الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


( داعش ..أسطورة الوهم والحتمية المرعبة )

أوس حسن

2015 / 1 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ربما لا نستطيع طرح أي موضوع حساس ومقدس،قبل أن نتيقن من أننا نملك مخيلة جريئة وصادمة في نفس الوقت. الخيال هو اعادة خلق وابتكار،وتكوين حقيقة مختلفة ومخالفة لكل القيم والنظم السائدة.
قبل فترة ليست بالقليلة طرح عليَّ أحد الأصدقاء مجموعة أسئلة أثارت لواعجي واستفزت مخيلتي الراكدة:-... هل خلقت داعش من الفراغ؟ ..
هل تجمهر أفرادها في أرضنا نتيجة العبث والصدفة الساذجة؟، هل كانت هذه العصابات من الشراذم وشذاذ الآفاق فعلا تعيش حالة من الوهم الجماعي،والعنف المشترك؟.هل فعلا كانوا يظنون انهم يقاتلون من أجل ثوابت إنسانية،وأنهم أرباب لحقيقة كانت تستحق الدماء فعلا ؟
هل هم أناس طيبون مثلنا يبكون ويتألمون ..ويحلمون ؟
كل هذه الأسئلة اخذتني بعيدا معها في رحلة طويلة جدا كان لا بد لي أن أبحر فيها ،وأن أعود سالما ً معافى من ازدواجية الذات وشيزوفرينيا الحقيقة .
لا يخفى على المتأمل الحاذق والعميق أن داعش عبارة عن مركب هجين، أو إفعوان مرعب خلقته موروثاتنا،وطرائق تفكيرنا المليئة بالوهم وهستيريا العقل. ثقافة العنف والموت هي الثقافة التي تربينا عليها مذ كنا أطفالا ، وكانت عقولنا غيمة نقية بيضاء .
في الزمن الذي كنا فيه أطفالا صغار نلهو مع الريح والأناشيد الخضراء، في الزمن الذي كنا نغفو فيه على حكايا الجدات ورائحة الكستناء المحمصة على المدفأة في ليالي الشتاء
كانوا يكلموننا بكل جدية وصرامة ،يبرمجون عقولنا كما شاؤوا،وكما شاءت أعرافهم وتقاليدهم وعقدهم الموروثة . كانوا يحدثوننا عن الكفار، و بلاد الكفر، وعن الجهاد في سبيل الله،وإن الكافر يجب أن يقتل حتى لو كان في أقصى الأرض،وإن الدين عند الله هو الإسلام،وإن الجنة وفردوس الرب الموعود هي للمسلمين فقط .نمت شجرة الكراهية بداخلنا وأثمرت لكنها مع مرور السنين تيبست،وانطمرت تحت طين اللاشعور الخطير.
كبرنا وأصبحنا يساريين وتقدميين، لكن العنف وسياسة الغاء الآخر بقيت ملازمة لنا تظهر بين الفينة والأخرى بشكل مشوه قبيح ،تتجلى في مظاهراتنا التي تؤيد بعض الفصائل المسلحة،وهي تقتل أناسا ً عزلا ً أبرياء، في تأييدنا لزعيم عربي وهو يضرب قرية بالأسلحة الكيميائية ويبيدها عن بكرة أبيها بشيوخها ونسائها وأطفالها،لا لشي؛إلا لأنهم لا ينتمون لعقيدتنا وملتنا ومتهمون على الدوام في العمالة للأجنبي،وفي تأييدنا لزعيم عربي آخر،يرسل جماعة ارهابية تفخخ طائرة مدنية أجنبية وتقتل كل من فيها.
كنا يساريين نعم،لكن في نفس الوقت كانت جلودنا ترتدي قساوة الصحراء ودم القبيلة.
كنا يساريين نعم لكن كنا قطاع طرق وعصابات تسطو على قوافل الغرباء
كنا يساريين نعم،درسنا في بلاد الكفر وكنا حملة شهادات علمية ننادي بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة،وفي نفس الوقت نؤيد قتل من يخالفنا،ويمس مقداستنا ومورثاتنا
كنا يساريين نشرب الخمر في بلاد الكفر ونمارس الجنس مع عشر نساء شهريا،لكن عندما نعود إلى بلادنا نرفس نساءنا ونركلهن ونمارس شتى أنواع العنف الجسدي واللفظي والنفسي تجاههن،نعلم أولادنا على الطاعة وحب العشيرة والاعتزاز بالنسب. ونخرج في صباح اليوم التالي ننادي بالديمقراطية وحقوق الإنسان وثورة المظلوم على الظالم.
الحرية الحقيقية هي التي كانت تخيفنا وتقض مضاجعنا وتلوي آذان ضمائرنا الراكدة والمتعفنة.
خوفنا من الماضي ومن المستقبل ، خوفنا من التاريخ والحداثة ،كانت من أكثر المخاوف التي تؤرقنا وتزيل ضباب الوهم عن المشهد المؤلم والبائس الذي يتكرر كل يوم وكل لحظة.

"المسار التاريخي وحتميته في الواقع الراهن"
كان نبي الإسلام محمد في جزيرة العرب،كغيره من الأنبياء والرسل يملك من القيم الروحية والتأملية أكثر ما يملك من العقيدة .
إن المتأمل الحقيقي في عمق التاريخ ذي البعد الإنساني الشامل،سيعرف كم تعرضت سيرة محمد بن عبدالله لتزوير وتشويه وتحريف على مدى 1400 سنة،وإن كثيرا من سيرة هذا الرجل تم طمس ملامحها إلى حد كبير يصعب معه التمييز بين فكره التنويري العقلاني وبين نهجه الثوري المسلح الذي اتخذه فيما بعد.
ومن هذا المنطلق كانت الرسالة المحمدية في الجزيرة العربية،هدفها الإنسان ومشاكله على الأرض
كان محمد ثائرا ومتمردا ضد السلطة والطبقية في المجتمع المكي،نصيرا للعبيد والمظلومين والمستضعفين. من هنا بدأ وهج رسالته بالاتساع ،وبدأ الحلم يحلق بجناحين ذهبيين على جزيرة العرب.
إن ما جاء به محمد من فكر ثوري متمرد على الأعراف السائدة والقوانين في مكة خاصة، والجزيرة العربية عامة، جعل من هذه القبائل المتناحرة والمتنازعة ذات كيان يحددها موقعها الجغرافي، ويلبي غرائزها في الغزو والقتال وحب التملك. لم يكن في بادىء الأمر أنصار لمحمد سوى المسحوقين والعبيد في المجتمع المكي،والذين حرمتهم مكانتهم الاجتماعية من التمتع بحريتهم في الحياة.فجاء الإسلام يعبر عن حقيقة الجوهر الإنساني،وعن تشظيات الأحلام الثورية في نفوس التوحيديين قبل مجيء الرسالة المحمدية .
ولأن العداءكان مستحكم بين بني أمية وبني هاشم قبل الإسلام. رأى رجال السياسة والسلطان في قريش أن ظهور نبي من بني هاشم يهدد مصالحهم الإقتصادية والسياسية،ويؤلب عليهم عبيدهم ومواليهم،ويفرق بين ابناء العائلة الواحدة؛ أمر جلل وعظيم يجب التخلص منه قبل أن يستفحل ويقضي عليهم،فحورب محمد وأنصاره ولقوا أشد أنواع التعذيب والتنكيل على يد جبابرة وطغاة مكة،فقرروا الهجرة إلى المدينة ليصبح الإسلام أول دين يتحول إلى حركة ثورية مسلحة ذات بعد انساني وفكري بمفهومها الحالي. وسنرى كيف أن آل البيت وأنصارهم من الثوار حذوا حذو النبي في التمرد على السلطة الظالمة،وتحطيم الموروثات السائدة،مضحين بأجسادهم وأهلهم وأموالهم من أجل بقاء هذا الفكر الثوري خالدا مضيئا ً على مر الأزمان والأجيال وعلى رأسهم الحسين وأصحابه وأهل بيته.
لكن في نفس الوقت لا يجب إعادة استحضار الحادثة الحسينية بمفهومها الديني والميثولوجي المدجج بالخرافات والأوهام،بل يجب اعادة خلقها من جديد تحت وهج الحداثة بدلالتها الإنسانية،وتأويلاتها الثورية المتعددة على صعيد الفكر والوعي.
ربما لا يقتنع عاقل أن للاسلام بعد آخر راسخ في قيمه ومنظومته الفكرية،هو البعد الثوري الذي ألهم الإنسانية وفتح لها آفاقا ً حالمة. لم يكن الإسلام سلطويا،ولم يدع لسلطة أو جاه أو منصب. وخير دليل على هذا هو فتح مكة وعودة الغريب إلى أرضه وأهله،فعفا محمد عن جلاديه وعن قاتليه،وأبقى السيادة لصاحبها مع كامل أملاكه وأمواله، لكن النفوس لم تهدأ وبقيت الأحقاد مطمورة في دواخل النفوس،وخصوصا من كان له قتلى في بدر.معركة بدر تلك المعركة التي تعتبر فاصلا بين زمنين وبداية لأحقاد وكوارث واغتيالات ما زلنا نعاني منها في وقتنا الحاضر. لم يكن الأنصار وأهل مكة على توافق تام فكانوا دائما في نزاع فكري ومنافسة خفية،وضغائن مكبوتة كانت تتجلى بين حين وآخر في مكة .
ولعل النبي لو عمر بعد فتح مكة زمنا ً طويلاً لاستطاع أن يمحو تلك الضغائن،وأن يوجه نفوس العرب وجهة أخرى.
توفي الرسول بعد قتح مكة بقليل،دون أن يرسم معالم سياسية واضحة للأمة التي جمعها،لأن الرسول في الأصل كان معلماً وملهماً،فعادت الضغائن للظهور وبدأت الأحقاد تنفث سمها وزعافها في جسد هذه الأمة، من هذه الثغرة الخطيرة استطاع أبو سفيان وأولاده الدخول وتسيد قمة هرم الإسلام السياسي، للإنتقام من محمد ورسالته ومحو اسمه من سجل القديسين والأحرار.
تعتبر مؤامرة سقيفة بني ساعدة من المخاوف التي تهدد الهوية التاريخيةالإسلامية،فهي تطرح اشكالية المسكوت عنه في التاريخ،والمتجاوز عنه من قبل وعاظ السلاطين،وتطرح معضلة كبرى رافقتنا ردحا ً من الزمن،وهي السلطة التي تستمد شرعيتها وقداستها من الله،مهما كان نوع هذه السلطة وتوجهاتها ومسمياتها سواء كانت إسلامية أو يسارية أو علمانية أو قومية ......الخ.
يقول طه حسين في كتابه"في الشعر الجاهلي":-
(وفي الحق أن النبي لم يكد يدع هذه الدنيا،حتى اختلف المهاجرون من قريش والأنصار من الأوس والحزرج في الخلافة أين تكون...؟؟ ولمن تكون ....؟؟
وكاد الأمر يفسد بين الفريقين لولا بقية من دين وحزم نفر من قريش والقوة المادية،فما هي إلا أن أذعنت الأنصار وقبلوا أن تخرج منهم الإمارة إلى القريش ،وظهر أن الأمر قد استقر بين الفريقين،وأنهم أجمعوا على ذلك لا يخالفهم فيه أحد،إلا سعد بن عبادة الذي أبى أن يبايع أبا بكر،وأن يصلي صلاة المسلمين،وأن يحج حجهم،وظل يمثل المعارضة ..قوي الشكيمة،ماضي العزيمة حتى قتل غيلة في بعض أسفاره . )
تعتبر خلافة أبي بكر الصديق،التي كانت فوضى وفلتة حسب تعبير عمربن الخطاب (كانت بيعة ابي بكر فلتة وقى الله شرها) بداية حقيقية لارتباط الاسلام بالسياسة والملك والحكم وظهور حركات المعارضة والتمرد،دون أن يغيب عن أذهاننا أن أبا بكر كان قد صاحب الرسول أيام الكفاح وهو الآن رغم حكمه المشكوك في أمره،إلا أنه كان يهدف إلى توحيد كلمة العرب ورص الصفوف في دولة فتية خرجت من البداوة لتسود العالم فيما بعد.
وسار الحال أيام خلافة عمربن الخطاب على نفس نهج أبي بكر،إلا أن عمر كان أكثر حزماً وصرامة فيما يخص أمور الرعية،وقيل أنه نهى عن رواية الشعر الذي تهاجى به الأنصار وقريش أيام النبي،وتقول بعض الروايات أن عمر مرّ ذات يوم،فإذا بحسان في نفر من المسلمين ينشدهم شعرا فأخذ بإذنه وقال:-أرغاء كرغاء البعير؟ فقال حسان :-إليك عني يا عمر فوالله لقد كنت أنشد في هذا المكان من هو خير منك فيرضى.
وكانت علاقة عمر بن الخطاب مع بعض الصحابة ليست حسنة وطيبة الذكر،وخصوصا أولئك المستضعفين الذين لم يملكوا سلطانا وعشيرة قوية ،وقوة مادية تثبت أركانهم في الأرض،وهم نفسهم كانوا قد تعرضوا لعذاب شديد وتهجير وتحقير من قبل سادة قريش،كعمار بن ياسر ..وآخرين ومن غير قريش مثل أبي ذر الغفاري .....
وعمر بن الخطاب قرشيا،تكره عصبيته أن تزدرى قريش وتنكر ما أصابها من هزيمة ومنكر، لكنه كان سياسيا بارعا حاول ضبط أمور الرعية ووفق نوعا ما إلى مراده.
أما في في خلافة عثمان ومرورا بمعاوية بن ابي سفيان ويزيد،فقد تحققت الفكرة السياسية الخالصة لأبي سفيان،وأصبح أولاد وأحفاد سادة قريش في الجاهلية هم سادة الإسلام،ومن هنا بدأ العمل السياسي الحقيقي في الإنتقام والتخريب ،ووتزوير كلام الرسول لصالح السياسة والكرسي ،وعندما لم ينجحوا في قتل محمد أيام الإسلام ولا الثأر منه لأشياخ بدر،قتلوا أولاده وأحفاده وآل بيته في مجزرة بشعة يندى لها جبين العالم وتخر لها الأرض حزنا وكمدا .
وتتالت بعدها التشويهات والتحريفات ووظف الدين خالصا لخدمة العشيرة والكرسي،وفي الخفاء وفي جلسات اللهو والسمر في البلاط الأموي،كان الشعراء والقصاصون يجتهدون في إثبات ما كان لبني أمية من مجد مؤثل في الجاهلية،ويلقون أشعار الهجاء ضد النبي والأنصار.
* * * *
هكذا استطاعت أن تلعب المخابرات العالمية على الوتر التاريخي،وتخلخل بنيتنا الثقافية الهشة
من خلال دراسات عميقة ومعمقة،وتحليلات نفسية لشخصية المثقف العربي،ومورثاته المستترة في اللاوعي. فكانت داعش مخلوقا مرعبا ينمو ويكبر رويدا ..رويدا من هذه الأفكار الضاربة في عفن تاريخنا المؤطر بالدماء والعنف.
كل حر فينا كان متهما ومدان،فكان ظهور التيارات العقلانية والتنويرية عاملا مضادا في وجه السلطة.هذه السلطة التي كانت منذ نشوئها وارتباطها بالدين كعامل مساعد لفرض القوة تقف في وجه مسيرتنا الديمقراطية،وذلك بفرضها نهجاً معرفيا قائماً على الطاعة العمياء للزعيم باحترام الدين. فعندما تكون أغلب منابع المعرفة،هي الصورة الإعلامية المتداولة كل يوم والمتضمنة البرامج الدينية بزعيقها ونعيقها ووجها الدموي،فاعلم أن اللعبة لعبت بطريقة صحيحة وذكية،وبعيدة المدى.
داعش هي حتمية لمخاوفنا من اشكالية المسكوت عنه في تاريخنا،لم نستطع يوماً أن نواجه الخوف الذي كبر فينا يوما بعد يوم،حتى أصبح وحشاً كاسرا مبرمجا تسيره القوى العظمة، لتنفينا خارج الجغرافية وتستعمرنا بزمن ورقي فرض علينا فرضا ولا نستطيع الفكاك منه.
وبالعودة إلى يساريتنا الهشة،وعلمانيتنا،التي نلمع بها وجوهنا،ونصفف بهاشعرنا،عندما نخرج لمقاهي الأدباء والمثقفين، ونطرحها في المزاد؛لاستعراض عضلاتنا المعرفية،وفي نفس الوقت نتبادل الشتائم والأحذية مع الذين يخالفوننا فكريا وعقائديا؛سنرى أن الشخصية البدوية الصحراوية بتمظهراتها المزينة بالأوهام والأساطير والأصنام،باقية فينا .. باقية وتتمدد يوما ً بعد يوم.
وأثناء استغراقي في تأملاتي،فوجئت بصديقي وهو يهزني من كتفي،بعد أن ناداني عدة مرات دون أسمعه،لكنني قد قلت لكم قبل أن أتحدث عن اليساريين،أنني كنت في رحلة طويلة جدا، وها قد عدت من الرحلة. ترى هل عدت سالما ً معافى من الازداوجية ؟ هل سمع الأصم كلامي ونطق الأخرس؟ هل وجد الأعمى وهجه المفقود؟ هل عدت أحمل السراج من هذا النفق الطويل المظلم ؟ ............هل عدت ؟؟ ........وهل كنت هناك حقا ؟؟؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب