الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حركة التاريخ بين سدنة المعبد وورثة الأنبياء

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2015 / 1 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حركة التاريخ بين سدنة المعبد وورثة الأنبياء

البروفسور رابح لونيسي
-جامعة وهران-
البريد الإلكتروني:lounici.rabah2008 @yahoo.fr


تناول الفلاسفة في القرن19 مسألة العوامل المتحكمة في حركة التاريخ والتقدم، إلا أننا نعتقد عدم إهتمام البعض منهم بقصص الأنبياء التي ركزت عليها الكتب السماوية جعلتهم لم يدكوا مسألة هامة جدا، وهو أن حركة التاريخ كانت نتيجة تفاعل دياليكتيكي بين ثلاث أطراف وعناصر متحالفة وهي السلطة المستبدة أو الفرعون وأصحاب المال والقوة الإقتصادية مثل قارون، ولن يكون لهاتين السلطتين أي نفوذ لولا إمتلاكها لآلة ايديولوجية تتخذ في كل فترة من فترات التاريخ تسمية معينة، ففي الماضي كانت المعابد وسدنتها، واليوم نجد المدرسة ووسائل الإعلام على رأسها، فهذه الآلة الأيديولوجية والقائمين عليها هي التي تبرر الإستبداد والإستغلال بإستغفال الشعوب، فلا يمكن تحريك عجلة التاريخ والتقدم بمواجهة مباشرة مع الإستبداديين والإستغلاليين، لأن المعركة المباشرة معهم ستكون خاسرة شعبيا، لأنه لن يقف عدد كبير من الناس مع قوى التغيير الإيجابي بسبب قوة الآلة الأيديولوجية التي تدعم الإستبداد والإستغلال والمتحكمة في عقول الكثير من العامة بواسطة سدنة المعبد في الماضي وقوى أيديولوجية تدافع عن النظام الإجتماعي السائد، ويمكن تشبيههم ب"حراس المعبد"، ولهذا فالمعركة من أجل دفع حركة التاريخ إلى الأمام عادة ما يكون على صعيد أيديولوجي وثقافي وفكري وعلمي، وإذا وقع تغييرا في ذلك أنهار كل البناء القديم ليحل محله البناء الجديد الذي يكون جاهزا أيضا بواسطة هذا العمل الفكري العميق.
ولو تتبعنا تاريخ الرسل والأنبياء نجد أن عملهم ينصب على ذلك، فإن كان أعداءهم الغير مباشرين هم أصحاب إبقاء الوضع الإجتماعي على ما هو عليه، إلا أن أول من يواجهونهم هم رجال الدين السائدين وسدنة المعابد والمعتقدات التي يروجونها، ولهذا يظهر لنا في البداية أنه صراعا دينيا بمفهومنا الحالي، لكنه في الحقيقة هي معركة على الصعيد الأيديولوجي والفكري والثقافي والعلمي، ويمتلك دائما هؤلاء السدنة أو حراس المعبد تهما جاهزة ضد الأنبياء والرسل كما هي جاهزة اليوم ضد المثقفين التنويريين النقديين كالتكفير والتخوين وغيرها من التهم التي للأسف تنطلي عن البعض من عامة الناس، لأنهم أخضعوا لسيطرة أيديولوجية من قبل، خاصة على يد المدرسة ووسائل الإعلام التي عادة ما يحولها المستبد إلى أداة لترويج أيديولوجية الخضوع وغرس عوائق إبستمولوجية أو معرفية في ذهن الإنسان عندما كان طفلا، ولهذا تجدهم يرفضون كل فكرة جديدة أو أي محاولة لإعادة النظر في الأفكار والطروحات السائدة بالإستناد على البحث العلمي، وهو ما يسميه محمد أركون ب"السياج الدوغمائي"، وهؤلاء لايعلمون أن من أهداف البحث العلمي مثلا ليس فقط البحث عن الحقيقة، بل النقد وإعادة النظر المستمر في النظريات العلمية وكل الطروحات السائدة في كل المجالات، وإن لم نقم بذلك فلن تتقدم العلوم، ونفس الأمر ينطبق على الأيديولوجيات والطروحات السائدة، فإن كان البعض من العامة يرفضون ذلك إلا لأن الآلة الأيديولجية قد عطلت عقلهم وطريقة تفكيرهم وجعلتهم لا يمتلكون روحا نقدية تسمح لهم بالتمييز، مما يتطلب تحريرعقولهم .
ولو نتتبع سلوكات وممارسات الأيديولوجيين الذين يقفون في وجه أي محاولة لخلخلة الأيديولوجية السائدة لتحريك عجلة التاريخ نجدهم يتصرفون مثل كل سدنة المعابد في الماضي الذين واجهوا الأنبياء والرسل، كما يشبه حرصهم على بعض الأوضاع والأفكار السائدة نفس حرص قريش وتصرفهم مع سيدنا محمد)ص( عندما رفضوا كل ما أوحي إليه من نور - وهو من التنوير-، وقالوا له "هذا ما ألفينا عليه أباءنا" أي معناه إتباع ما وجدوه من وضع وأفكار دون أي إعادة نظر فيه أو إخضاعه للنقد والتمحيص والبحث العلمي، وهي نفس إجابة كل الأقوام للأنبياء والرسل، ولو كان هؤلاء السدنة على حق، وأن تلك الأوضاع والأفكار التي يتبعونها صحيحة، فمعناه ما جاء به الأنبياء والرسل خاطيء، وإن تتبعنا منطقهم فمعناه لن تكون أي حركة للتاريخ، ولا يمكن أن يسود التقدم، هذا ما يدفعنا إلى القول أن حديث سيدنا محمد )ص(ب"أن العلماء هم ورثة الأنبياء" قد قاله لأنه خاتم الأنبياء والرسل، ولا يمكن أن يأتي نبي لتحرير العقول وتحريك عجلة التاريخ من جديد، فألقيت المهمة على المثقفين التنويريين والنقديين، ولا يقصد بها سيدنا محمد )ص (هؤلاء الرجال الدينيين الذين يحرسون المعبد-كما يعتقد الكثير-، لأنه لو أرسل لنا اليوم نبي، أو عاد سيدنا محمد )ص(، لوقف الكثير من هؤلاء "الرجال الدينيين" ضده، وستتكرر المعركة بين الطرفين مثلما تتكرر مع كل الأنبياء والرسل عبر التاريخ، لكن نعتقد أن ما يقصده سيدنا محمد )ص( ب"ورثة الأنبياء"هم المثقفون التنويريون النقديون الذي يخلخلون الأيديولوجية السائدة في المجتمع التي تعرقله على التقدم والتفتح ودفع عجلة التاريخ إلى الأمام، والدليل أن هؤلاء يتعرضون نسبيا لنفس مايتعرض له الأنبياء والرسل بشكل أو آخر من أيديولوجيي النظام القديم.
لكن كل دين أو فكرة جديدة تقدمية وتنويرية يتم تحريفها ويستولي عليها من جديد قوة سياسية وإقتصادية جديدة تستخدمها ضد الفكرة الصحيحة، كما فعل الأمويون مثلا مع الإسلام، فحولوه من دين المساواة بين البشر والعدل والحرية إلى توسع إستعماري بإسمه وعنصرية ممارسة ضد غير العرب وحولتهم إلى رعايا من درجة ثانية يسمون بّ"لموالي" وغيرها من الإنحرافات، ونفس الأمر وقع مع المسيحية وشريعة سيدنا موسى ومع سيدنا إبراهيم وغيرهم، فهذا الإنحراف يجمد حركة التاريخ مرة أخرى، ويظهر حراس معبد جدد مهمتهم إيقاف حركة التاريخ، وهو ما يسميه البعض الحركة الدورية للثورات أي تعود إلى نقطة البداية لكن مع تقدم نوعي وكيفي، أي جمود جديد في مرحلة أعلى من المرحلة السابقة، ثم تحدث ثورة أخرى، لتقيم دورتها وهلم جرى، ففي الماضي كان الأنبياء هم الذين يقومون بهذه الثورات الفكرية والأيديولوجية في المجتمعات التي يتبعها إقامة نظام إجتماعي جديد متقدم، وأقيمت حضارات كما وقع مع رسالة الإسلام التي أوحيت إلى سيدنا محمد)ص(، أما في العالم المعاصر فيقوم بذلك المثقفون التنويريون والنقديون لأن لانبي بعد سيدنا محمد )ص(، فكل خلخلة في فكر سائد أو رؤية تاريخية سائدة معناه بوادر حركة جديدة للتاريخ إلى الأمام، فمثلا لم تتقدم أوروبا لولا الخلخلة التي أقامه الإصلاحيون الدينيون، وعلى رأسهم مارتن لوثر في الأذهان ضد الفكر الديني القديم، كما لم تتقدم أوروبا لولا الحركة التنويرية التي قادها مفكرون وكتاب ومثقفين خاصة فرنسا ضد الأفكار القديمة السائدة آنذاك، أنها حركة التاريخ لاغير، فحراس المعبد الذين يكفرون ويخونون المثقفين التنويريين، ويطالبون بإحراقهم بكتبهم، فإن أسلافهم قد أشعلوا النار في سيدنا إبراهيم، وسعوا لصلب سيدنا عيسى، فهم في الحقيقة لايقومون إلا بعرقلة حركة التاريخ لفترة، لكن سينتصر التنويريون في الأخير، كما أنتصر الأنبياء لأنهم من ورثتهم كما قال سيدنا محمد )ص(، ولأنها حتمية تاريخية لاغير .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ورثونا ماذا يا دكتور؟
ياقوت دفين ( 2015 / 1 / 9 - 17:47 )
ماذا ورثنا الأنبياء غير الخراب و الدمارـصحيح انهم ثارو على وضع اجتماعي تنعدم فيه العدالة الإجتماعية لكنهم سرعان ما تحولوا الى طواغيت و دعاة للقتل،و لماذا جاءت كل الأديان بالشرق الأوسط؟انه غريب امر الربـ،لو كان العالم بدون اديان لما كانت هناك كل هذه الحروب الضروس و لكانت قيمة الإنسان فوق كل شئ،،،،لا تنسى اننا في حداد على قتلى جريدة شارلي ايبدو بسبب تعصب ديني

اخر الافلام

.. الاحتلال يمنع مئات الفلسطينيين من إقامة صلاة الجمعة في المسج


.. جون مسيحة: -جماعات الإسلام السياسي شغالة حرائق في الأحياء ال




.. إبراهيم عبد المجيد: يهود الإسكندرية خرجوا مجبرين في الخمسيني


.. سياسي يميني فرنسي: الإخوان ساهموا في نشر الإسلاموفوبيا في أو




.. 163-An-Nisa