الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيادة الحركة الإسلامية في العراق 1980 – 2003 / الحلقة 5

عباس الزيدي

2015 / 1 / 8
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



اتخذ النظام خطوات مع استمرار زمن الحرب أكثر من المتوقع لرفد جبهات القتال بالجنود، إذ أصبح التدريس في المدارس الحكومية دون المستوى المطلوب والامتحانات صعبة نسبياً، للحصول على أكثر عدد من الراسبين الذين لا بد من أن يلتحقوا بالجيش بعد رسوبهم سنتين في الثالث المتوسط فيما إذا كانوا ضمن السن المطلوبة قانونياً للتجنيد الإجباري، وكانت الظروف الاقتصادية آخذة في التدهور إضافة الى الحالة النفسية العامة المتردية، فإن كل بيت في العراق تقريباً فُجع بضحية له في الحرب، يضاف الى ذلك أن الكثير من الذين يتجاوزون امتحان البكالوريا في الثالث المتوسط بمعدلات منخفضة يكون نصيبهم الالتحاق في أحد مراكز التدريب المهني العسكرية كـ(الطبابة العسكرية، القوة الجوية) وغيرهما، مما يوفر كوادر أساسية يحتاجها النظام في جبهات القتال أو مؤسساته العسكرية، وقد نتج عن ذلك كثرة العاطلين عن العمل بعد سقوط النظام لأن هذه الأصناف لم يعد لهم عمل، ونتيجة لسحب أعداد كبيرة من المعلمين والمدرسين الى جبهات القتال اضطر النظام الى الإستعاضة عنهم بالكادر النسوي ليسد النقص، وكذلك استعان بأساتذة من جنسيات عربية أخرى (مصريين وفلسطينيين).
أما قوات الحرس الجمهوري التي كانت في البداية لا تستقبل إلا من هم من قرابة النظام أو من محافظاته المقربة كصلاح الدين والموصل وتكريت وديالى والأنبار، إلا أنها مع تواصل الحرب أخذت تستقبل كل المتطوعين من شتى المحافظات، وكان السبب الرئيسي الذي يدفعهم هو الامتيازات المالية التي كانت تمنح لهم، فإن الجندي العادي كان راتبه عشرون ديناراً وبعد صرف زيادة خطورة أو إنذار غدت خمس وثلاثون ديناراً أي ما يعادل حوالي مائة دولار أمريكي منذ نشوب الحرب عام 1980، واستمر راتب الجندي العادي بهذا المعدل الى نهاية الحرب مع إيران.
منح النظام لذوي ضحايا الحرب (القتلى) مبلغاً من المال قدره عشرة آلاف دينار عراقي (ما يعادل ثلاثين ألف دولار أو أكثر بقليل عام 1980)، وسيارة صنع ياباني نوع (كرونا)، وقطعة أرض تبنى كدار، ويُذكر أن هذه المنحة تبرعت بها دول الخليج كتعويض للقتلى، ولكنها قُطعت عن ذوي الضحايا بعد استمرار الحرب أكثر من المتوقع، وبدأت ميزانية النظام تعاني من نقص ومديونية بلغت أكثر من سبعين مليار دولار مع نهاية الحرب.
وتحول أبناء المحافظات الموالية للنظام الى صنف الحرس الخاص الذين يعرفون جيداً في العراق لما لهم من أدوار قذرة في قمع الشيعة خصوصاً في الانتفاضة عام 1991.
أما المنظمات والفرق والشُعب الحزبية فقد انتشرت في كل منطقة، ولم يستثن من ذلك حتى أقصى الريف، وكانت مهمة هذه المقرات البحث عن الذين لم يشملهم قانون الخدمة العسكرية ممن يتجاوزون السنَّ القانونية لها، وكانت مهمتهم بداية الحرب مع إيران تكوين فرق احتياطية للاشتراك في الحرب سُمّيت بـ(الجيش الشعبي) (1)، ولكن بعد أول مشاركة تمَّ القضاء عليهم تقريباً في جبهة القتال، فاقتصر دورهم بعد ذلك على ملاحقة كبار السن لتسخيرهم في الواجبات الليلية في المنظمات والفرق والشُعب الحزبية، وبعض المهام الوضيعة الأخرى كجمع التبرعات الإجبارية من البيوت كما حصل في الثمانينات عندما فُرض على كل عائلة أن تتبرع بقطعة من المصوغات الذهبية. وكانت مهمتهم الرئيسية الأخرى مطاردة الهاربين من الجبهة، وكانت نسبة الهاربين كبيرة جداً، خصوصاً في حي الثورة (مدينة الصدر)، وقد ضغطت السلطة على ذوي الهاربين الى درجة اعتقال بعض أفراد عائلة، ولم يكن يطلق سراحهم إلا بعد تسليم الهارب نفسه للسلطات، وكان الهارب من الجيش لا يستطيع مراجعة أية دائرة حكومية، ولا يستطيع أن يصادق على زواجه في المحاكم العراقية ما لم يجلب تأييداً من وحدته العسكرية تؤيد استمراره في الخدمة العسكرية، وكان حكم الإعدام يواجه كل الهاربين خصوصاً عند وقوع هجوم جديد على جبهة القتال، ويدل على كثرة الهاربين أعداد العفو الكثيرة التي أصدرها النظام لكي يلتحق الهارب ويسلم نفسه للجهات الأمنية أو إحدى منظمات أو فرق حزب البعث. وكان الهروب من الجبهات شبه مستحيل أيام احتدام الموقف على الجبهات فقد شكَّل النظام فرق إعدامات خلف خطوط الجيش لها صلاحيات تنفيذ الإعدام الفوري لكل من يشكون في هربه من الهجوم.
وأعدم النظام أعداداً في المدن بشكل علني، وكان يلزم ذوي المعدوم بدفع ثمن الإطلاقات التي أُعدم بها ولدهم.
((وفي الفترة بين 1985 ـ 1986 أعدم النظام أعداداً كبيرة من المعتقلين بسبب رفضهم التطوع للقتال ضد إيران، بينما فضَّل الآخرون الاستجابة تخلصاً من الموت(2)))).
بعد ذلك تطورت أساليب النظام في معاقبة الهاربين من الجيش بقطع أذن الهارب، وكانت العملية يقوم بها أحد الاطباء بصورة إجبارية. وكان يعاقب بقطع لسانه من يذكر السلطة بسوء. وهذه الإجراءات نفذت بعد حرب الخليج الأولى عام 1991.
ومن الملاحظ أن النظام كان يستهدف مسخ الاخلاق بتواصل وفي كل فرصة حتى أنه كان يلزم بتعليمات صارمة كل الوحدات العسكرية بتجميع كل أفراد الجيش وعرض أفلام إباحية، ولا يستثنى من الحضور لمشاهدتها لأي عذر، ومن كان يتغيَّب كان يصنف ضمن عملاء النظام الإيراني.
يضاف الى ذلك الاجتماعات الحزبية وبعض الممارسات ودفع بدل اشتراك لكل أفراد الجيش وبمختلف رتبهم وأصنافهم، ويشرف على هذا الجانب دائرة (التوجيه السياسي) التي هي أهم وأعلى جهة في الوحدات العسكرية، ويُدير هذه الدائرة منتسبو الاستخبارات العسكرية.
وكانت من مهام أفراد حزب البعث متابعة أي نشاط مشبوه ذي صفة دينية أو سياسية، وكانوا يحسبون على الناس أنفاسهم، فربما كلمة أو إشارة وتلميح أو سوء فهم قد تؤدي الى السجن أو المشنقة أحياناً، مع ذلك كانت نسبة هؤلاء الحزبيين قليلة جداً وهم محتقرون من قبل كل أفراد المجتمع، وفي نفس الوقت كان الهاربون من أمامهم يواجهون مشاكل لتعذر كسبهم لرزقهم أحياناً كثيرة، بسبب الرقابة الصارمة والتربص بهم، فكان معظم هؤلاء يعملون في أماكن خارج بلداتهم ويعودون ليلاً بشكل متخفي حتى لا يتم رصدهم.
انعدمت من المكتبات العامة الكتب الشيعية، وأصبح من المتعذر الحصول على المصادر أو المراجع الفكرية أو العقائدية والتاريخية، وحتى كتب الأدعية كـ(مفاتيح الجنان وكتب السيد علي بن طاووس وضياء الصالحين، وغيرها) مُنعت وصدر بحق من يتداولها تهمة (الدعوة الى الطائفية أو الشعوبية)، وكانت بعض كتب الأدعية متوافرة داخل العتبات المقدسة ليدعو بها الزائرون، ولكن تَمَّ سحبها بعد منتصف الثمانينات فلا تجد غير المصاحف.
في نفس الوقت توقفت إصدارات النجف إلا النزر اليسير كالرسالة العملية للسيد الخوئي التي لم تتوقف طباعتها تقريباً في النجف الأشرف، ومن الجهة الأخرى كانت كتب علماء السنة التاريخية والعقائدية تطبع بكثافة في بغداد، ولم تخل طباعتها من منفعة وما كان النظام ليرغب بذلك لو علم بمردوداته.
وهنا قام النظام بخطوة ظناً منه بجدواها في هذا الاتجاه، أن افتتح مؤسسة للتأليف والطباعة والنشر يديرها خال صدام (خير الله طلفاح) وكانت مهمة هذه المؤسسة اصدار عشرات الكتب وبيعها بأسعار منخفضة جداً، وكانت أهم تلك الاصدارات سلسلة (كنتم خير أمة أخرجت للناس) وسلسلة (كيف السبيل الى الله) وكلا السلسلتين كان مؤلفها حسب ما هو مدوَّن عليها خير الله طلفاح، والحقيقة كما هو مشهور أن لجنة كبيرة كانت تقوم بكتابة هذه الكتب، وهذه حالة تكاد لا تخلو منها مؤسسة في العالم، فسرقة الجهود أو استغلال الظروف الاقتصادية للمؤلفين كان ولا زال متفشياً لصناعة أسماء وعناوين ضحلة.
كان هدف هذه المؤسسة إعادة كتابة التاريخ والعقائد بما يتناسب مع التوجهات الطائفية المعادية للشيعة، ونفس الأمر في الكتب الدراسية في كافة المراحل الدراسية، ولكن كل الجهود التي بذلت لم تستطع أن تغير شيئاً يذكر.


------------------------------
(1) وسط هذا الوضع المزري كانت النكت (الطرائف) في الشارع العراقي مستمرة، وبخصوص الجيش الشعبي كانت كثيرة جداً، منها : أن أفراد حزب البعث دخلوا مسلحين الى مدينة لتسخير الناس في الجيش الشعبي، وكان من بين الهاربين جرذ فسأله أحد الهاربين : يا هذا لماذا تركض؟، فأجابه : خوفاً من تسخيري ضمن الجيش الشعبي، فقال له : ولكنك جريذي (جرذ) من يهتم لك؟، فأجابه : الى أن أثبت نفسي جريذي رايح جلدي للدباغ. وهكذا المئات من هذه النكت التي لم تترك مفصلاً من مفاصل النظام إلا وتندرت عليه.
(2) المؤمن، مصدر سابق، ص351 و352.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس: تلقينا رد إسرائيل على موقفنا حول وقف إطلاق النار وسندر


.. كارثة غزة بالأرقام.. ورفع الأنقاض سيستغرق 14 عاما | #سوشال_س




.. قوات النيتو تنفذ مناورات عسكرية متعددة الجنسيات في سلوفاكيا


.. طلاب جامعة كاليفورنيا الأمريكية يقيمون مخيم اعتصام داخل حرم




.. رئيس سابق للموساد: حماس متمسكة بمطالبها ومواقفها ?نها تحررت