الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وُلِدوا من العدم!!

زين اليوسف
مُدوِّنة عربية

(Zeina Al-omar)

2015 / 1 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أن تُشاهد من يمسك سكيناً ليذبح شخصاً ما بسبب هويته الدينية لم يعد حالياً من الأمور الغير مألوفة لدينا بل لعله أصبح من الاعتيادي أن تتلوث أرواحنا -كما أبصارنا- بتلك المشاهد الدموية التي يحرص أبطالها على توثيقها مع الكثير من الفخر السادي..و لكن ما بتُّ أجده غير مألوفٍ حالياً هو أن يتساءل أي شخص من أين أتى هؤلاء الذين يتفاخرون بذبح الآخرين!!..ذلك التساؤل الذي تختلط فيه الدهشة بالاستنكار مع كثيرٍ من النسيان بأن هؤلاء هم نتاج ثقافة الإقصاء التي انتهجها أغلب المسلمون تجاه الآخرين منذ قرونٍ مضت..فتلك الثقافة الإقصائية ليست بالطفرة "الفكرية" التي ظهرت فجأة في المجتمعات الإسلامية.

و لكن فلنترك تلك المشاهد الدموية المعاصرة لبعض الوقت و لنمتطي آلة الزمن لنبحث عن أجداد "هؤلاء" لنتمكن من التعرف على المنبع الذي حصلوا منه على خلفيتهم الدينية تلك و التي منحتهم ذلك الإيمان المرعب بأنهم يمتلكون أفضلية إنسانية دون الآخرين..نعم فلنتوقف بآلتنا هنا بالضبط..إنه العام 627 م العام الذي حدثت فيه أول مجزرة جماعية تجاه اليهود..الأسباب المُعلنة لهذه المجزرة كانت أن يهود بني قريظة قاموا بنقض اتفاقهم مع الرسول الكريم و التآمر على خيانته و هو واقع مع المسلمين تحت الحصار الذي فرضته عليهم قبيلة قريش..نعم أتفق تماماً مع الذين يؤمنون أن القتل أحياناً قد يكون ضرورة و في أوقات الحروب من الصعب أن تجد من يحمل ذلك الكم الهائل من التسامح الروحي تجاه الخونة.

و لكن و بالرغم من عدم رغبتي في التعاطف مع من يرتكب الخيانة في أوقات الحروب إلا أني أجد أن الآية الكريمة "وَ لَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخرى" لا تكف عن الوثب أمام عقلي لتصيبني بالحيرة!!..فكيف تم قتل ما يُقارب الـ 900 شخص بسبب خيانة خطط لها البعض منهم!!..و ما ذنب الأطفال و النساء ليتم ترحيلهم من حياة الحرية إلى حياة العبودية و التي يبررها أغلب المسلمين بقولهم أنها كانت عقوبة "أهون" عليهم من القتل!!..و ما ذنبنا نحن كأجيال تم تلقينها تلك الوحشية بل و إجبارها على الإيمان بأنها كانت من المفاهيم العبقرية التي أنتجها لنا دين الرحمة!!.

من المدهش أيضاً أنك ستجد بعضاً من علماء المسلمين يردون على من يستنكر بشاعة تلك المجزرة بأن في كتب اليهود و النصارى التاريخية أو حتى الدينية ذكر لحوادث مماثلة قام اليهود -كما النصارى- فيها بالتنكيل بأعدائهم بطريقةٍ وحشية..هكذا نجد أن المسلم يمتلك طريقةً غريبة في تبرير جرائمه تلك الطريقة تدور حول مفهوم "الآخرون أيضاً كانوا مجرمين" أي أنه يتعامل مع الخطايا ليس من منطلق تجنبها بل من منطلق وقوعها من الجميع فلماذا نلومه هو دون سواه عليها حتى و لو كان قد تمادى قليلاً في ارتكابها!!..و لكنك بالطبع لو فكرت في الحديث معه عن الأفضلية الدينية بينه و بين الآخرين ستجده يتشدق بامتلاكه لها بكل ثقة!!.

و لكني -و لأمنح نفسي بعض المصداقية التي أتوق إليها- بحثت عن أصل رواية "شرعنَّة" قتل الآخرين تلك و وجدت أنه من جهةٍ أخرى كان هناك عدة علماء مسلمين نفوا وقوع تلك المجزرة بتلك الكيفية لعدم توافق مساحة المكان الذي ذُكر أنه تم فيه قتل ذلك العدد الكبير مع مساحة المكان الذي ذُكر أنه تم تخصيصه لدفنهم..الروايات التاريخية مُتضاربة حول تلك المجزرة و قد تكون تلك الروايات حقيقة و قد لا تكون كذلك..و لكن المدافعين عن مصداقيتها لا يكترثون لأمر المصداقية كثيراً بقدر اكتراثهم لوجود نهجٍ ديني -و لو وهمي- يستندون عليه مبررين عندما يُقدمون على قتل الآخرين..فهكذا ستشعر ضمائرهم بالراحة لإيمانهم أنهم حينها يتبعون خطوات رسولهم لا الشيطان.

ترغب بمثالٍ آخر على وجود الوحشية في التراث الإسلامي؟؟..حسناً أحدهم كان يتحدث أمامي فخوراً عن أن قطع اليد ما هو إلا حدٌ شرعي سيجعل معدلات السرقة تنخفض بشكلٍ كبير في المجتمعات الإسلامية التي ستقوم بتطبيقه..لم أحدثه عن الدول الإسكندنافية التي تنخفض فيها معدلات الجريمة بشكلٍ مرعب و تنعدم السرقة فيها دون يدٍ تُبتر لأني شعرت حينها بعبثية الحوار معه..و لكني لاحظت أنه كان يتحدث بحماسٍ عن قطع الأيدي متناسياً في ذات الوقت أني بقطع يد أي إنسان -خاصةً يده اليُمنى- فأنا أحكم على حياته في العالم العربي بالانتهاء..فإذا كانت الأرصفة تكتظ بالعاطلين عن العمل رغم امتلاكهم لجميع أطرافهم الأربعة فماذا سيكون مصير صاحب اليد الواحدة!!.

هناك أحاديث كثيرة تدور فكرة معظمها حول أن الرب لا يحب أن يقوم بإعلان خطايا عباده "المسلمين" على الملأ..و أن جميع خطاياهم في المساء لا يتم نشرها في جرائد اليوم التالي الصباحية..و لكن عند رؤية أي إنسان بيدٍ يُمنى مبتورة ستخمن الأغلبية أن سبب فقدانه لها هو السرقة مما سيمنحه وصمة عار لن تفارقه طالما أنه يعيش في هذه المجتمعات "الفاضلة" التي تمتهن رجم الآخرين و هم أحياء بسبب خطاياهم..هكذا سنجد أنه بسبب هذا الحد الوحشي تم فعلياً تحطيم إنسان بشكلٍ متقن و ربما للأبد..فبالإضافة إلى الإعاقة الجسدية فقد أصبحت لديه سمعة سيئة ستظل تلاحقه لتفسد عليه أي فرصة تلوح أمامه لتحسين حياته و لو قليلاً..فماذا نتوقع أنه سيصبح عليه بعد أن نُحدث له كل هذا الضرر الجسدي كما النفسي!!..هل نتوقع أن يصبح فجأة و بشكلٍ درامي فرداً فاعلاً في المجتمع!!.

التراث الإسلامي الذي يتم تلقينه لأطفالنا يمتلئ بالوحشية هذه مشكلة لا يمكن إنكار وجودها و لكن الكارثة أن هناك نوعٌ من الاستمتاع بتلك الوحشية لا يمكن أن تخطئه الروح..ذلك الاستمتاع يمكنك أن تشعر به في ثنايا كلمات تلك الكتب الدينية -كما التاريخية- عند حديثها عن تلك المجازر..ذلك الاستمتاع بالوحشية ستجد بذرته قد غُرست في أرواح أغلب المسلمين و يمكنك أن تلاحظ علامات وجود تلك البذرة من خلال أمورٍ صغيرة من حولنا كمسارعة المسلمين للاحتشاد لمتابعة جلد إنسانٍ آخر بمتعةٍ تظهر بوضوح في أعينهم كلما أصغوا إلى صرخات ألمه.

و بعد هذا التراث الديني المتخم بالوحشية و الذي نتقلب فيه ليل نهار ألم يحن الوقت لكي يتم تنقيح هذا التراث و لو "إنسانياً" على الأقل؟؟..لا أجرؤ على الحلم بأن هذا الأمر سيتحقق يوماً ما أو قريباً على الأقل..و من المضحك كيف أنه بعد كل حادثةٍ دموية يزفها إلينا الإعلام ما زال البعض يتساءل من أين أتى مُرتكبوها!!..أتعلمين لو صادفتِ من يسألكِ هذا السؤال لا تغضبي و أخبريه إنهم وُلِدوا من العدم!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق
عبد الله خلف ( 2015 / 1 / 11 - 23:26 )
مسألة بني قريظة :
جاء في (سفر التثنية) : (حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعها للصلح، فإن أجابتك و فتحت لك؛ فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير و يستعبد لك، و إن لم تسالمك؛ بل عملت معك حرباً فحاصرها، و إذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، و أما النساء و الأطفال و البهائم و كل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك، و تأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك) .

أقول : و هكذا تم الحكم على اليهود وفقًا للــ(عهد القديم) بقتل ذكور بني قريظة و بسبي نسائهم و أطفالهم و بمصادرة ممتلكاتهم, و مهما بدت هذه العقوبة قاسية، فقد كانت على درجة الضبط للعقوبة التي كان اليهود ينزلونها -تبعاً لتشريع كتابهم- بالمغلوبين من أعدائهم، فأي اعتراض على قسوة هذه العقوبة هو في الواقع انتقاد لا شعوري للــ(عهد القديم)، و تسليم بأن شريعة أكثر إنسانية يجب أن تحل محلها .

الخلاصة : سعد بن معاذ -رضي الله عنه- حكم على بني قريظة حسب قانونهم , و هذا قمت العدل , أي أن تحاكم إنسان وفق قانونه الذي أرتضاه .


2 - إلى عبد الله خلف
زين اليوسف ( 2015 / 1 / 12 - 02:39 )
بالفعل هو إنتقاد لا شعوري للعهد القديم و لكنه في ذات الوقت إنتقاد لا شعوري للدين الذي جعل معتنقيه لا يجدون أي حرج في النفس عند قتل 900 شخص حتى لو أخبرتهم بفعل ذلك الكتب السماوية كلها...

كما أخبرتك المسلم يعشق تبرير جرائمه من الكتب السماوية و من الأحداث التاريخية لأي أمة من الأمم..و تعليقك مثال واضح على ذلك الأمر فشكراً لك لتوضيح فكرتي...

اخر الافلام

.. احتفال الكاتدرائية المرقسية بعيد القيامة المجيد | السبت 4


.. قداس عيد القيامة المجيد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية برئا




.. نبض أوروبا: تساؤلات في ألمانيا بعد مظاهرة للمطالبة بالشريعة


.. البابا تواضروس الثاني : المسيح طلب المغفرة لمن آذوه




.. عظة قداسة البابا تواضروس الثاني في قداس عيد القيامة المجيد ب