الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض مفهوم الإغتراب لدى هيجل

هيبت بافي حلبجة

2015 / 1 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


نقض مفهوم الإغتراب لدى هيجل
هيبت بافي حلبجة
يرتقي مؤلف هيجل الشهير – فينومينولوجيا الروح – إلى مستوى تلك المؤلفات التي تحتسب من الدعائم الجوهرية للفكر الفلسفي في التاريخ البشري ، مثل ( الكوميديا الإلهية – دانتي ) و( نقد العقل الخالص – كانط ) و ( الأخلاق – اسبينوزا ) و ( الميتافيزيقيا – أرسطو ) و ( فاوست – غوته ) ، بل إني أعتبر هذا الكتاب بمثابة الإنجيل الفلسفي للمعتقد المسيحي ، حيث يطرح هيجل نفسه الوجه الآخر لسيدنا يسوع – عليه المزيد من السلام - من ناحية أولى ، وحيث تتمحور دائرة تصوره العام حول العلاقة الجدلية مابين مقولة هيجل الشهيرة ( كل ماهو واقع هو معقول ، وكل ماهو معقول هو واقع ) ومابين التثليث المسيحي الشهير ( الآب ، الأبن ، روح القدس ) من ناحية ثانية ، تلك العلاقة التي تتمظهر في الإطروحات التالية ، أطروحة دورة الكمال التاريخي ، أطروحة الذاتي والموضوعي ، أطروحة الإغتراب ، أطروحة الروح المطلقة ، أطروحة الصيرورة .
وقبل أن نسترسل ونتحدث عن هذه الإطروحات وتلك العلاقة وأطرافها أود أن أبدي ثلاثة ملاحظات جد أساسية ، الملاحظة الأولى فيما يخص شخصية هيجل لايجوز ، هنا تحديدأ ، أن نكتفي أبدأ بالشخصية الظاهرية الواضحة ، لإنه يملك قوة رهيبة جسورة في شخصيتين ، الأولى تلك ، والثانية يغلفها بمليار منديل شفاف ، الملاحظة الثانية إن تلك الإطروحات متشابكة إلى درجة أننا إذا ما تحدثنا عن الأولى وكأننا نتحدث عن الثانية ، فالحديث عن دورة الكمال التاريخي يتماثل للغاية مع الحديث عن الإعتراب وهكذا، الملاحظة الثالثة لذلك سوف نلتزم بالملمح الفعلي لكل اطروحة دون أن نجرح العمق الجدلي لمستواها الحقيقي فيما إذا أخذت بمفردها أو ضمن السياق الجمعي التآلفي .
أولأ دورة الكمال التاريخي : نحن نرمي ، هنا ، إلى حالة معينة هي بعيدة ، بالقطع ، عن مفهوم هنري برجسون في عملية تعاقب الدورات ( حالة ضمنية مستترة ) في الوجود من خلال أنتصار – الحياة ، الإله ، الوثبة الحيوية – على نقيضها ، وهي بعيدة جذريأ عن مفهوم آرنولد توينبي في فحوى تعاقب الدورات التاريخية والتي نسميها الدورات التاريخية المتعاقبة بكل بساطة ، وهذه الدورات مرتبطه ، حسبه ، بمضمون التاريخ ذاته من ناحية ، وبعمق الحضارات من ناحية ثانية .
والحالة التي نحن بصددها هي واحدة تبدأ بمن ... وتنتهي بإلى ... وهي لدى هيجل مقتبسة من المعتقد المسيحي الذي حسبه – أي حسب هذا الأخير - إن للتاريخ الكوني ثلاثة مراحل ، الأولى مرحلة ماقبل الخطيئة الكبرى حيث التكامل والفردوس والوئام المطلق ، حيث التثليث ( الآب ، الأبن ، روح القدس ) في واحد مثل الشمس وأشعتها وحرارتها ، والثانية مرحلة الخطيئة الكبرى حيث التصدع والدحر والعقاب والإستلاب والإغتراب ، حيث إن سيدنا المسيح – عليه السلام – مضطر بحكم الضرورة التاريخية أن يفدي ويضحي بذاته لمسح تلك الخطيئة الكبرى ولإنقاذ التاريخ البشري من حالة الإغتراب والعودة إلى المرحلة الأولى ، أي الثالثة ، على شكل دائري ، والثالثة مرحلة مسح الخطيئة والفردوس الجديد والوئام والتخلص من الإغتراب وعودة التثليث إلى ذاته منسجمأ وبتمام الوئام .
وأما لدى هيجل فإن دورة الكمال التاريخي هي هي ، حيث الروح المطلقة الكلية تغترب في المرحلة الثانية لتحايث التجربة البشرية بكل شجونها وتعاستها ، ولتعيش حالة من الإنحطاط والإندحار ، لكنها مضطرة ، اضطرارية سيدنا المسيح عليه السلام ، أن تكابد لإنقاذ نفسها والرجوع إلى الحالة الأولى ، وتغدو الروح المطلقة الكلية عبر الصيرورة وعبر الإنتقال من المقولة الدنيا إلى مقولة أعلى ، وهذا مايتحقق في المرحلة الثالثة لدى هيجل .
ثانيأ أطروحة الذاتي والموضوعي : لقد تعود الفكر الفلسفي على التمايز مابين الذاتي والموضوعي ، لكن لدى هيجل وتحديدأ في مؤلفه ( فينومينولوجيا الروح ) ينبغي أن نحترس ، أولأ الفصم والفصل مابين الذاتي والموضوعي هو نظري صرف ، ثانيأ يقتضى – بضم الياء - منا الإبتعاد عن مفهوم الوحدة أو الإتحاد مابينهما لإن أساس هذا التصور ملغى في المرحلتين الأولى والثالثة ، ثالثأ تدق – بضم التاء – مسألة ( الذاتي والموضوعي ) في المرحلة الثانية حيث أغتراب الروح المطلقة ، وحيث أستلاب محتوى التثليث ( الآب والإبن وروح القدس ) .
ثالثأ أطروحة الإغتراب : للإغتراب ثلاثة شروط معينة ومحددة ، فإذا لم تتحقق كل تلك الشروط فإننا لسنا بصدد محتوى الإغتراب إنما قد نكون أمام أمراض مجتمعية أو أنحرافات أو زوغان ، لذلك لابد أن نمايز مابين أطروحة الإغتراب ومابين الأستعمال المجازي لهذا المصطلح ، وهذه هي الإشكالية الكبرى لدى معظم المفكرين والفلاسفة سيما لدى فيورباخ وأريك فروم :
الشرط الأول : إن يرتبط الإغتراب بالتاريخ نفسه كمرحلة معينة دقيقة ، أي أن يكون التاريخ نفسه مغتربأ عن ذاته في تلك المرحلة ، نحن هنا لا نتحدث عن الشروط الموضوعية لإحدى مكونات التاريخ مثل ( المجتمع واللامعيارية لدى أريك فروم ) إنما نحن نتحدث عن التاريخ نفسه .
الشرط الثاني : أن تحدث قطيعة جذرية راديكالية مابين مرحلتين ، الأولى كانت سليمة صحية – حسب رؤية الفيلسوف طبعأ – والثانية سقيمة مشؤومة لابد من الإنعتاق منها عبر القضاء على العلة الأسية التي أحدثت تلك القطيعة مع المرحلة السابقة والتي أحدثت الإغتراب .
الشرط الثالث : أمكانية تحقق أركان المرحلة الأولى في المرحلة الثالثة بكامل عناصرها ، وهنا أيضأ حسب رؤية وأعتقاد الفيلسوف ، وهذا الشرط قاتل وضروري لإنه إذا تطورت المجتمعات بصورة أضطرارية وحسب عناصرها الذاتية وبلغت مرحلة مقيتة لا نتقبلها ، فإنها لم تغترب أصلأ إنما طبقت شروط أستمراريتها وضرورة بنيويتها ، أي إن الإشكالية – هذا إذا كانت إشكالية - موجودة في التاريخ وفي تاريخ تطور المجتمعات وفي طبيعتها وفي ذاتيتها وليس في مرحلة معينة تحدث قطيعة راديكالية مع الماضي لعلة ثابتة ، لذلك فإن الإغتراب المسيحي هو أغتراب فعلي وكذلك الإغتراب الهيجلي وكذلك الإغتراب الماركسي .
