الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في التربية على حقوق الإنسان

تفروت لحسن

2015 / 1 / 16
المجتمع المدني


في التربية على حقوق الإنسان

تـــفـــروت لـــحــســن

يلاحظ أن موضوع " حقوق الإنسان "، سواء كان هذا الإنسان مطلقا أو معينا كالطفل والمرأة...، كثر تناوله في السنوات الأخيرة، واستلزم توسيع تداوله، وتناول الجمهور له، ولوجه إلى مجال الشان العمومي، بعد أن كان تناوله محصورا في المجال الحقوقي أو كان عبارة عن مجال نظري لا ينبغي لغير أهل الفكر والفلسفة تداوله. ولما كان الحديث عنه، إلى وقت قريب، يدخل في المحرم تناوله، أي المسكوت عنه أو الطابو، ولما كان تناوله، في أحسن الحالات، يتم بأسلوب الاستعارة والمجاز خوفا من المراقبة والمعاقبة، فان موضوع حقوق الإنسان اصبح اليوم ملكا للجميع، بل وقاسما مشتركا بين الخاص والعام. ولقد أضحى تناول المفهوم يتم بالواضح والصريح من الخطاب. فما هي دلالات تحول " حقوق الإنسان " من الطابع الخصوصي إلى الشأن العمومي ؟
1- يحيل مفهوم " حقوق الإنسان " إلى الإنسان " كما يجب "، أو ما يجب أن يكون عليه الإنسان، وهذا الإنسان أسندت له عدة تعاريف، في منعطفات الفكر الإنساني، فأحيانا عرف الإنسان بماهيته، كينونته أو وجوده. وكل هذه التعاريف تفيد أن حقوق الإنسان تهدف إلى تحقيق كرامته وإنسانيته. هذه الإنسانية التي لا تتحقق إلا بإحكام العقل أو تعقل السلوك وعدل السياسة وإنصاف الحكام. وكل هذه المبادئ هي المؤسسة لما يسمى الإنسان الفاضل أو الكامل أو الإنسان الممكن.
2- يتناقض مفهوم " حقوق الإنسان " مع مظالم الإنسان أو الإنسان المقهور والإنسان القاهر، الذي يقهر بسلطته المستبدة وجهله وهيمنته. وتشهد المحن التي شهدها التاريخ على قهر الإنسان لأخيه الإنسان، إلى جانب قهر الطبيعة للإنسان.
داخل هذه الازدواجية المحكومة بعلاقة التناقض يتأسس مفهوم حقوق الإنسان بشكل يتراوح بين هم أو معيار الطموح، أي ما ينبغي أن يكون عليه الإنسان وبين واقع الإنسان. وهذا التناقض بين الواقع والإمكان، بين الطموح والواقع، وما صاحب ذلك من مظاهر الوعي الشقي، هو الذي ولد مجموعة من التشريعات المتعارف عليها ب " الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ". والدليل على ذلك ما تضمنته ديباجة هذا الإعلان، ومن ذلك :
" لما كان الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة قيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة يشكل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم، ولما كان تجاهل حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال أثارت بربريتها الضمير الإنساني...، فان الجمعية العامة تنشر على الملأ هذا الإعلان ".
والحق أن تأمل هذا الإعلان يفيد في استنباط بعض الأصول التي يتأسس عليها مفهوم " حقوق الإنسان "، ومن ذلك :
أ – الأصل المثالي : ومقتضاه أن الإعلان العالمي يوصف بكونه المثل الأعلى المشترك الذي ينبغي أن تبلغه كافة الشعوب وكافة الأمم.
ب – الأصل العالمي : فالإعلان يفيد معنى العولمة، بل إنه أول مدخل لها.
ج – كل الحقوق، في هذا الإعلان، متواضع بشأنها ومتفق على دلالتها ومتعارف عليها، " فالتقاء الجميع على فهم مشترك لهذه الحقوق والحريات أمر بالغ الضرورة ".
د – حقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها عالميا، واضحة بذاتها، غير قابلة للتأويل ولا لتعدد المعاني.
ه – الأصل الإلزامي : جميع الدول المصادقة على وثيقة الإعلان أو على ما يلزم عنه من فروع كحقوق الطفل أو مكافحة التعذيب... ملزمة بتفنيد مقتضيات هذا الإعلان، بل هي مجبرة على أن تكون قوانينها موافقة لبنود هذه الاتفاقيات.
و – الأصل التربوي : إن قيم حقوق الإنسان يتم بناؤها وترسيخها عبر التربية والتعليم ؛ فبواسطة التنشئة الاجتماعية تكتسب هذه الحقوق وتتطور.
ز – الأصل التكاملي : جميع حقوق الإنسان متكاملة ومتداخلة، بل ومتلازمة فيما بينها ؛ فالكرامة لا توجد إلا بالحرية، والحرية هي نبذ العبودية، ولا حق ولا كرامة بدون حياة، ولا حياة بدون صحة، ولا صحة بدون آمان ....
أما ترابط هذه الأصول فيولد الفرضيات التالية :
v تتصف حقوق الإنسان، باعتبارها شأنا عموميا، بعدة خصائص تجمع بين ما هو كوني وعالمي، وبين ما هو وطني أو محلي. فكونها شأنا عموميا عالميا يستدعي من الجمعية العامة أو من المنظمات الدولية، إصدار تقارير حول وضع هذه الحقوق في هذا البلد أو ذاك. بل إن خرق هذه الحقوق يستوجب أحيانا تدخل الأمم المتحدة بمبرر حماية هذه الحقوق، كما الحال في بعض دول إفريقيا...
v اعتبار حقوق الإنسان شأنا عموميا، وطنيا أو محليا، يجعلها هما مشتركا بين المسؤولية الرسمية للدولة، كاعتماد وزارة لحقوق الإنسان أو ما يقوم مقامها المجلس الوطني لحقوق الإنسان أو اللجان الجهوية، وبين المسؤولية المدنية : الجمعية، العصبة، المنظمة... وكل هذه المؤسسات، الحكومية أو المدنية، تتدخل في مجال حقوق الإنسان إحقاقا لها ومساندة للإنسان المظلوم.
ويمكن للمتتبع أن يلاحظ أن بعض الدول العربية بدأت، في السنوات الأخيرة، تخطو خطوات هامة في مجال حقوق الإنسان، سواء تعلق الأمر بالجانب التشريعي : دستوريا، قانونيا، الاتفاقيات الدولية...أو بالجانب المؤسساتي : المندوبية، المجلس الوطني، اللجان الجهوية...أو الجانب الإشعاعي : المنتدى العالمي لحقوق الإنسان، قانون الهجرة... أو الجانب التربوي : المدرسة الحاضنة والمواد الحاملة لحقوق الإنسان... فما هي وجوه التداخل بين حقوق الإنسان ؟
يبدو أن طرح هذا السؤال يعتبر من قبيل تحصيل الحاصل. إذ لما كانت الوظيفة المفترضة للتربية هي التنشئة الاجتماعية للفرد وجعله يندمج بشكل إيجابي في المجتمع، ولما كان هذا الاندماج لا يتحقق إلا بتكوين شخصية الفرد، معرفيا، وجدانيا، جسديا وسلوكيا، فإنه من الطبيعي أن تكون التربية هي إحدى المداخل الأساسية لترسيخ ثقافة حقوق الإنسان. فكيف يحدث هذا التداخل ؟
تقتضي مقاربة هذا السؤال استحضار واقعتين :
v الحق في التربية : منصوص عليه في المادتين 28 و 29 من اتفاقية حقوق الطفل. وبمقتضى هذا الحق يصير لزاما على الدولة أن توفر الشروط الضرورية لإقرار هذا الحق دون تمييز بين المدينة والقرية، ولا بين الغني والفقير ولا بين الذكر والأنثى.
v فلسفة التربية الحقوقية، وتشمل مستويات، منها :
- مستوى المتابعة النقدية والتقويمية لقضايا الحق في التربية ومدى تحققها ومناسبتها للحقوق كما هو متعارف عليها دوليا.
- مستوى التفكير حول التربية، حيث أن هذه الفلسفة تجعل من حقوق الإنساان مجالا للتأمل والتفكير، مثلا الحرية، العنف...
- مستوى جعل التربية خادمة لهذه الحقوق باعتباره المقصد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم 


.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال




.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني


.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط




.. خالد أبو بكر يرد على مقال بـ -فورين بوليسي-يتهم مصر بالتضييق