الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ازمة الابداع في الفكر العربي هل هي ازمة عقل ام ازمة ثقافة ؟

فهد احمد ابو شمعه

2015 / 1 / 18
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تعريف الابداع :
الابداع في معاجم اللغة : ابداع الشيء اي اختراعه او انشاؤه على غير مثال سابق
اما اصطلاحا فللابداع تعريفات عديدة يصعب حصرها ومن الصعب اعتماد تعريف واحد متفق عليه بين الباحثين والمفكرين فيمكن تعريف الابداع على انه انتاج كل ماهو جديد ومتميز ونادر من الافكار والاعمال , او هو انتاج ماهو مختلف ومتميز عما سبقه ,كما يمكن القول ان الابداع هو رؤية جديدة لفكرة قديمة او لظاهرة ما او لقيمة ما , او هو ذلك العمل او ذلك الفهم الذي يخترق ويتجاوز نمطا سابقا او قالبا سابقا .
ولنأخذ بعضا من التعريفات التي اوردها بعض الفلاسفة والمفكرين والعلماء :
ومن أشهر تلك التعريفات تعريف العالم النفسي الامريكي جيلفورد الذي عرف الابداع على انه : (عملية تشبه البحث العلمي، وتساعد الفرد على الإحساس والوعي بالمشكلة، ومواطن الضعف والثغرات، والبحث عن الحلول، والتنبؤ ووضع الفرضيات، واختبار صحتها وإجراء تعديل على النتائج؛ حتى يتم الوصول إلى سلوك الإنتاج الإبداعي ) .
وعرف ابن سينا الابداع بقوله : ((الإبداع هو أن يكون من الشيء وجود لغيره متعلق به فقط دون متوسط من مادة أو آلة أو زمان، وما يتقدمه عدم زمانا لم يستغن عن متوسط. ثم الإبداع أعلى رتبة من التكوين والإحداث، فإن التكوين هو أن يكون من الشيء وجود مادي والإحداث : أن يكون من الشيء وجود زماني، وكل واحد منهما يقابل الإبداع من وجه. والإبداع أقدم منها لأن المادة لا يمكن أن تحصل بالتكوين، والزمان لا يمكن أن يحصل بالإحداث لامتناع كونهما مسبوقين بمادة أخرى وزمان آخر. فإذاً التكوين والإحداث مترتبان على الإبداع )) واعجبني تعريف طريف للعالم الامريكي أدوين لاند حيث يقول : ان الابداع هو الانقطاع المفاجئ عن الغباء .
اما افلاطون فيرى ان الابداع هو طاقة روحانية سماها الالهام وان الابداع لايوجد بمعزل عنها , بعكس ارسطو الذي يرى ان عمليات الابداع تحدث بشكل تلقائي او بالصدفة وتكون خاضعة لقوانين الطبيعة , اما جالتون فيرى ان للابداع علاقة بالاستعداد الوراثي .
وبالعودة الى التساؤل الذي ورد في عنوان المقالة وهو : ازمة الابداع العربي هل هي ازمة عقل ام ازمة ثقافة ؟ في الواقع انه يصعب التفريق بين العقل - الفكر- والثقافه فكلاهما نتاج للآخر فنحن حين نفكر انما نفكر من خلال ثقافتنا وبواسطتها وبخصوصيتها بمعنى اننا نفكر من خلال اسس مرجعية تستمد احداثياتها من حدود ومكونات تلك الثقافة .. فاذا اردنا مثلا وصف وتقييم ومعرفة العقل - اي عقل - ونحن هنا بصدد العقل العربي فان ذلك لايتم على اكمل وجه الا من خلال الغوص في اعماق الثقافة التي شكلها وتشكل بها , ولا شك ان العقل العربي مريض ومغيب , والعقل يمرض ويتخلف من خلال ثقافته ونمط تفكيره , ومشكلة العقل العربي انه قابع في ثقافة ماضاوية تعمل باستمرار على جعل العقل يمارس مهمة واحدة فقط هي اعادة انتاج الماضي .
فمشكلة ذلك العقل انه مقيد بمعايير جامدة , وتتحدد قيمة الاشياء والمعطيات الجديدة بالنسبة له بمدى مطابقتها مع معاييره المحنطة تلك , والتي يعتمدها كمرجعية غير قابلة للنقاش , ومهملا النظرة التحليلية والموضوعية المستقلة التي تبحث في جوهر ومكنون المعطيات والاشياء الجديدة بدل اختزال قيمتها في مدى مطابقتها لقيم ومعايير بالية وهشة سر بقائها في حصانتها من الخضوع للنقد
والعقل العربي مبتلى بثقافة فرضها على نفسه بنصوص جاهزة وغير قابلة للتحليل او التفكير فيها عوضا عن نقدها , فرسخ لديه الاستعداد للتلقى واقتصر نشاطه على الحفظ والاستيعاب وماتت فيه الروح النقدية وهو يراوح مكانه عاجزا عن اي تقدم او استشراف للمستقبل وبوصلته مصابة بخلل يجعلها لا تشير الا الى الماضي ,فاصبح حاضره ماضيا وماضيه حاضرا بالتكريس والاجترار . وعندما اتحدث عن النصوص فلست بالضرورة اعني بالخصوص تلك التي تصنف على انها مقدسة , بل اعني كل منتجات الفكر العربي الماضوي التي شكلت ثقافة الانسان العربي .
في تعريفه الشهير للثقافة يقول اينشتاين (( الثقافة هي كل مايبقى بعد ان تنسى كل شيء وكل ماتعلمتة في المدرسة)) واذن فالثقافة هي البصمة الباقية التي يصعب تغييرها فضلا عن ازالتها والعلاقة بين العقل والثقافة التي ينتمي اليها هي علاقة لا شعورية تقبع في اللاشعور ويكون من الصعوبة بمكان زحزحتها او تفكيكها او احلال غيرها مكانها ولفعل ذلك يحتاج الامر الى عمل خارق ومضني وتضحيات كبرى لا يقوم بها الا مثقفون طليعيون ثوريون .
المتتبع اليوم للخطاب الثقافي العربي يلاحظ بوضوح انقسامه بين خطاب سلفي مغرق في الماضي ومحكوم بنماذجه , ويتعاطي مع الامور الميتافيزيقية على انها واقع ومسلمات يبني عليها خطابه الثقافي وعبثا يحاول طوال الوقت عقلنة ذلك الخطاب لتسويقه , ويأبى الانفتاح على اي افكار جديدة وهو بالتالي عاجز عن اي ابداع فكري جديد يتماشى مع واقع العصر . وخطاب ليبرالي مغرق في الحلم وغير مدرك لواقعه ويريد القفز على التاريخ بتبني الفكر الغربي بقيمه ومبادئه الجاهزة دون الاخذ بعين الاعتبار طبيعة الثقافة المختلفة التي انتجت ذلك الفكر والمراحل التاريخية التي مر بها ذلك الفكر للوصول الى ماهو عليه الان , فكلاهما السلفي والليبرالي يطرح خطابا انفعاليا لايمت للواقع بصلة وبالتالي فكلاهما يخفق في انتاج اي قكر ابداعي جديد ومستقل , ذلك ان الاول يعيش في الماضي والثاني يعيش في المستقبل , فاصبحنا بلا حاضر , ومن لا حاضر له فلا وجود له .
انتج هذا الوضع حالة من الركود في الابداع الفكري العربي هي اشبه بالموت التام الامر الذي انعكس بشكل كارثي على مصير الامة , ففي المئة عام الاخيرة - على الاقل - لم يسجل العرب اي اختراق يستحق الذكر في اي قضية من قضاياهم الفكرية او السياسية او الاجتماعية - مع استثناءات فردية مؤقته ولاتكاد تذكر في مجالات ثانوية - ومما يبعث على اليأس التام هو ان واقع الحال يشير الى ان الامور تسير من فشل الى فشل في مختلف مشاريع التنمية العربية .
نحن بحاجة ماسة وملحة لاطلاق ابداعنا الفكري المستقل باي شكل وباي طريقة لنؤسس لنهضة حقيقية قبل فوات الاوان فالوضع المتردي يزداد تفاقما يوما بعد يوم والهوة تتسع بشكل مخيف بيننا وبين الامم الاخرى وبشكل يتهددنا بالانقراض التام ,ولا سبيل الى جسر تلك الهوة الا باطلاق الابداع وتحريره من كافة المعيقات .
فاما الابداع فالنهضة واما السقوط فالتلاشي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تأخذ استراحة بشكل صحيح؟ | صحتك بين يديك


.. صياد بيدين عاريتين يواجه تمساحا طليقا.. شاهد لمن كانت الغلبة




.. أمام منزلها وداخل سيارتها.. مسلح يقتل بلوغر عراقية ويسرق هات


.. وقفة أمام جامعة لويولا بمدينة شيكاغو الأمريكية دعما لغزة ورف




.. طلاب جامعة تافتس في ولاية ماساتشوستس الأمريكية ينظمون مسيرة