الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مَبدأُ العَطالةَ والسِّياسَات الدِّينية بالمغرب نموذجا!

أسامة مساوي

2015 / 1 / 15
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أخذت وقتا ليس بالقليل في قراءة القرآن قبل أيام,ولا أخفيكم أني وجدته طافحا وممتلئا عن آخره بآيات تحرض على تقتيل الكافرين والمشركين والنصارى واليهود باسم الجهاد في سبيل الله..

-’’ فاضربوا فوق الأعناق واضربوا كل بنان’’..
-’’يا أيها النبيء حَرِّض المومنين’’..
-’’ياأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم, تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون’’..

لقد لا حظتُ أنه تكاد لا تخلو سورة من سور القرآن من آيات ’’الجهاد في سبيل الله’’ معتبرة الجهاد فريضة من الفرائض ترقى لفرائض الصيام وتطبيق الحدود :

-’’كُتِب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم’’!

بل هناك آيات من القرآن تعتبر ’’التحالف’’ مع النصارى واليهود موجب لقتال المتحالفين معهم بحجة الرِّدة :

-يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ ’’مِنْهُمْ’’!

و’’مِنْهُمْ’’ هنا تعني عند المفسرين المتقديم : أنه يحيق بمن تحالف معهم واتخذهم أولياء نفس ما يحيق بالنصارى واليهود..أي قتالهم..والتشريد والإثخان فيهم والغلضة عليهم!

طيب سيقول قائل أن لهذه الآيات سياقاتها الخاصة,ولا يجب أن تؤخذ هذا الأخذ السطحي المبتور,وهو قول صحيح مبدئيا..!

لكن سؤالي لهؤلاء لماذا تعملون بهذا المبدأ في هذا الموطن,وتغيبونه حينما يتعلق الأمر بالإجتهاد في ’’قضية الإرث’’..التي قال فيها القرآن : ’’للذكر مثل حظ الأنثيين’’..فهذا الحكم أيضا له سياقات ارتبطت بطبيعة الإقتصاد القرشي حينها.

فما سر تَعَلُّقكم بالتفسير الأحادي لهذا الحُكم دون استحضار السياق في قضية ’’تقسيم الإرث’’ وهرعكم للإرتماء في أحضان السياق حينما يتعلق الأمر ب’’القتال’’؟

أم أن الإرث مال وهو ’’زينة الحياة الدنيا’’ والقتال ’’كره لكم’’..ما يجعلكم تنتفضون في وجه النساء المغلوب على أمرهن,حينما يقول السياق أنه يمكن أن يكون للمرأة مثل حظ الرجل,بعد أن خرجت لسوق الشغل وأضحت منتجة كما الرجل؟

أيجري المبدأ القائل بأن ’’القرآن صالح لكل زمان ومكان’’ فقط على آيات دون أخرى؟ حلال عليكم أن تسحبوه على ما تشاؤون من الآيات وحرام على من سواكم؟

لماذا لا تنادون بحد قطع يد السارق ’’وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ’’ وحدود القصاص في القتلى ’’ ياأيها الذين آمنوا كُتِب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى..ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون’’..لماذا لا تنادون بتطبيقها رغم أنه تمة نصوص ’’قطعية الدلالة والتبوت’’..؟ أم أنكم الآن ستعودون للسياق وطبيعة المجتمع وهلم جرا؟

لماذا تُلغون المبدأ القائل أن ’’القرآن صالح لكل زمان ومكان’’ في هذه المواطن,بينما تستميتون في الدفاع عنه حينما يتعلق الأمر بنقاش واقعي عقلاني حول ’’النظر في كيفية توزيع الميراث بالنظر للواقع المعاصر بعد خروج المرأة لسوق الشغل’’؟(وهو نقاش لا ينصب على القول بالمساواة في جميع الحالات,بل بالنظر لطبيعة الحالة..

ثم هاكم قضية أخرى..جاء في كتاب الله :

- ’’ياأيها الذين آمنوا كُتِبَ عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات’’..!

وجاء في آية أخرى :

-’’ياأيها الذين آمنوا كُتِبَ عليكم القصاص في القتلى’’...!

وجاء في آية أخرى :

-’’كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ’’...!

وستلاحظون هنا أن كل الآيات وردت بصيغة ’’كُتِبَ عَليكُم’’ وهي تعني ’’فُرِضَ عليكم’’..فمامعنى أن نعمل ’’بمبدإ العَطاَلة’’ في آيات و’’مبدإ الحركة’’ في آيات أخرى؟ ولماذا يتبخر فجأة المبدأ القائل أن ’’القرآن صالح لكل زمان ومكان’’؟ أو لماذا يتم استدعاء هذا المبدأ فقط حينما يُفتح نقاش حول ’’الإرث’’؟ أليس الأجدر أن تظلوا دائما أوفياء له منسجمين مع أصوليتكم؟ لماذا تعطلون العمل بآيات صريحية وقطعية الدلالة والتبوت كما تقلون؟ تعطلونها في أمور وتتشبتون بها في أخرى؟

أليست نفس الشروط التي جعلتكم تبرِّرون ’’تعطيل’’ هذه الآيات وتعتبرون -الأمر من المُسَلَّمات-هي نفسها التي تحكم الإقتصاد والميراث؟ أم أن الألفة والعادة تحل محل التفكير والعقل عندكم؟ ما الفرق بين ’’تعطيل’’ آية في ’’الجهاد’’ أو ’’القصاص’’ وتعطيل آية في ’’الميراث’’ أو بالأحرى ’’تطوير فهمنا لها وفق شروط العصر’’؟ لماذا تجعلون الأمر ’’إثما وساء سبيلا’’؟أم أن عقلية المجتمع الذكوري تحل محل النصوص المقدسة عندكم..فيصبح فهمكم الذكوري للنص القرآني هو المقدس؟

في التاريخ الإسلامي شواهد كثيرة على فتح باب الإجتهاد الذي أغلقتموه حينما لم يرقكم وفتحتموه حينما ساير مصالحكم...

ولعل هذه الشيزفرينيا المكشوفة,هذا التخبط البادي الذي لا يرعوي,هو السبب المباشر وراء إنجرار شبابنا لأحضان الفكر المتشدد,لأنه وبكل موضوعية ’’فكر’’ إن جاز التعبير عنه بكلمة فكر,منسجم مع ذاته طرد عنه ’’الإجتهاد’’ مطلقا,وأعطى أولوية بل أسبقية مطلقة للنص على الواقع,معتبرا أنه لا اجتهاد مع وجود النص.

لذلك فالقول بأن ’’القرآن صالح لكل زمان ومكان’’ تعني بشكل مباشر أن الواقع هو من يجب أن يوافق النص ويكيف معه وليس النص هو الذي يجب أن يفصل على مقاس الواقع,وتلكم إشكالية آخرى لا يتسع لها المقام في هذا المُقيل.


خلاصة :

على العموم ما أردت قوله بالمجمل هو أن افتقار دولنا ’’لسياسة دينية عقلانية’’ وتخبطها في براثين ضحالة ’’الفكر السلفي الهجين’’ ودفعها أحيانا بهؤلاء للواجهة وأحيانا بأولئك,وضرب هؤلاء بهؤلاء,لتمرير المرحلة,وممارسة الرقابة المطلقة على ’’الدين’’والإرتهان لتقارير المخابرات الغربية,وأسباب أخرى...هو ماسيجعل شبابها دائما بعيدين كل البعد عن الولاء للدولة قريبين كل القرب من ’’الجماعات التكفيرية’’ العابر فكرها للقرات,والذي بدأ يستقطب شبابا أوربيا وأمريكيا,بل من كل بقاع العالم,فالآلة القمعية وحدها لم تكن في يوم من الأيام قادرة على التطويع,وكل دولة لا تقدر على صنع إيديولوجية تضمن ولاء أفرادها هي لا محالة مهزوزة مهزومة كما قال عبد الله العروي في أيام عِزِّه.

فيكفي أن نعرف بأن أكثر من 1000 شاب من أصول ألمانية خاصة يقاتلون في سوريا إلى جانب ما سيمى ب ’’الدولة الإسلامية’’ وأكثر من 1400 فرنسي من أصول فرنسية,وفلبينيين,وشليين,وأرجونتينيين,وصينيين,ويبانيين,وروس,وكزاخ,وأفغان,وباكستانيين,وسويديين,وسويسريين...ناهيكم عن العرب من شتى الأوطان العربية,وأن بيانات هذا الكيان تصدر بأكثر من 23 لغة إعلاميا..يكفي أن نعرف هذا,لنعترف بضعف ’’السياسيات الدنية’’ بل فشلها الذريع في دول العالم العربي والإسلامي,ناهيكم عن العالم بأسره.

هذا الفشل أو هذا الفراغ المهول,الذي ملئ ب’’فيزازيات’’ و’’مغراويات’’ و ’’زمزميات’’ يدفع بهم دفعا لساحات الإعلام ومنابر البروباكاندا في نقاشات تسطيحية مائعة مثيرة لقضايا مصيرية,كل هذا لابد أن تكون له نتائج عكسية للأسف الشديد على بلادنا وعلى شبابنا خاصة-وكانت,فنحن 3 دولة مصدرة للجهاديين في العالم بأسره-زد على ذلكم النار التي كان الحسن الثاني قد فتحها على ’’الفلسفة وعلم الإجتماع والعلوم الإنسانية عامة’’ بحجة أنها تخصصات متمردة ثورية,لكن سنكتشف فيما بعد أن تمردها سيبدو ناعما وديعا,أمام تطرف والتطور النوعي للفكر السلفي الذي ثم استيراده من الشرق في أوخر السبعينات والثمانينان.

مادمنا نرهن ’’سياساتنا الدينية’’-أن وجدت أصلا- لأناس لا منهج ولا رؤى لهم,فلننتظر الأسوأ.

ففي المشرق فاتهم القطار-واللهم لا شماتة في أحد- ولكي لا نخطوا خطاهم يجب أن نفتح نقاشا وطنيا تعطى فيه الكلمة ’’لرجال العلوم الإنسانية’’ قبل ’’رجال الدين’’ وإلا ستظل دار لقمان على حالها,وآن ذاك لن ينفع البكاء على اللبن المسكوب!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تفاعل -الداخل الإسرائيلي- في أولى لحظات تنفيذ المقاومة ا


.. يهود يتبرأون من حرب الاحتلال على غزة ويدعمون المظاهرات في أم




.. لم تصمد طويلا.. بعد 6 أيام من ولادتها -صابرين الروح- تفارق ا


.. كل سنة وأقباط مصر بخير.. انتشار سعف النخيل في الإسكندرية است




.. الـLBCI ترافقكم في قداس أحد الشعانين لدى المسيحيين الذين يتب