الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب فيروس الإله [2] تأسيس

إبراهيم جركس

2015 / 1 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كتاب فيروس الدين [2]
----------------------
تتمّة الفصل الأول ((لماذا الدين يشبه مادّة الفيل الوراثية؟))
# نسخ المعلومات
((في مجال العلم، كثيراً ما يصدف أن يقول العلماء: "حسناً إنّها فكرة رائعة، لابدّ أنّني كنت مخطئاً". ثمّ يغيرون مواقفهم وآرائهم فعلياً، ولاتعود تسمع رأيهم القديم إطلاقاُ... هذا يحدث في كل يوم تقريباً، ولايسعني تذكّر آخر مرةٍ حدث أن قام بذلك أحدٌ من رجال الدين أو السياسة)) [كارل ساغان]
الفيل أكبر من البكتيريا بحوالي 1000.000.000.000.000.000مرة، أي (10)18 مرة، ومع ذلك تربط بينهما حقيقة مذهلة هي: كلا الفيلة والبكتيريا تمتلك مادة وراثية، والهجف أو الغاية القصوى للفيل أو البكتيريا هو نفسه: أن يصنعوا نسخاً أكثر من أنفسهم (مادتهم الوراثية). وهناك حقيقة أخرى أكثر إذهالاً وإدهاشاً وهي أنّ المادة الوراثية عبارة عن معلومات فقط. مع أنّ معلومات الـDNA مكتوبة على شكل سلسلة طويلة من القواعد الثنائية عبر خيط الدنا، إلا أنّها ليست أكثر من مجرّد مجموعة من المعلومات، مثل الكلمات في هذه الصفحة. ومن دون الشخص الذي يقرأ الكلمات من هذه الصفحة، فهي مجرّد مجموعة من الذرات. ومن دون الخلية الحية التي تترجم سلسلة الجينات في المادة الوراثية، ستبقى مجرّد عناصر كيميائية. الكلب لايمكنه التمييز بين هذه الصفحة الورقية وورق المرحاض، والحجر لايمكنه التمييز بين الدنا DNA وثنائي إيثيل أميد حمض الليسرجيك LSD. لكن بوجود شخص يقرأ هذه الصفحة، أو خلية تترجم المادة الوراثية، فالمعلومات تصبح مفتوحة.
والنكتة عبارة عن: معلومات، لكنّ النكت، ودنا البكتيريا، ودنا الفيل، جميعها تمتلك ميزة هامة أخرى تميّزها عن المعلومات العادية: المعلومات التي تحتويها تساعدها على صنع نسخ عن نفسها. وكل شيء آخر حول حياة هذه الأشياء الثلاثة يعتبر عَرَضياً وغير ضروري بالنسبة لصنع نسخ عن نفسها، وذلك لضمان أن تعيش مادّتها الوراثية وتستمرّ إلى الأبد وتزدهر.
مع أنّ النكت والفكاهات ضرورية من أجل استعراض أسس ومبادئ فكرة الميمات، لكن لاتنخدع ببساطتها. يمكن للميمات أن تكون غنية جداً، ومعقدة، ومتداخلة، ومستقلة داخلياً.
على الميم لكي ينتشر أن يمتلك جميع السمات والخصائص التي تحتاجها الأساطير الشعبية والمدنية:
• أن تكون قابلة للتصديق. لقد تمّت صياغتها بشكل محترف ومثالي لتكون شنيعة بعض الشيء، لكن ليس إلى حدٍ مبالغ فيه.
• أنّها تخصّ جميع الناس، فهم تهمّ كل إنسان تقريباً. وهي مرتبطة بأشياء جميعنا بحاجة لمعرفتها.
• إنّها مخيفة. جميعنا نحب إفزاع بعضنا البعض.
• من السهل جداً تمريرها ونشرها.

# ميم تحت أي مسمّى آخر
((إذا كانت الطبيعة قد نجحت في خلق أي شخص فهو فعل التفكير الذي نسمّيه عادة "فكرة Idea"، والتي يمكن لأي فرد أن يمتلكها حصرياً طالما أنّه يبقيها لنفسه، لكن في اللحظة التي يبوح فيها بها، فإنّها تفرض نفسها على عقول الجميع، ولا يبقى بمقدور المتلقّي تخليص نفسه منها. فذاك الذي يتلقّى فكرة مني، فإنّه يتلقّى تعليمات وأوامر مني من دون أن ينقصها، كذلك الذي يوجّه مصباحه نحو مصباحي، فإنّه يتلقّى ضوءاً من أجل النموّ الأخلاقي المتبادل بين بني البشر، وتحسين ظروفهم، هي فكرة مصمّمة من قبل الطبيعة بطريقة غريبة ولطيفة)) [توماس جيفرسون 1743-1826]
هذا اقتباس رائع من المتحدّث اللامع، والعالم والفيلسوف، توماس جيفرسون، لا يغلّف فكرة الميم، ويسبق دوكينز بأكثر من قرن ونصف من الزمن.
لقد عرفنا مسبقاً أنّ تعريف الميم meme بسيطٌ جداً: إنّه فكرة، مفهوم، رأي قابل لأن يُمَرّر من عقلٍ لآخر، وهذا ما يخلّف لديك الدافع بالرغبة بتمريره ونشره.
كُتّابٌ آخرون كُثُرٌ شغلوا كميات متفاوتة من الورق وطاقاتهم الفكرية محاولين تعريف هذا المصطلح، كل واحدٍ منهم له تعريف خاص به منحرف بعض الشيء عن الموضوع الأساسي. هل الميم فكرة لغوية فحسب؟ أم هو أغنية أو جزء منها، لوحة، أو فعل، نحت حجر السّجّ لصنع رأس رمح مدبّب؟ هل يظلّ الميم ميماً إذا تمّ تدوينه على ورق؟ أو في حاسوبك؟ ما الفرق بين الميم وتركيبة من الميمات memeplex؟ إذا كنا عاجزين عن تحديد المفهوم، كيف بإمكاننا دراسته إذن؟
إنّ التعريفات الحذرة والمحدّدة للمصطلحات ضرورية للغاية ضمن الدوائر المعرفية للمجالات الأكاديمية كالفلسفة، علم الاجتماع، ونظرية المعلومات، لكن هذا الكتاب هو كتاب عامي، ولا يحمل أي صبغة أكاديمية صارمة وجامدة. برأيي، إنّ الميم هو أي جزء من معلومات التي يمكن تمريرها ونقلها من عقلٍ إلى آخر، وعن طريق أي آلية ممكنة. إذا قمت بتعليم صديقي مصافحة سرية معينة، وكان صديقي يعتقد أنّها جميلة ومسلية، ثمّ تعلّمها وعلّمها لغيره، عندها يمكن القول عن هذه المصافحة أنّها قد أصبحت ميماً. النقطة الأساسية والمحورية هي على الشكل التالي: الجينات والميمات كلاهما معلومات ذاتية التناسخ والتكاثر. قد يتكاثران بطريقة مختلفة عن بعضهما، الأولى عن طريق العمليات البيوكيميائية، والثانية عن طريق التواصل والاحتكاك بين شخص وآخر، لكنهما في جوهرهما مجرّد معلومات. والأهم من ذلك هو أنّ نفس المعلومات التي تحتويها كل من الجينات والميمات تشكّل القوة والطاقة الدافعة لتكاثرها وانقاسمها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول موظفة يهودية معيّنة سياسيا من قبل بايدن تستقيل احتجاجا ع


.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على




.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah