فحسب و لو أعتقد أنه حر بإختياره فتلك المثل التي يضعها كمعايير أخلاقية له ساهم المجتمع في صنعها اصلا .. و ساهم الزمان و المكان في صقل و [ رفع ] تلك المثل التي يعتقد أنها معاييره الأخلاقية الخاصة .. و طبعا عقائد الناس و عاداتهم و ظروفهم المعيشية كلها أمور تساهم في وضع المثل العليا للفرد فيها و تدخل تحت إطار الزمان و المكان ...

فمثلا [ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ] من المثل العليا التي يقدسها الإنسان في السعودية لكن هذا المفهوم و هذه القيمة الأخلاقية العليا و التي تعتبر غاية في الأهمية بالنسبة للانسان السعودي هي قيمة غير موجودة و غير مفهومة اصلا في مكان مثل الولايات المتحدة ...
مثال آخر .. شخص مثل أبو بكر البغدادي هو [ مثال أعلى ] للكثير من الأشخاص في أماكن معينة من العالم ... لكنه يعتبر ارهابي و مجرم في أماكن أخرى ..

حسنا هل يعني هذا أن المثل و القيم تخضع للمزاجية أو تخضع للقناعات ؟ ما هي المعايير ؟ عند الاختلاف حول [ مثل و قيم ] من قبل أطــــراف متعارضة ... ما هو المرجع ؟ كيف نحكم من هو المصيب و من هو المخطيء ؟ كيف نقرر هل هذه قيمة أخلاقية عليا حقا أم أنها ليست كذلك ؟

هذه أسئلة كبيرة جدا إن كنتم لا تخالفوني الرأي و أعتقد أنه ليس من السهل الإجابة عليها ... لكن أعتقد أنه من أول البديهيات أن نبحث عن جذور تلك المثل العليا و نضعها في إطارها الزماني و المكاني الصحيح إن كنا نعرف متى نشأت ؟ و نرى مدى قابليتها للتوافق و التلائم مع الزمان و المكان الحالي ... فإذا كانت العيش في زمان و مكان معين تساهم في صنع المثل العليا كما عرفنا فهذا يعني أن الظروف الزمانية و المكانية عامل مهم يجب أن نضعه في الحسبان ... و بما أن القيم الأخلاق تتطور فنسخضع تلك القيمة لمعايير و أسس المرحلة الأخلاقية التي نعيشها و نرى هل تعتبر قيمة أخلاقية عليا حقا و ذلك من ناحية مقارنة إيجابياتها و سلبياتها ... و هل تتعارض تلك [ القيمة الأخلاقية العليا ] المزعومة مع قيم أخرى و حقوق أخرى و مصالح أخرى ...

يجعلني هذا أتطرق سريعا لفكرة [ الأخلاق المغلقة ] و [ الأخلاق المفتوحة ] التي قدمها الفيلسوف الفرنسي هنري برجسون : و هي أن القيم الاخلاقية [ المغلقة ] هي قيم لمجتمع معين و تتأثر هذه القيم تأثرا واضحا بدين و عادات ذلك المجتمع و يكون هدف هذه الأخلاق و المثل
هو تسيير أمور ذلك المجتمع بعينه ... و بما أن ذلكـ المجتمع بالضرورة [ مجتمع محدد ] و يعيش في زمان و مكان محدديـــن فهذا يعني أن تلك المثل و الأخلاق " محدودة " و ليست مرتبطة بكل انسان ... بينما الأخلاق [ المفتوحة ] هي أخلاق تتعلق بالبشرية جمعاء و لا تخضع لحدود الزمان و المكان ... و هذه الأخلاق تتعلق بكل شخص و تهدف للأفضل للجميع على مستوى [ عالمي ] و ليست محدودة بمجتمع معين ... تقسيم برجسون هذا للأخلاق هدفه تحديد طبيعة الأخلاق هل هي أخلاق اجتماعية ( تتعلق بمجتمع ) أو أخلاق إنسانية ( تتعلق بالعالم ) ... يتضح حسب تصنيف برجسون : أن ليست كل القيم و المثل العليا لمجتمع معين صالحة لكل المجتمعات و بالتالي فالقيم و المثل النابعة من مجتمع مغلق فستكون في الغالب قيم " مغلقة " .. لا نقول أنها ليست نافعة بالمطلق لكن لو كانت نافعة فإن نفعها قد يكون مشروط بذلك المجتمع بعينه ...و لا يشترط لتلك القيم و المثل " المغلقة " أن تلائم أو تناسب كل مجتمع آخر في كل زمان و مكان ...

سؤال جانبي : هل الكثير من قيمنا و مثلنا العليا كمجتمع تعتبر " مغلقة " أم " مفتوحة " حسب تصنيف برجسون ؟

و بالعودة للسؤال الأول نقول أن القيم و المثل العليا ليست جامدة و ليس هناك معتقد أو شخص يمثل ذروة المثل و القيم بحيث أنها لا يمكن أن تتطور بعده ... و بالتالي فإن شخص واحد أو كتاب واحد لا يمكن أن يحوي كل المثل العليا بدون الحاجة لغيره ... من يقول بهذا القول عليه أن يقدم تبرير مقنع على مسألة تطور القيم و المثل على مدار التاريخ .. و كيف أن بعض القيم سقطت و بعض القيم ارتفعت ... إلخ .! من يجمد القيم و المثل و يحتكرها في رجل أو معتقد أو كتاب فهذا يعني أنه يعيش في زمان و مكان ذلك الرجل و ذلك المعتقد و ذلك الكتاب ... من يجمد القيم و المثل عند وقت معين من التاريخ يعني أنه يعيش حسب حاجات و ظروف أقوام خلت من قبله و ليس حسب ظروفه هو و واقعه ... من يجمد القيم و المثل يعني أنه قد ركن العقل الذي يمكن له أن يسهل و ييسر حياته ليسلم زمام أمره لمن يفكر و يقرر عنه ...

من يوقف التقدم الطبيعي للشأن الأخلاقي على إعتبار أنه وصل للكمال لن يستفيد من تجارب غيره مهما بدت ثمارها إيجابية لأنه لا يعتقد اصلا بأنه محتاج لأي شيء آخر ... و من هنا يكون التمسك بالسيء رغم توفر الأفضل .. التمسك بالسلبي رغم سهولة الإيجابي .. التمسك بالماضي رغم تقدم الحاضر ... المريض لا يمكن أن يتناول الترياق إن لم يقتنع أنه مريض .. و كذلكـ المتوقف عند مثل و قيم نقطة معينة لا يمكن أن يعتنق غيرها إذا لم يؤمن بالحاجة لها ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله