الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من ريكاردو إلى ماركس عبر قانون القيمة

محمد عادل زكي

2015 / 1 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


القانون الَّذي وضعه ريكاردو، واعتد به ماركس، بعد إعادة صياغته، نصه كالآتي:"إن القيمة الزائدة وقيمة قوة العمل تتغيران في اتجاهين متعاكسين. فتغيّر قوة العمل المنتَجة، أيْ ارتفاعها أو انخفاضها، يولّد تغيراً معاكساً له في قيمة قوة العمل، وتغيراً طَردياً في القيمة الزائدة. إن القيمة المنتَجة من جديد في يوم عمل مؤلف من 12 ساعة، هي مقدار ثابت، وليكن 6 جنيهات مثلاً. إن هذا المقدار الثابت يُساوي مقدار القيمة الزائدة زائداً قيمة قوة العمل، والقيمة الأخيرة يعوض عنها العامل بما يُعادلها... فقيمة قوة العمل لا يمكن أنّ ترتفع من 3 جنيهات إلى 4 جنيهات، ما لم تنخفض القيمة الزائدة من 3 جنيهات إلى جنيهين، وبالعكس لا يمكن للقيمة الزائدة أن ترتفع من 3 جنيهات إلى 4 جنيهات دون أن تنخفض قيمة قوة العمل من 3 جنيهات إلى جنيهين. وبالتالي ففي ظل هذه الشروط لا يمكن أن يطرأ تبدل متزامن على مقداريهما النسبيين، إن ارتفاع إنتاجية العمل يولد هبوطاً في قيمة قوة العمل وارتفاعاً في القيمة الزائدة، في حين أن انخفاض هذه الإنتاجية يولد، بالعكس، ارتفاعاً في قيمة قوة العمل، وهبوطاً في القيمة الزائدة".
.
وفقاً للنص المذكور، فإن القيمة الزائدة (الَّتي يَستأثر بها الرأسمالي) تتناقض مع قيمة قوة العمل (وهي القيمة التي يحصل عليها العمل المأجور) فحينما ترتفع قيمة قوة العمل لابد أن يُصاحب ذلك انخفاضاً في القيمة الزائدة، وبالعكس. ووفقاً للنص كذلك، وفي ظل نفس الظروف، فإنحلول الفن الإنتاجي الجديد مِن شأنه الارتفاع في القيمة الزائدة والانخفاض في قيمة قوة العمل، فإنّ هذه الإنتاجية لا يمكن زيادتها إلا من خلال فن إنتاجي جديد يُمكن من إنتاج نفس الكمية من السلع في عدد ساعات أقل. وحين يحل هذا الفن الإنتاجي الجديد يستصحب معه، في جميع الأحوال، عدة فرضيات تتناقض فيما بينها على النحو التالي:
أولاً: ارتفاع إنتاجية العمل: والارتفاع هنا نتيجة استخدام فن إنتاجي جديد، بحيث تخرج إلى السوق الكمية المنتَجة ذاتها من السلع في عدد ساعات أقل، وهو الأمر الَّذي يؤدي إلى ارتفاع في القيمة الزائدة (الَّتي يتحصل عليها الرأسمال) ومن الناحية الأخرى يؤدي هذا الارتفاع في إنتاجية العمل إلى تقليص في قيمة قوة العمل، فلا يتحصل العامل على ما كان يحصل عليه قبل استحداث الفن الإنتاجي الجديد. وإنما أقل من ذلك بالنسبة لقيمة السلع الَّتي صار يُنتجها، وقيمة السلع الَّتي يمكنه الحصول عليها.
.
فإن افترضنا أن القيمة المنتَجة، الَّتي تساوي 6 جنيهات، هي قيمة سلع منتَجة في يوم عمل مكوَّن من 12 ساعة، فإن الجنيهات تلك هي محل الارتفاع ومحل الانخفاض كذلك، لأنها تعوض عن القيمة الزائدة وقيمة قوة العمل. أيْ أنَّ القيمة المنتَجة هنا تساوي "القيمة الزائدة بالإضافة إلى قيمة قوة العمل". ولأن القيمة المنتَجة ثابتة ومحددة بالجنيهات الستة المذكورة، فحين ترتفع القيمة الزائدة كَيْ تُصبح 4 جنيهات، مثلاً، يتعين، وبصورة مباشرة، تقلص قيمة قوة العمل إلى جنيهين اثنين.
ثانياً: انخفاض إنتاجية العمل: وحينما تنخفض الإنتاجية، يحدث انخفاض مماثل في القيمة الزائدة، وبالتالي ترتفع معدلات قيمة قوة العمل. فالرأسمالي لم يعد يتحصل على ما كان يحصل عليه قبل انخفاض الإنتاجية، وإنما يحصل على دون ذلك؛ فإن افترضنا، طبقاً لنفس المثال أعلاه، ان قيمة قوة العمل قد ارتفعت من 3 جنيهات إلى 4 جنيهات نتيجة انخفاض الإنتاجية، فإنَّ ذلك الارتفاع يَستصحب الانخفاض المباشر في القيمة الزائدة من 3 جنيهات إلى جنيهين اثنين
(2)
هذا هو القانون الَّذي وضعه ريكاردو، وعدَّله ماركس، وهو قانون يَنتمي إلى الجدلية بامتياز. بيد أنَّ ثمة ملاحظات بشأنه، بعد أن أعاد ماركس صوغه، وتتبدى في الآتي:
- وفقاً للقانون يؤدي الارتفاع في إنتاجية العمل إلى تغيّر في أمرين: أولهما: قيمة قوة العمل، أَيْ قيمة وسائل المعيشة الَّتي يستهلكها العامل من أجل تجديد إنتاج نفسه. وهي بمثابة حد الكفاف، وثانيهما: القيمة الزائدة، أَيْ قوة العمل غير مدفوعة الأجر. ولكن هذا التغيّر لا يَحدث في اتجاهٍ واحد، إذ حين ترتفع قيمة قوة العمل، تنخفض القيمة الزائدة، والعكس؛ فحين تنخفض قيمة قوة العمل، يطرأ على القيمة الزائدة الارتفاع. والمحوري في هذا التغيّر بالارتفاع وبالانخفاض هو إنتاجية العمل الَّتي تُزيد القيمة الزائدة حين ترتفع، وتُقلصها حين تنخفض.
.
والقانون من تلك الوجهة لا يعدو أن يكون سوى أحد نماذج التغيّر الممكن حصوله مع نمط الإنتاج الرأسمالي، من دون أنّ يَصل إلى مرتبة التطوير الجدلي للنظام نفسه.
- ووفقاً للقانون كذلك، لا وجود لأَيْ حديث عن باقي ساعات يوم العمل؛ فكُل ما يُفتَرض هو أن سلعة ما كانت تُنتَج في عدد معيّن من الساعات، فظهر فن إنتاجي جديد جعلها تُنتَج في عدد ساعات أقل، ولكن لم نعرف مصير باقي ساعات يوم العمل. فالافتراض هو ما يلي: إن يوم عمل مكوناً من 12 ساعة يُنتِج من السلع ما قيمته 6 جنيهات، فلمّا ظهر الفن الإنتاجي الجديد، الَّذي زاد من إنتاجية العمل، جعل الـ 6 جنيهات تلك تُنتَج في 6 ساعات. فما هو مصير باقي ساعات يوم العمل المؤلَّف من 12 ساعة؟ أَيْ ما مصير الـ 6 ساعات المتبقية من اليوم؟ الإجابة عند نمط الإنتاج الرأسمالي، إذ يقول إن الـ 6 ساعات المتبقية هي ساعات عمل غير مدفوعة الأجر، ومن ثم تُضاف إلى جانب القيمة الزائدة،
(3)
وسأفترض، على غير اعتقادي، أن التغيّر النسبي بين قيمة قوة العمل والقيمة الزائدة، المؤسَس على التغيّر النسبي في قيمة قوة العمل أمام القيمة الزائدة، هو ما يُمثل الجدلية الَّتي انطلق منها ماركس بعد تعديله للقانون الَّذي وضعه ريكاردو. ولكن ما هو مدى اتساق هذا القانون مع مجمل البناء النظري لماركس؟ وعلى وجه التحديد ما هو مدى اتساق القانون المذكور مع قانون"ميل معدّل الربح إلى الانخفاض" الَّذي قال به ماركس وصار من ركائز البناء النظري الماركسي؟ وبالتبع صار من المباديء الرئيسية في علم الاقتصاد السياسي، إذ يقف هذا القانون بالذات في تضاد وتناقض مع القانون الريكاردي المعدَّل على يد ماركس، إذ يقول هذا القانون أن: مُعدَّل الربح يميل إلى الانخفاض كُلّما تم استحداث الفن الإنتاجي الجديد بإحلال الآلة، أَيْ تغيّر في الرأسمال الثابت، محل عنصر العمل.
.
علمنا حتى الآن أن استحداث الفن الإنتاجي الجديد يؤدي إلى ارتفاع في القيمة الزائدة، في الوقت الَّذي تنخفض قيمة قوة العمل. وقد افترضنا أن هذا الفن الإنتاجي الجديد يتمثل في إحلال الآلة، الأمر الَّذي كان مِن شأنه تَسريع وتيرة الإنتاج؛ فتُنتج نفس الكمية في عدد ساعات أقل، ويمسي صحيحاً أيضاً القول بإنتاج كمية أكبر في نفس عدد الساعات السابقة. ولكن ليس هذا كُل ما في الأمر؛ إذ لم يزل أمامنا نصف الطريق، وهو الَّذي لم يكمله ريكاردو، ومن ثم ماركس؛ فعلى الجانب الآخر، فإنه طبقاً لقانون ميل مُعدّل الربح للانخفاض، فإن إدخال الفن الإنتاجي الجديد يؤدي إلى انخفاض مُعدّل الربح (أَيْ النسبة بين القيمة الزائدة والرأسمال الكُلّي)، إذ يَعني دخول الفن الإنتاجي الجديد تحويل المزيد من المواد الأولية والمواد المساعدة إلى مُنتجات، وذلك بالعدد نفسه من العمال خلال المدة الزمنية نفسها، أَيْ ببذل عمل أقل.
.
ولأن الرأسمال ينقسم عند ماركس إلى نوعين:
- الرأسمال الثابت، وهو ذلك الجزء من وسائل الإنتاج (تحديداً وسائل العمل، والمواد الخام، والمواد المساعدة) الَّذي يَنقل جزءاً من قيمته (التبادلية) إلى الناتج، دون استهلاكه كُلياً في"عملية إنتاجية واحدةً".
- الرأسمال المتغيّر، وهو لا ينقل فقط قيمته إلى الناتج، وإنما يَنقل إليه كذلك قيمة زائدة. وهو ما يتمثل في قوة العمل. فالرأسمال من تلك الوجهة لا يمكنه استخلاص قيمة زائدة من الرأسمال الثابت، على حين يمكنه ذلك من الرأسمال المتغيّر، ومعنى دخول الآلة، الَّتي لا يستخلص منها الرأسمالي قيمة زائدة، حدوث انخفاض في مصدر هذه القيمة، الأمر الَّذي يستتبع الانخفاض في مُعدّل الربح الَّذي هو حاصل النسبة ما بين القيمة الزائدة وبين الرأسمال الكُلّي.
على ذلك، نكون أمام قانونين متناقضين، يقول الأول إنَّ الفنَ الإنتاجي الجديد/الآلة تُزيد من القيمة الزائدة بالنسبة لقيمة قوة العمل، ويقول الثاني إنَّ الآلةَ تُخفض من القيمة الزائدة لتخفيضها الرأسمال المتغيّر بالنسبة للرأسمال الكُلّي! فماذا يعني ذلك؟
يعني ذلك، في تصوري، الديالكتيك. يعني التناقض الحقيقي. المستتر؛ يعني الجدلية في أوضح صورها، وهو المعنى الَّذي لم يحققه ريكاردو، وماركس بالتبعية؛ فحين تم استحداث الفن الإنتاجي، ربما تصور ريكاردو، وماركس من بعده، أن التناقض يقع بين القيمة الزائدة وبين قيمة قوة العمل، وفي الحقيقة يمكن تسمية ذلك تناقضاً، ولكنه التناقض الأوّلي. وليس التناقض الحقيقي.
.
(4)
فحين دخل الفن الإنتاجي الجديد، حدث تغيّر في القيمة الزائدة بالنسبة لتغيّر مماثل في قيمة قوة العمل. بيد أن ذلك ليس نهاية الطريق، إذ أن الفن الإنتاجي الجديد لا يؤدي فقط إلى ارتفاع في القيمة الزائدة بالنسبة لقيمة قوة العمل، وإنما يؤدي، وفي اللحظة نفسها، إلى انخفاض في القيمة الزائدة بالنسبة للرأسمال الكُلّي. أَيْ انخفاض في مُعدّل الربح. ولكن، لماذا انخفضت القيمة الزائدة؟ ومن ثم انخفض مُعدّل الربح؟ الواضح ان الانخفاض مرجعه تطور في الرأسمال الثابت (الفن الإنتاجي الجديد/الآلة) أدى إلى تراجع في القيمة الزائدة الَّتي كان يمكن للرأسمالي أن يستخرجها/يعتصرها من قوة العمل. ولأن هذا التراجع تم في نفس اللحظة الَّتي ارتفعت فيها القيمة الزائدة بالنسبة لقيمة قوة العمل؛ فإن القيمة الزائدة (الكُليَّة) على هذا الأساس تتحدد بالتناقض بين: التغيّر في القيمة الزائدة، وسنسميها الأوليَّة (ق ز) بالنسبة لقيمة قوة العمل (ق ع) وبين: التغيّر في القيمة الزائدة نفسها بالنسبة للرأسمال الكُلّي (ر).
.
القيمة الزائدة "الكُليَّة" إذاً هي: حاصل التناقض بين: القيمة الزائدة الأوليَّة بالنسبة لقيمة قوة العمل، وبين: مُعدّل الربح، أَيْ: القيمة الزائدة الأوليَّة بالنسبة للرأسمال الكُلّي.
وتلك هي" القيمة الزائدة". الَّتي لم يصل إليها الاقتصاد السياسي، إذ توقف عند حدود افتراض أن مُعدّل القيمة الزائدة دائماً يساوي100%، مكتفياً بتحديد هذا المعدل باعتباره النسبة بين القيمة الزائدة إلى الرأسمال المتغيّر، والمفترض أننا نعرف مُعدّل القيمة الزائدة من حساب القيمة الزائدة أولاً، إذ أن القيمة الزائدة هي الَّتي تُحدد المعدّل، ولا يُحدد المعدّل القيمة الزائدة. فأياً ما كانت القيمة الزائدة الأوليَّة مزاجية، وفقاً للرأسمالي، فهي ستخضع (عبر حركة النظام) لعلاقات التناقض الَّتي من شأنها تحديدها وتحديد مُعدّلها الكُلّي. وحتّى أيضاً بعد تحددها سوف تخضع لعلاقات التناقض الَّتي تُعيد تحديدها ولا يتوقف هذا التحديد كما لا تتوقف علاقات التناقض، لأنها حينما تتوقف، تتوقف الحياة، ويحل الموت.
.
(5)
والقانون الَّذي أفترضه هو ما اسميه قانون "القيمة الزائدة الكُليَّة". أَيْ أنَّ القيمة الزائدة، الَّتي أقصدها، وهي القيمة الزائدة الكُليَّة، هي نِتَاج تناسب، في الواقع تناقض، بين كُتلَتين:
الكُتلَة I : وتحتوي على: التنَاقض ما بين القيمة الزائدة الأوليَّة (ق ز1) وقيمة قوة العمل (ق ق ع).
الكُتلَة II: وتحتوي على مُعدل الربح، أَيْ: التنَاقض ما بين القيمة الزائدة الأوليَّة(ق ز1) والرأسمال الكُلّي (ر).
فإذ افترضنا أن الكتلة I = (4:1)
وافترضنا أن الكتلة II= (2:1)
فإن (ق ز ك) = (4:1) : (2:1) = 25% : 50% = 50% من (ر)
ومُعدل القيمة الزائدة الكُليَّة= (ق ز1 : ق ق ع) : (ق ز1 : ر) ÷ المتغيّر(م).
ويكون مُعدل الربح الوَسطي(Δ-;---;-- ح)= (ق ز ك) ÷ (ر).
كما يكون ثمن الإنتاج= ثمن التكلفة (ك) + (Δ-;---;-- ح).
أما قيمة السلعة= (ك) + (ق ز ك).
.
أَيْ أن قانون القيمة ليس اعتباطياً، ولا يعمل في الفراغ التخيلي، وليس في مقدور الرأسمال، حتى في ظل الأسواق الاحتكارية، أن يتحكم في القيمة الزائدة؛ إذ أنها تخضع كليَّةً لقانون موضوعي هو قانون جدلية حركة الرأسمال، ولا يمكن الوَعيْ، الناقد، بهذا القانون إلا من خلال ذهنية جدلية متجاوزة للرؤى الخطية والتصورات الميكانيكية الَّتي تتشرب بها كراسات التعميم سوفيتية الصنع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -لن أسمح بتحطيم الدولة-.. أمير الكويت يعلق بعض مواد الدستور


.. في ظل مسار العمليات العسكرية في رفح .. هل تطبق إسرائيل البدي




.. تقارير إسرائيلية: حزب الله مستعد للحرب مع إسرائيل في أي لحظة


.. فلسطينية حامل تودع زوجها الشهيد جراء قصف إسرائيلي على غزة




.. ما العبء الذي أضافه قرار أنقرة بقطع كل أنواع التجارة مع تل أ