الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرية التعبير في ميزان العرب

بوشن فريد

2015 / 1 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حرية التعبير في ميزان العرب:
أكدت مجزرة صحيفة شارلي إيبدو الساخرة, التي راح ضحيتها عشرة صحفيين و شخصين من رجال الشرطة المكلفة بحماية مقر الجريدة بفرنسا, إثر تعرضها لهجوم إرهابي عنيف من طرف جماعة متطرفة, و للمرة المليون أن حرية التعبير و مفهوم الحريات في بلاد العرب المسلمة عامة و الجزائر خاصة, ليس إلا وهمين تتبناه معظم الدول العظمى, ربما لتغليط وعي و تقاليد الشعوب المتعطشة لتبني نفس طريقة و طبيعة تداول الحريات في بلاد الحريات, و أن الحرية تكفي للفرنسيين و تعادي العرب و المسلمين.
و لكن في الحقيقة, و كم الدفاع عن الحقيقة في زمننا هذا مكلفة و معذبة, يمكن استنتاج فكرة أخلاقية واحدة حول قضية اغتيال جمع من الصحافيين بسبب محاولة منهم التأكيد على ضرورة ممارسة الحرية المطلقة في بلدهم, الذي يعتمد بكل وضوح على نظام سياسي علماني أو لائكي" أي تم في فرنسا و بطريقة رسمية و منذ عقود طويلة فصل نفوذ سلطة الدين على سلطة العملية السياسية", و بالتالي ملف الحريات و قبول الرأي الآخر في فرنسا, ملف تم الفصل فيه و لا جدوى في العودة للنقاش حوله, ما دام الوعي الفكري لدى الفرنسيين قد اكتمل نصابه القانوني و الشعبي, و على هذا فقط يمكن القول و لو من خانة توضيح المشهد الكارثي الذي أصاب أسرة جريدة شارلي إيبدو, أن ما تم اغتياله هناك لم يكن مجرد صحفيين متحررين من عقد الطابوهات و المقدسات, و لكن تم اغتيال صوت استمرارية الحرية التي راح ضحيتها أجيال و أجيال, لذا فمن الخطأ تصوير معاناة الصحيفة الساخرة على أنها صحيفة عميلة للكيان الصهيوني أو متنكرة بالدفاع عن الحريات لتغطية شبح الإسلامافوبيا المنتشرة في هذه الآونة بشدة في أوساط المجتمعات الغربية.
إنه من المحزن رؤية جموع شعبية تتظاهر و تعلن و بقسوة في الخطاب عن رفضها التام و الكلي لكل أشكال العنصريات العقائدية, و في نفس الوقت تتبرأ من التطرف الفكري الذي تنجبه القناعات الخاطئة للديانات الربانية, و كما أن تنكر المسلمين لعذاب القضية الفلسطينية و إدارة ظهورهم لهمجية داعش و سلبيات الربيع العربي الذي يعري بالكامل وجه العرب و إخفاقهم المخزي في قلب فوائد التمرد بعد سقوط أنظمتها الديكتاتورية و جعلها تعرف مسار الديمقراطية و بناء خارطة طريق هادفة بعيدة كل البعد عن تسييس الدين, كل هذه المعطيات توحي بإصابة أهل الشرق بخلل في الفكر و ميلهم اللا محدود لصفة الغباء, فكيف لا نتهم العرب اليوم بالتطرف الإرهابي و كل القراءات تؤدي بهم للاتهام و التوريط المباشر....
أخلاقياً و إنسانياً, يعتبر القتل باسم أي مكون إيديولوجي جريمة إرهابية لا تمثل الوجه الفعلي للتعايش السلمي و التآزر الإنساني, و هذا مؤسف للغاية, و أن الإرهاب مهما كانت قامته الجغرافية و نفوذه السياسي و عدد المجندين فيه يعد في نظر الجميع باختلاف تشكيلاتهم السياسية و الدينية و العرقية و القومية مجرد طاعون عالمي لا لون له و لا نسب, لذا يجب إدانته بقوة و ردعه بشتى الطرق التي قد تساهم بإرجاع عذرية السلام العالمي و قيمة الديمقراطية التي نعتقد أنها الكفيلة و الوحيدة التي بإمكانها تغيير عقلية الخوف المسيطرة على ألبابنا و وجودنا في كل وقت.
و لكن التساؤل الذي لابد أن يُطرح بكل جرأة و تحدي: "لماذا نهمل الأساسيات و نعتني بالثناويات في حياتنا العقائدية؟, لماذا نحتج على رسوم تسيء للرسول و الأنبياء أجمعين و لا نغضب لأسباب تخلفنا و نزاعاتنا و انقساماتنا؟..
لماذا خرج الجزائريون بعد صلاة الجمعة للتظاهر و الاحتجاج نصرة في دينهم و رسولهم و لم يخرجوا بمثل هذه الجموع الكبيرة للوقوف صفا واحدا ضد طبيعة نظامهم الجهوي و المتآمر على شعبه؟
لماذا نستفيق فقط و تمتلئ البسالة الفكرية عقولنا كلما أساؤوا لديننا و نتساهل في حق التضييق على الحريات و تكميم الأفواه؟
و لماذا لم يعلن المسيحيون عن سخطهم وغضبهم لما قامت نفس الصحيفة بنشر رسوم تستهزئ بالمسيح كما فعل مسلمو فرنسا؟
إن حرية التعبير تمنح لكل منا الإفصاح عن قناعاته الذاتية بدون شروط و لا قيود, و قد يكون لنا الحق حتى في امتلاك حرية مطلقة تماماً, فلا يمكن بتاتاً أن نزعم أننا أحرار إذا لم نتحدى نواميس الطبيعة البشرية, و على الطرف الآخر الاستعداد لتناول أمر الحرية بكل احترام و إن لم يكن يشاطرها التعريف و الحدود.
فمن الخطأ أن نزعم أن حريتنا تنتهي عندما تبدأ حرية غيرنا, بالعكس حريتنا تنتهي عندما لا يحترمها غيرنا و حتى لو كانت نوعا ما قاسية و صعبة قبولها أحيانا.
لست بشارلي و لست مع شعار كلنا محمد, و لكن أنا مع الحرية و كلنا أحرار في إطار اللباقة الإنسانية, فأنا من المؤمنين أن مهما اختلفنا في تفضيل الأشياء و الأسماء, يمكن لنا أن نتعايش و نتأقلم سويا لخدمة الجامعة البشرية.
بقلم: بوشن فريد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah