الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلامة أوريجانوس – كتاباته وأفكاره

محمد زكريا توفيق

2015 / 1 / 11
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



لا نعرف عبقريا أو نبيا، ليس ابنا لبيئته وعصره. ولا يوجد مفكر، استطاع تحرير نفسه بالكامل من الأيديولوجيات السائده في زمانه. هذا ينطبق أيضا على أوريجانوس، الفيلسوف والعلامة المصري ابن الإسكندرية.

هو يعتبر الكتاب المقدس، كتاب سماوي نزل من عند الله. لكنه كون عقيدته وأفكاره، عن طريق الفهم لآياته. لقد استخدم التأويل والاستعارة في شرح الفقرات الغامضة. وكان لا يؤمن بالمعجزات.

كان يستخدم التأويل والرمز لكي يصل إلى عمق معنى الكتاب المقدس. لكن التأويل وحده لا يكفي. تأثرة بالغنوصية والأفلاطونية المثالية، جعلته يميل إلى التفسيرات الصوفية.

كما هو الحال، بالنسبة للقرن التاسع عشر، استخدام التأويل والحكايات الرمزية، كان هو الأسلوب الأمثل لتقبل المعجزات، التي لا يقرها العقل النقدي، والتي تتعارض مع العلوم والمنطق.

إنها كانت وسيلة لتقبل قصص الإنجيل، التي لم يكن قبولها حرفيا ممكنا. وجهة النظر هذه، تفترض مهارة وذكاء غير عادي في فهم العهدين، القديم والجديد. استخدام التأويل لمحاربة الهرطقة، كانت أيضا وسيلة أوريجانوس، لوقف انتشار تدريس الخرافات على نطاق واسع، بحجة أنها تساعد على بقاء العقيدة، وتزيد من إيمان معتنقيها.

استخدام التأويل والاستعارة، كما يقول دين إنجي، لم تكن فقط وسيلة أوريجانوس للدفاع عن العقيدة، ولكنها كانت سلاحه في نشر حرية الفكر. لقد كانت تفسيراته للكتاب المقدس، علمية أكثر من تفسيرات المصلحين الليبراليين الذين أتوا بعده. لأنه كان يرفض التفسير الحرفي للكتاب المقدس.

هذه هي آفة العالم الإسلامي اليوم، التفسير الحرفي للقرآن والأحاديث. لو استخدمنا الاستعارة والتأويل في تفسير قصة آدم وحواء، على سبيل المثال، لما تعارض الإنجيل والقرآن مع العلم الحديث وانتهى الأمر. لكن التفسير الحرفي، سيجعل الكتب المقدسة دائما في تعارض مع العلم والمنطق. ومن ثم، ظهور أمثال داعش وأخواتها، التي لا عقل لها.

بالرغم من أن أوريجانوس كان يعتمد جزئيا على معتقدات عصره، إلا أن خلافه معها كان يغلب موافته لها. من ثم، كان مفكرا تقدميا حديثا كل الحداثة. كأن القدماء قد سرقوا شعلتنا من الحداثة، أو نحن الذين سرقناها منهم.

هذه الحداثة التي نتحدث عنها، بالنسبة لأورجانوس، سوف نقابلها أولا في تفسيراته وإيضاحاته، التي تعتبر باكورة النقد الأدبي بمفهومه الحديث. أما مساهمته الكبرى في هذا المجال، فهي كتابه هيكسابلا.

السبعينية، وهي الترجمة اليونانية للعهد القديم، أصبحت دقتها موضوع جدل بين اليهود والمسيحيين. كان اليهود يعتبرونها غير صحيحة، ويكتفون بالنسخة العبرية فقط. ثم بدا واضحا لأوريجانوس، أن صيغتها الحالية لا يمكن الاعتماد عليها، بسبب العجلة ودوافع التحريف والأخطاء التي كانت تعتري النساخين.

لذلك قرر أوريجانس أن يقوم بنفسه بترميم وإصلاح نسخة السبعينية، وإرجاعها إلى أصلها، والتعليق عليها. هذا العمل، أخذ منه 28 عاما من الجهد المتواصل. مثال للدقة المتناهية والصبر على أداء الأعمال العملاقة. وكما قال البروفيسور فيرويزار: "ربما لا يوجد في عالم الدراسات الأكاديمية، ما يمكن مضاهاته بهذا العمل الجبار".

كان هدف أوريجانوس هو تنقية كتاب السبعينية وجعله موضع ثقة، يمكن الاعتماد عليه أكثر من أي شئ آخر. حتى يمكن مضاهاته ومقارنته بنسخة اليهود.

لكي يتم هذا العمل، قام بجمع كل نسخ السبعينية. هذه النسخ، أثبتت أن بينها خلافات، لا أمل في التقارب بينها وإصلاحها. النسخة العبرية نفسها، كانت طافحة بالدس والإقحام والإضافات والأخطاء.

معرفة ما هو الأصل وما هو المفحم والمضاف، كان من الأمور المستحيلة. لكن أوريجانوس كان مقتنعا بأن الدراسة المقارنة لهذه النسخ اليونانية مع الأصل العبري، يمكن أن تؤدي إلى نتيجة عظيمة، على الأقل، نتيجة أفضل من كل النسخ الموجودة.

تنقيح أوريجانوس للعهد القديم، يسمى "هيكسابلا". لأن كل صفحة فيه مكونة من ستة أعمدة متوازية: العمود الأول الأصل العبري بالحروف العبرية، ثم الأصل بالحروف اليونانية، ثم ترجمة أكويلا اليونانية للأصل، ثم ترجمة سيماخوس، ثم السبعينية، وأخيرا نسخة ثيودوشن.

التباين والخلافات بين هذه النصوص، كانت تبين في الهوامش. الشروحات، كما كان يقدمها في مدرسة الإسكندرية وفي مدرسة قيسارية. تفسير الآيات، دقيق مستفيض بلغة راقية.

الهيكسابلا، كان يستخدمها يوسيبيوس، أسقف قيسارية، والقديس جيروم بن يوسيبيوس. النسخة الأصلية، فقدت عندما دخل العرب قيسارية عام 653م، وقاموا بتدمير المدينة. وكأن حرق الكتب شيمة من شيمات الثقافة العربية.

عندما احتل العرب بلاد الفرس، ووجدوا فيها كتبا كثيرة، كتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب، ليستأذنه في شأنها وتلقينها للمسلمين. فكتب إليه عمر أن اطرحوها في الماء. إن يكن ما فيها هدى فقد هدانا الله بأهدى منه، وإن يكن ضلالا، فقد كفانا الله. فطرحوها في الماء أو في النار، وذهبت علوم الفرس فيها، بدلا من أن تصل إلينا.

ألم تحرق مكتبة الإسكندرية؟ حيث جعلت كتبها العامرة وقودا للحمامات لأربع سنوات كاملة، ربما لنفس السبب.

لأن حرق الكتب والمكتبات كانت سنّة غير حميدة. سار عليها إثنان من الخلفاء الراشدين. فقد أحرق عمر بن الخطاب صُحُفا جُمعت فيها أحاديث الرسول، على ما ذكره ابن سعد في الطبقات الكبرى.

بعده، أحرق عثمان المصاحف الستّة الأخرى، فيما يروي المفسرون والإخباريون. بينها مصحف أبيّ بن كعب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعليّ بن أبي طالب... إلخ.

ألم يحرق فقهاء "الجنة الضائعة" مكتبة ابن رشد، ومن قبله مكتبة ابن حزم الأندلسي، الذي أضحت مكتبته في ذلك العصر من بين أضخم المكتبات الخاصة في الأندلس؟

ألم يحرق البرلمان المصري في سبعينات القرن الماضي ألف ليلة وليلة؟ ألم يحرق آية الله أحمد جنتي مئات الكتب التي سمحت رقابة الدولة الدينية الإيرانية الصارمة بنشرها، وأحرق دور النشر التي أصدرتها؟

شروح أوريجانوس شملت العهدين، القديم والجديد. لم يبق إلا القليل منها باللغة اليونانية. لكن الكثير من تعليقاته، وجدت باللغة اللاتينية في ترجمات جيروم وروفينوس.

كان تفسير أوريجانوس يعتبر المرجع الأول، الذي يرجع إليه باقي المفسرين. حتى المفسرين المحدثين، يعترفون بفضله والاقتباس من أعماله. معرفته باللغة اليونانية واتقانه لمفرداتها وقواعدها، ليس له مثيل في زمانه.

أهم تعليقاته، هي الخاصة بالأناجيل: الرابع، ومتى، ورسالة إلى الرومان. يبدأ كل منها بمقدمة، ثم شروح ونقد تحليلي لآياته. تخاطب العقل، لا العاطفة. تثبت أن أورجانوس، هو أعظم الوعاظ الذين عرفهم العالم القديم.

الفضل يرجع ل "روفينوس"، في حفظ كتاب أوريجانوس، "على الأساسيات". وهو يبين عقيدة أوريجانوس المسيحية والفلسفية. الكتاب يبين بوضوح وإصرار، حرية إرادة الإنسان.

أي أن، الإنسان مخير، لا مسير. وهي القضية التي أدمت قلوب المسلمين وقتلت منهم عشرات الألوف، وقضت على فكر المعتزلة وفلسفة إعمال العقل، وقفلت باب الإجتهاد في وجوهنا.

الإنسان، كما يقول أوريجانوس، لديه القدرة على الخيار بين الخير والشر. وهو اختيار بأن تكون: إما ربانيا، وإما إنسانا ملوما فاشلا. مثل إرميا، أحد أنبياء بني إسرائيل، الذي يرى قدرات الإنسان مستقله عن بيئته، ومثل حزيقال، الذي يقول بمسؤولية الإنسان عن أعماله.

كان أوريجانس يعارض العقيدة المسيحية التي تقول، بأن الخطيئة وفساد الإنسان، تورث للأبناء والأحفاد. وكان يدعو أثناء دروسه، بأن هذا الإنسان، بالرغم من قوى الشر المحيقة به، يستطيع أن يعلو ويسمو إلى مرتبة ربانية.

يجب أن لا ننسى أن أوريجانوس كان أفلاطوني الفكر. يرى الله كروح وضياء ومصدر لكل العقول. روح صافية بدون جسد. لا يجب تصوره كشئ فيزيائي. هو ليس بجسد، ولا يجب أن يوضع في جسد. هو ببساطة عقل أبدي.

لقد سبق أوريجانوس الفيلسوف اسبينوزا، الذي يرى أنه لا يوجد إلا جوهر واحد لانهائي هو الله. العالم من حولنا نراه في صور مختلفة. المنازل والمفروشات والناس والحيوانات وهكذا.

لكن هذه الصور، ما هي إلا تموجات وتذبذبات في الزمان والمكان، تأتي من الجوهر اللانهائي، وهو الله. أي أن الله والكون هما شئ واحد. هذا ما يعرف بوحدة الوجود.

يقول اسبينوزا: إذا كان وجود الله لا نهائي، فالعالم لا يمكن أن يكون منفصلا عنه. وإلا كانت هناك أزمنة وأماكن لا يوجد بها الله. في هذه الحالة، سوف يكون الله محدودا في الوجود والقدرة.

يرى اسبينوزا أيضا، أن العقل والمادة هما شئ واحد. كلاهما صور مختلفة من صور الله. وهو هنا يرفض ثنائية ديكارت في تقسيم الأشياء إلى عقل ومادة، جسد وروح. جوهر الأشياء شئ واحد لا ثاني له. العلوم الحديثة تقول، إن المادة والطاقة هما شئ واحد.

يقول أوريجانوس أيضا، على خلاف ما جاء بالكتاب المقدس، أن الله رحيم، لا يعاقب مخلوقاته. الخطيئة، من نفسها تعاقب مقترفها. أي إن المكر السيء يحيق بأهله. كما أن الله، عند أوريجانوس، قد ألزم نفسه بالحب والحكمة، ولا يمكن أن يخالف القوانين التي وضعها بنفسه.

عقيدة الثالوث، في بداية القرن الثالث الميلادي، كانت تسبب الكثير من المتاعب للديانة المسيحية. بينما كان أوريجانوس يؤمن بلاهوت الثالوث، إلا أنه كان يصر على خضوع الإبن إلى أبيه، وحلوله منزلة أقل من منزلة الأب. هذه الأفكار، أدت إلى ظهور الآريوسية في القرن التالي.

أعمال أوريجانوس العظيمة التي دافع فيها عن المسيحية، هي بعنوان "ضد سيلسوس". سيلسوس، هو فيلسوف وثني، يتقن اللغة اليونانية ودارس جيد للديانة المسيحية.

قام بمهاجمة المسيحية في كتابه "الحديث الصحيح". وكانت حجج الكتاب قوية. من يفحص الكتاب بتمعن، يكتشف أن ما جاء به، لا يبعد كثيرا عن عقيدة أورجانوس.

بالرغم من أن كلاهما، أفلاطوني المشرب، بمعنى أن كلاهما يستخدم نفس المقدمات الميتافيزيقية، إلا أن النتائج الأخلاقية، جاءت متعارضة في الكتابين. فسيلسوس يتهم ويشجب المسيحية والمسيحيون والمسيح بشدة. فيجيبه أوريجانوس بما هو أكمل دفاع عن المسيحية عرفته الكنيسة القديمة.

بالمقارنة بعقائد القرن الرابع الميلادي، يعتبر أوريجانوس ليبرالي. لكن بالمقارنة بسيلسوس، يبدو محافظا، هذا شئ طبيعي. أصحاب حقوق الإنسان في القرن العشرين، ربما يجدون أفكارهم أقرب إلى الوثني سيلسوس، منها إلى المسيحي أوريجانوس.

لقد ذكرت في المقدمة أن أوريجانوس ابن عصره. عقيدته كانت في خط مع الإيمان العام. الغريب أن تصدر عنه تعبيرات إبداعية غير مسبوقة. هنا يتفوق على كل معاصريه.

لكن بسبب هذه الإبداعات، رفض روفينوس ترجمة كتبه التي بها هذه الإبداعات إلى اللاتينية، قبل أن يحذفها، خوفا من أن يتهم أوريجانوس بالهرطقة.

أوريجانوس، هو أول لاهوتي يستخدم الأسلوب العلمي. وكما يقول ويليام فيرويزار، "داخل العقيدة المسيحية، هو الأول. وهو الوحيد المستقل الفكر والبنّاء" لقد كان بمثابة نقطة تحول في تاريخ فكر الكنيسة القديمة.

يقول عنه هارناك، "اللاهوت الأرثوذكسي، لم يتقدم قط خارج الدائرة التي رسمها عقل أوريجانوس. لقد اتهمته الكنيسة، وصححت كتابات مؤسسها. وكانت تظن أنها تستطيع حذف أفكاره الإبداعية، كأنها حواشي جاءت بالصدفة"

لقد كانت التربة ممهدة بكتابات فيلو باللغة اليونانية. وكان هدف أوريجانوس هو بذر حبوب الثقافة الهيلينية في الأرض الصالحة للزراعة. لكي يجعل الفكر الفلسفي المسيحي، يقف في وجه الغنوصية. وأيضا، لكي يدمج هذا الفكر مع الفلسفة الإغريقية.

سيرا على خطى أستاذه، كليمنت، وجد أوريجانوس أنه من الضروري أن يجد فلسفة تصلح للمسيحية، تشبع الحاجة العقلية في ذلك الوقت. لاهوت يتناغم مع الحضارة الإغريقية والروح العلمية. ترتاليان، على العكس، كان يعارض بشدة الانفتاح على الحضارة الإغريقية.

كليمنت، أراد أن يطعم المسيحية بروح أفلاطون. لقد رأى الفلسفة الإغريقية، كتمهيد لفهم الإنجيل. أوريجانوس ذهب أبعد من ذلك، في تأييد استخدام العقل وقبول النقد والاستفادة من الحضارة اليونانية.

مثل اسبينوزا، كان أوريجانوس لا يقبل أي شئ يتعارض مع العقل. بعكس ترتاليان، الذي كان يؤمن إيمانا أعمى، وكان يقول: "أنا أومن، بالغير معقول". أما أوغسطين، فكان يقول: "لن أومن بالإنجيل، إن لم تجبرني الكنيسة الكاثوليكية على ذلك".

لقد كان إيمان أوريجانوس، إيمان بروتستانتي. يشبه إيمان مارتن لوثر، ولكن يضيف إليه: "إن الإيمان وحده غير كاف، بدون أن يقرن بالسلوك الأخلاقي. هذه هي تعاليم المسيح الحقة."

الأخلاق عند أوريجانوس، ليست مجرد نظريات جافة، ولكن لها تطبقاتها العملية التي مارسها على حياته الخاصة، والتي كانت صافية لا يشوبها حتى اللوم. كتب هارناك يقول: "هناك آباء قليلون للكنيسة، حياتهم توصف بالنقاء مثل حياة أوريجانوس"

مؤرخ آخر عظيم، موشيم، الذي اخترق ضباب الكنيسة الأرثوذكسية ، لكي يرى عظمة وصلاح أوريجانوس. كتب لنا يقول: "بالتأكيد، إذا كان هناك من يستحق أن يكون في مقدمة القديسين والشهداء، لكي يذكر ويعاد تكريمه كل عام. كمثال يقتدي به كل مسيحي، هذا الرجل، إذا استثنينا المسيح وحوارييه، هو أوريجانوس. فأنا لا أرى من بين القديسين، من يعلوه علما وخلقا وقداسة."

في تعليقاته وشرحه للكتاب المقدس، يبين لنا مدى ليبراليته بالمفهوم الحديث. في رفضه التفسير الحرفي للإنجيل يقول: "أي إنسان مدرك، يقبل وجود اليوم الأول والثاني والثالث، والمساء والصباح، بدون شمس وقمر ونجوم؟ أو أن الله قد مشى في الجنة في المساء، وأن آدم نفسه قد اختبأ من الله تحت شجرة؟

أو أن الشيطان أصعد المسيح إلى جبل عال، لكي يرى بنفسه ممالك الفرس والسكثيون والهند؟" وكتب أيضا، هناك بعض الفقرات، ليست صحيحة حرفيا، وهي أيضا كلام فارغ ومستحيلة".

بالنسبة لما يعرف بشريعة موسى، كتب يقول، "أنا أستحي من قول إن الله قد أعطى مثل هذه القوانين. التي هي أدنى منزلة من تشريعات الإنسان"

لقد ثار أوريجانوس ضد تجسيم العهد القديم. وكان يعتبر حكاياته، مثل رؤية موسى الله، بأنها حواديت عجائز النساء. وكان ينصح بعدم قراءة حكايات، مثل حكاية وطئ لوط لبناته، وفعل إبراهيم الفاحش، وعشق يعقوب". يرى أيضا، أن وصية الإنجيل في سفر التكوين (17:14)، التي تفرض الختان على الأبناء، هو عمل بربري.

أما شروحة للعهد الجديد، فهي متقدمة بشكل ملحوظ. فقد أشار إلى التباين والتعارض بين الأناجيل. وقد كان من الأوائل الذين لم يتأثروا باليهودية والزرادشتية، في إيمنها بالآخرة. بالنسبة لأوريجانوس، وكذلك بولس، الخلود هو استمرار روحي وليس بعثا للجسد.

المعجزة، تأتي في المرتبة الثانية، وربما ليس لها أهمية عند أوريجانوس. فهو هنا يقول: "حتى لو فرضنا وجود جان اسمه أسقيليبيوس، له مقدرة على شفاء الأبدان، أو من يتنبأ بالمستقبل.

مثل هذه القدرة في حد ذاتها، ليست بالخيرة أو الشريرة. لا يعني هذا أن الطبيب أو العراف، لا بد أن يكون رجلا صالحا وأمينا. القدرة على الشفاء، لا تعني شيئا ربانيا."

رأيه في الخلاص والأسرار السبعة، تختلف عن رأي أوغسطين فيما بعد. الأسرار عند أوريجانوس، ليس لها فعل السحر. ويأسف لأن "ليس كل من تعمد بالماء، يكون على الفور قد تعمد بالروح القدس." الناس تنجو أرواحها بالحياة الروحانية، وليس بالطقوس المقدسة ورش الماء."

أوريجانوس، العلامة الفيلسوف المصري ابن الإسكندرية، بات رجل المسيحية المنسي. لقد أصبح منسيا، لأن الكنيسة الأرثوذكسية منعت تدريس أفكاره، ونعتته هرطيقا.

إذا اتبعت المسيحية تعاليم أوريجانوس، بدلا من تعاليم أو غسطين، التعاليم الهيلينية بدلا من التعاليم الأفريقية، ولو اتبع المسلمون ابن رشد بدلا من الغزالي، لأصبحوا أكثر حرية وليبرالية وأقل عبودية للسلطة الدينية والسياسية. أكثر روحانية وقدرة على التفكير، وأقل بلادة وجمود فكر. أكثر انتقائية، وأقل جمودا وتعصبا.

في عام 313م، أصدر الامبراطور الروماني قسطنطين، مرسوما امبراطوريا بمقتضاه، انتشرت الكنائس المسيحية، التي تخلصت من أفكار أوريجانوس، وتمسكت بالطقوس والرسميات المتكلفة.

معارضة أوريجانوس كانت بسبب الجدل الدائر في ذلك الوقت بين أتباع الأريوسية الذين يعتبرونه منهم، وبين أتباع البيلاجيانية والنسطورية. مما جعل رجال الكنيسة الأرثوذكسية تتكاتف ضد أوريجانوس .

الأسقف ثيوفيلوس الإسكندري، في القرن الرابع الميلادي، كان يشارك في إدانة أوريجانوس. وكذلك مارتن لوثر في القرن السادس عشر. الذي كان يتساءل: "أليس مصيره العذاب الأبدي، بسبب عصيانه؟"

بيكو ديلا ميراندولا، عالم الإنسانيات العظيم، أصابه اللوم هو الآخر بسبب دفاعه عن أوريجانوس وقوله: "إنه يعتقد أن أوريجانوس قد نجت روحه وأنقذت."

منذ القرن السابع، وأوريجانس يلام بآباء الكنيسة. إلا أن، القليل من الرجال في تاريخ المسيحية، هم الذين يوصفون بالخصال الرفيعة، التي تشبه خصال أوريجانوس. جيروم يصفه بأنه أعظم أساتذة المسيحية بعد الحواريين. وبعد ذلك بخمسة عشر قرنا، يكرمه أسقف وستكوت قائلا: "حياته، صلاة لا تنقطع".

الكاهن فارار، قال عنه: "في تاريخ الكنيسة القديمة، لا يوجد من هو أنبل من أوريجانوس أو أعظم منه". قليل من الرجال، هم الذين قدموا مثل هذه الخدمات الجليلة للمسيحية. الذين من طفولتهم إلى شيخوختهم، عاشوا حياة الطهر والنقاء.

أوريجانوس، قديس ليس له مثيل، ملعون لقرون عديدة من الكنيسة. ضحية الجهل والغباء والتعصب، من أناس أقل شأنا. لا يقارنون به في علمه وثقافته ونقائه وإخلاصه لعقيدته.

يجب علينا إعادة تقييم الماضي. التاريخ المسيحي والإسلامي. يجب أن نجد تعريف جديد لمعنى عظمة الرجال. يجب أن نتخيل ما قد تكون عليه المسيحية والإسلام اليوم، لو اتبعا أوريجانوس وابن رشد أو المعتزلة. لا أن نحكم فقط على الأمور في ضوء ما قد حدث بالفعل.

إلى من يفضلون الروح الإغريقة على الروح الرومانية، أوريجانوس يجب أن يتوج بالفخار كقديس. فقد كان أول مسيحي ليبرالي.

لماذا أكتب عن رجل من رجال الكنيسة المسيحية وأنا مسلم؟ لأنني مصري وتاريخ الكنيسة المسيحية هو تاريخي وتاريخ مصر، كما أن المسيحية واليهودية جزءان من الإسلام، ولست مسلما إن لم تؤمن بهما.

لأنني إنسان ليبرالي من رأسي إلى أخمص قدمي، وأوريجانس هو أول اليبراليين وأعظمهم على الإطلاق. لأنني أرى محاربة الكنيسة المصرية لأوريجانوس، وقفل باب الاجتهاد، هو الذي شطر الكنيسة المصرية وحولها إلى طقوس وعبادات.

مثل محاربة رجال الدين الإسلامي لفكر المعتزلة، وقفلهم باب الاجتهاد بالضبة والمفتاح إلى اليوم. النتيجة، داعش وأخواتها والانحطاط الفكري والإنساني الذي نحن فيه.

وكل عام وأنتم بخير، للإخوة الأقباط المصريين، والإنسان في كل مكان، بمناسبة عيد القيامة المجيد، أعاده الله على الجميع بالخير والبركات. فإخوة الوطن أهم وأثبت من إخوة الدين. الوطن "Hardwre"، إنما الدين "Software".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - اوريجانوس
بارباروسا آكيم ( 2015 / 1 / 11 - 13:14 )
هل تعرف أُستاذ محمد ذات مرة إِستشهدت بكتابات أوريجانوس ، ولم يُصدق من كان معي إِنَّ هذا الرجُل عاش في القرن الثالث.؟! بل الرجل بالرغم من كون الكنيسة لم تجد عليه علة وحاولوا بشتى الوسائل إِدخاله الى سلك الكهنوت الذي على مايبدو كان رافضاً له فخصى نفسه حتى لايكون كاهناً، وهُنا سؤال أَإِلى هذه الدرجة بدى الكهنوت له عاهة..؟ فتسبب بعاهة في جسمه حتى لايدخل الى تلك العاهة ( الكهنوت )


2 - إلى الأستاذة بارباروس آكيم
محمد زكريا توفيق ( 2015 / 1 / 11 - 21:04 )
شكرا أستاذتي الكريمة بارباروسا آكيم على مشاركتك القيمة والمساهمة في ذكرى هذا القديس الرائع والإنسان النبيل.


3 - مصادر سيادتكم
مجدي محمدى ( 2015 / 1 / 11 - 21:30 )
الكاتب الكريم..
ماهى مصادر سيادتكم -تاريخية- أكاديمية- فى نقل المعلومة؟ ارجوا نشر المراجع المؤخوذ منها مقال سيادتكم...كذلك شواهد كتب اوريجانوس المؤخوذ منها تعاليمه وإن امكن رقم الصفحة. وهل سيادتكم تتحدث عن اوريجانوس القرن الثالث الميلادى؟؟؟


4 - الأستاذ مجدي محمدي
محمد زكريا توفيق ( 2015 / 1 / 11 - 22:50 )
أنا عادة لا أذكر المراجع التي أستند إليها في مقالاتي حفظا لحقوق النشر، ولكن سوف أذكرها عندما أنشر هذه المقالات في كتاب. هنا لا بأس من ذكر بعض المراجع .
The writing of Origen, Frederick Crombie
The Christian Platonists of Alexandria, Charles Bigg
Origen and Greek Patristic Theology, William Fairweather
Lives of the Fathers Vol 1, Fredric Farrar


5 - thanks
sameh takla ( 2015 / 1 / 11 - 23:05 )
اشكر سيادتكم على كم التبجيل لاجدادنا و تقديرك لمساهمتهم
و اعترف بحيادية مقالك لانك اوضحت سبب اعتراض الكنيسه على بعض افكاره و هو ما نتفق الى الان مع الكنيسه
هناك شقان يجب الفصل بينه هم اعماله الفكريه كمبدع و مفكر و مدى اتفاق افكاره مع ايمان الكنيسه وهو ما اعتقد و ادعيه نجح فيه شريحه من الاقباط وفى هذا اختلفالاقباط عن اشقاؤهم المسلمين و للتاكيد على ما ادعيه هو موقفنا من البابا شنوده و محبتنا له الى الابد مع الايقان ان علم و مؤلفات الاب متى المسكين .و صفحات قليله من كتاب له هى اعظم بما لا يقاس بكل من جميع مؤلفات البابا جميعا
ان الروح المصريه الحقه التى مازال صداها حتى بين المسلمين المصريين حتى وقت قريب هى روح متضعه بسيطه لا تشغل نفسها بالادانه. و لا الاحكام
اعتقد انك تتفهم الان لما نعتذ و نفتخر باوريجانوس و فى نفس الوقت نختلف مع الكثير من اراؤه وان افادنا فى تفسيره الرمزى الروحى لكم ليس الى درجه تحويل الانجيل كله الى رمز
ان الايمان بقصة الخلق كما وردت فى الانجيل لن تخرج جيل يؤمن بالخرافات بل جيل يؤمن بان هناك ما لا نفهمه و ان كنا نقبله فى اطار محبة الله للانسان من حتى قبل خلق الانسان


6 - 2
sameh takla ( 2015 / 1 / 11 - 23:31 )

ان الدين فى جوهره هو علاقه شخصيه بين كل الانسان و الهه يبدو هذا فى كل اباء الاقباط و خصوصية كل منهم فى طريقه و اسلوبه
وفى هذا لا تلام المسيحيه و يجب الا توضع فى نفس سلة الاسلام لان المسيح طبقا حتى للانجيل الذي يضمه كل بيت فى العالم يظهر كشخص ضذد القسوه و الطقوس و الصلاه بغرض البتاهى و غيره و لا تحتاج كلماته الى تفسير بل هى واضحه
ان المشكله هى فى الانسان و طريقه و اختياره بما فيهم رجال الدين
ان الطقوس فى المسيحيه ليست ملزمه و لا توجد احكام و فقه
لكن يجب عدم الخلط بين شعوب متخلفه و بالتالى تخلف جتى فهمها للدين
ان اوريجانوس. الف عشرات الالف من الصفحات و كان على ما اذكر لديه جيش من الكتاب ليكتبوا ما يمليهم عليه فى داخل مدينة الاسكندريه رغم اعتراض الكنيسه على مؤلفاته و لم تكن هناك دعوه على ما اذكر من اكليروس مصرى واحد لحرقه مؤلفاته او هو. نفسه
بل ابدع و كتب هو وغيره بل حتى اعدى اعداء المسيحيه اريوس و نسطور لم يصدر حكم دينى رسمى. بقتلهم رغم الاقاويل انه سمم
لكن رسميا تهمه نفتها الكنيسه و ذلك لجوهر التعليم الذى يمنع القتل للمختلف فكريا
و ان حصل لتعارض ذلك مع جوهر التعليم


7 - الأستاذ سامح تكلا
محمد زكريا توفيق ( 2015 / 1 / 12 - 04:20 )
أستاذي الكريم سامح تكلا، شكرا لتواصلك وتوضيحك المفصل. أنا هنا لا أنقد المسيحية أو أي دين. فليس هذا من طبعي، وهو أمر يخص علماء الأديان المقارنة والمؤمنين بكل دين. أنا هنا أناقش الأفكار التاريخية للمصريين. في عالم الفكر والفلسفة، ليس هناك شئ اسمه صح وخطأ. بل كل الأفكار بمثابة براعم وذهور، تظهر وتملأ الجو بعبيرها وجمالها، ثم تذبل وتختفي ليحل محلها الثمار الشهية. ما نعتقده أنه أفكارا خاطئة، هو في الواقع مرحلة ضرورية من مراحل البحث عن الحقيقة. فلولا قوانين نيوتن في الجاذبية، لما توصلنا إلى قوانين أينشتاين في الجاذبية ونظرية النسبية العامة. وياترى إلى أين توصلنا في المستقبل. وهكذا. المهم أن لا نهمل تاريخنا الفكري العظيم بصوابه وأخطائه، وأن نفهمه فهما حضاريا يليق بنا كأمة عظيمة وشعب عظيم.


8 - Thanks
sameh takla ( 2015 / 1 / 12 - 12:07 )
انا اعلم انك لم تقصد ابدا نقد الاديان بل كنت تلقى الضوء على تجارب و افكارو ابداع من سبقونا خصوصا جدودنا المصريين
ولكن الدين هو ايضا تجربه انسانيه فكريه بشريه و لهذا يصعب احيانا فصلها عن الفكر البشرى
ففى المسيحيه تجلت بشرية الفكر حين تجلى الله نفسه واخذ جسد و فكر انسان و فى الاسلام جميع احكامه هى متعلقه بالبشر وكذا اليهوديه
كما ان ابداع اوريجانوس مرتبط تماما وكليا بالدين
لهذا يستحيل ان نحيد و نهمل موقعه الدين سواء بالدفاع او الهجوم حينما نتعرض لاى فكر او ابداع او انتاج انسانى
وهذا هو اعتذارى لادخال المسيحيه و اراؤها حين تكلمت عن اوريحانوس
لان كل فكره و ومؤلفاته و شهرته مرتبط بالمسيحيه و كان هذا عذرى حين ادخلتها فى الحوار حوله

اشكرك على سعة صدرك و اقدر اهتمامك بجدود لا اظن انه يوجد الكثير مما يربطنا بهم الان سوى اننا نعيش على تلك الارض التى عاشوا عليها من الاف السنين وعدا ذلك لا يوجد

الا بعض التجليات النادره فى قله تعد على الاصابع من تلك الملايين كمثل سيادتكم و ا. يونس و ا. رضوان و الاب متى المسكين وكما كان طه حسين من قبلكم
رغم اختلاف ثقافتكم و خلفياتكم


9 - اشكرسيادتكم على الرد
مجدي محمدى ( 2015 / 1 / 12 - 22:22 )

الكاتب الكريم
اولأ اشكرسيادتكم على الرد.
وجدت الكتاب الاول The writing of Origen, Frederick Crombi فى مكتبة جامعة تورونتو كندا (https://archive.org/details/writingsoforigen02origuoft) ونسخة PDF هنا:
https://ia600406.us.archive.org/32/items/writingsoforigen02origuoft/writingsoforigen02origuoft.pdf
هو كتاب عن كتابات الفيلسوف فى دحض الوثنية Celsus (Alē-;-thē-;-s logos) وفى بداية الكتاب نبذة عن حياته والتى توافق ماكتبته لسيادتكم فى المقال الاول وتم اضطهاده بواسطة الحاكم الوثنى Maximin ولا علاقة بالكنيسة سوى عمل مجمعين لسماع افكاره وانتهى بعدم السماح لة بالتعليم داخل الكنيسة.


10 - اشكرسيادتكم على الرد
مجدي محمدى ( 2015 / 1 / 12 - 22:24 )
الكتاب الثانى: The Christian Platonists of Alexandria, Charles Bigg
وجدته فى مكتبة e-book والكتاب هو 8 محاضرات القاها الكاتب Charles Bigg فى جامعة اكسفورد عام1868 https://archive.org/details/christianplatoni00bigg. وهو عن محاضرت او كتابات عن فلاسفة الكنيسة المصرية ومنها الفيلسوف السكندرى فى المحاضرة الربعة والخامسة والسادسة عن تعاليمة والشاردة منها . وفصل عن كتاباته فى دحض الوثنية. وخصصت الصفحات115 -123 لنبذة عن حياته لم يذكربها أى اضطهاد كنسي له.


11 - مجدي محمدي
محمد زكريا توفيق ( 2015 / 1 / 13 - 04:13 )
عزيزي الأستاذ مجدي محمدي، ما تبحث عنه بخصوص اضطهاد البابا ديميتريوس لأوريجانوس ، سوف تجده في كتاب:
Willaim Fairweather

اخر الافلام

.. رئيس الوزراء أتال يقدم استقالته للرئيس ماكرون الذي يطلب منه


.. مدير الشاباك الإسرائيلي يتوجه لمصر لمواصلة المحادثات بشأن وق




.. قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على جنوبي غزة وسط توغل بري وإطلاق ل


.. قراءة عسكرية.. فصائل المقاومة تكثف قصفها لمحور نتساريم.. ما




.. هآرتس: الجيش الإسرائيلي أمر بتفعيل بروتوكول -هانيبال- خلال ه