رابعأ وخامسأ أطروحة الروح الكلية وأطروحة الصيرورة : إن الإغتراب في المعتقد المسيحي ولدى هيجل أكثر مصداقية وعمقأ مما هو عليه لدى ماركس ، ليس لإنه أكثر تجذيرأ في التجربة البشرية ، إنما لإن الروح الكلية ( الوعي المطلق ، اللعقل الكلي ، المسيحية المطلقة ، الآب المسيحي ) هي التي تغترب وتستلب وتكافح في سبيل العودة إلى المرحلة الإولى عبر الصيرورة لدى هيجل ، عبر مسح الخطيئة في المعتقد المسيحي . وهذا الإغتراب ليس فقط لأتمام دورة الكمال التاريخي ، بل هو أيضأ لتبرير وجود التجربة البشرية من حيث الأساس ، أي لجعلها معقولة ، وهذا هو الأس الفعلي في مقولة هيجل الشهيرة ( كل ماهو واقع هو معقول ، وكل ما هو معقول هو واقع ) ، وهذا هو أيضأ الأس الحقيقي في مقولة التثليث المسيحي ( الآب والأبن وروح القدس ) ، في حين إن الإغتراب لدى ماركس لا يتعلق بإنطولوجية التجربة البشرية ، كما لايمكن الإنعتاق منه إلا عبر مفهوم وعي الضرورة ، لإن أس الإغتراب لدى ماركس هو الملكية الخاصة ، ولابد من إلغائها عبر ذلك الوعي للعودة إلى الحالة المشاعية الأولى ، تلك المشاعية الأولى ( بصورتها الأخيرة ) التي من المستحيل أن تكون جزءأ أو مرحلة من مراحل تطور البشرية أو التاريخ الموضوعي ، وهي ذات الإشكالية لمفهوم مسح الخطيئة لدى المعتقد المسيحي ، كما إنها ذات الإشكالية في عودة الروح المطلقة إلى نفسها لدى هيجل .
ويدرك هيجل عمق هاتين الإشكاليتين ، كما يدرك إشكالية التثليث ( الآب والأبن وروح القدس ) وصعوبة تبرير وجود التجربة البشرية ، سيما العلاقة الفعلية مابين المقولتين الأخيرتين أو التطابق والتماثل مابينهما ، لذلك يجمح مسبقأ وبصورة قصدية واعية كل الوعي نحو أقصى درجات الجماح في تصوره النظري ، ويؤكد منذ البداية الأولى ( إن الحقيقة المطلقة هي في صورة مطلقة ) ويتابع ( إن أولى اللحظات وأعظمها تجريدأ لمقولة الفكرة العليا هي مقولة الوجود الخالص ) ، والوجود الخالص هو بالضرورة وجود فارغ عقيم ، وجود لا وجود له ، وجود ذهني بحت ، أي نحن إزاء مفاهيم كلها أوجه متماثلة : الوجود الخالص ، الوجود العام ، الوعي المطلق ، الروح الكلية ، الفكرة المطلقة ، العقل أو العقل الكلي ، المسيحية الكلية ، الآب المسيحي ، الإله .
إن هذا التصور حول مفهوم الإغتراب منقوض من الناحيتين التاليتين :
الناحية الأولى : عندما يؤسس المعتقد المسيحي محتوى الإغتراب فإنه يقومه على علة معينة محددة وهي علة الخطيئة الكبرى ، وعندما يؤصل ماركس الإغتراب فإنه يقومه على علة ثابتة واضحة وهي علة الملكية الخاصة ، وكلتا العلتان مرهونتان بالشروط الطبيعية والموضوعية للتجربة البشرية ، بمعنى إن ( الإنسان ) في الحالتين هو علة أغترابه ، أي بتعبير آخر إن التجربة البشرية هي بذاتها علة أغترابها في المرحلة الثانية من تاريخها ، بينما يقومه هيجل على أساس مختلف وحسب مسوغات من نوع آخر ، هو يقومها على محتوى فكرة ، على مضمون مفهوم ، على أس تعريفي ، أي على أساس فحوى وليس على تقويمة علة ، فيؤكد ( فالفكرة الخالدة ، في تحقيقها الكامل لماهيتها تشرع في العمل على نحو أزلي ، وتستمتع بذاتها بوصفها العقل المطلق أو الروح المطلقة ) .
وفي تحقيقها الكامل لماهيتها هي تبحث عن ذاتها ، أو هي تبحث عن التكامل في ذاتها ،أوهي تتكامل حول ذاتها ، وهذا التكامل تفرضه ماهيتها ، أو تقتضيه ومن ثم تمارسه ، أي إن ذلك من إحدى تجلياتها .
وهذه التجلية وإن بدت منسجمة بمفردها في حدود طبيعة – الفكرة الخالدة – فإنها ليست إلا فكرة تجريدية محضة ، فكرة في الخلاء ، تتماثل مع ذلك الوجود الخالص . في حين إن الخطيئة أو الملكية الخاصة هي علل واضحة ، قائمة بذاتها مستقلة بحدودها ، وليست تابعة لمحتوى أو لمفهوم .
وفي الحقيقة ، إن التناقض الحاصل هنا يؤوب في جذوره إلى التعارض الحاصل مابين فكرتين ، الأولى تتعلق بكيفية رؤية المعتقد المسيحي ومسألة التثليث ( الآب والأبن وروح القدس ) ومضمون النجربة البشرية ، والثانية هي أصرار هيجل على ترجمة تلك الإطروحات كما هي ضمن إطار مفهوم الفكرة الخالدة والروح المطلقة والعقل الكلي لبلوغ المسيحية الكلية ولتثبيت الآب المسيحي أو الفلسفة المطلقة الكلية ( إذا ماسايرنا ممارسات هيجل التعسفية في أستخدام المصطلحات ) .
الناحية الثانية : يقسم هيجل الأشياء إلى ثلاثة – عادة متبعة لمن تأثر بالثالوث المسيحي ولمن أدرك دورة الكمال التاريخي في ثلاثة مراحل – فقسم الروح إلى الذاتي والموضوعي والمطلق ، والروح الذاتي إلى النفس والوعي والذهن ، والنفس إلى الطبيعية والحاسة والموجودة بالفعل ، والوعي إلى الأصلي والذاتي والعقل ، والذهن إلى النظري والعملي والحر .
وهيجل ينصب فخأ لمن يتتبع دراسة هذه المقولات خطوة خطوة ، إذ يغدو الإنسان ، على أثرها ، مسلوب الإرادة والوعي ، مغتربأ عن ذاته ، لذلك لامناص من التمرد على هيجل ليعترف هو بمكنوناته الخبيئة ولتتمظهر تلك المكنونات على المسطح المعرفي .
وهكذا نشاهد هيجل عاريأ ، يدرس بجنون حالة الإله الكلي ، الآب المسيحي ، عبر تلك المصطلحات العديدة ( الروح المطلقة ، الفكر الكلي ، الوعي ، العقل ، الوجود الخالص ) ، وخلال ثلاثة مراحل جوهرية ، المرحلة الأولى مرحلة الآب والإله ، المرحلة الثانية مرحلة التثليث ( الآب والأبن وروح القدس ) أي تجلية الآب في حدود الطبيعة والتجربة البشرية ، المرحلة الثالثة مرحلة مابعد الإنقاذ والعودة إلى المرحلة الذاتية الأولى بعد أن حل التثليث محل الواحد كليأ ، وبعد أن أصبح هذا الواحد غنيأ بتلك التجلية وبهذا التثليث الرائع دون أن يفقد واحديته حتى في هذه المرحلة الثالثة .
لكن كيف يمكن أن ندرك هذا المحتوى على صعيد مقولة هيجل الشهيرة ( كل ماهو واقع هو معقول ، وكل ماهو معقول هو واقع ) ؟
لو أستخدمنا مصطلح العقل ، العقل الأول ، المعقول ، فالعقل الأول الذي هو الإله الكلي الذي يبحث هيجل عنه موجود قبل هذا العالم بصورة تجريدية صرفة ، بصورة عقلية محضة ، بصورة لايمكن تعقلها لإنه وجود خالص ، لإنه لم يتجل بعد ، أي إنه لاعقل قبل أن يتجلى ، وما أن يتجلى في الطبيعة يلج في محتوى ضد ذاته ، أي يتحول إلى ضده ، أي إلى اللاعقل ، إلى اللامعقول ، لكنه في الحقيقة – حسب هيجل – يمارس ماهيته أي إنه يتحول إلى العقل ، إلى اامعقول .
وكأننا إزاء أغتراب وأغتراب معاكس ، الأول هو أغتراب العقل الأول في تحوله إلى ضده في الطبيعة ، والثاني هو تحرره من أغترابه الذي كان يحايثه بتلك الصفة التجريدية المحضة قبل أن يلج في الطبيعة ويتجلى بها ، وهذه هي الإشكالية القاتلة في تصور هيجل عن الإغتراب ، ولذلك كنا أمام تلك التعابير المتناقضة قبل قليل .
ناحية إضافية : نود فقط أن نوضح نقطة جوهرية وهي إن الكون الفيزيائي بالمفهوم الذي قدمناه في الحلقات السابقة يرفض أمرين أثنين :
الأمر الأول : الكون الفيزيائي لا يقبل من حيث المبدأ أي حالة من حالات الإغتراب .
الأمر الثاني : إن الكون الفيزيائي يرفض دورة الكمال التاريخي بالمعنى الذي قدمناه .
وإلى اللقاء في الحلقة التاسعة والخمسين .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع