الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-داعش- و - إسرائيل- !

عزالدّين بوغانمي

2015 / 1 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كلّ يوم تعيش الأمّة العربيّة حلقة من فيلم الرّعب المستمرّ: إعدامات بالجملة، ذبح، قطع أطراف، رمي شباب من أعلى القمم ... جرائم سوداء تُرتكبُ باسم الرّب، وباسم تطبيق حدودهِ.

البشريّة عبر ترحالِها في الزّمن العقلي تطوّرت. ومنظومة العقوبات تطوّرت، فانتقلت من منطق الثّأر والشّماتة إلى منطق إصلاح المجتمع.
في فرنسا بعض المجرمين يقضّون عقوبة السّجن، مربوطن في منازلهم لأنّهم أصحاب مِهن ووظائف. فيُسمح للسّجين بالشّغل بشكل عادي، على ألّا يبرح بيته خارج أوقات العمل. إذ يوضع له جهاز رقابة في منزله مرتبط بمركز الشرطة، وبقرص مشفّر مربوط بسلك خاص في رجله. بحيث لا يخسر شغله، ولا تضيع عائلته، ولا يخسر المجتمع مجهوده. ولكن في نفس الوقت يُحْرم من الحياة العاديّ، تبعًا للعقوبة المسلّطة عليه.

ملخص الموقف أنّ قطع رأس إنسان، أو قطع يده، أو جلْده على مرمى نظر العامّة، أو رجمهِ بالحجر حتى الموت، أو رميه من أعلى مكان مغمض العينين ... صحيح هي عقوبات وردت في القرآن، ضمن شروطها التّاريخيّة الخاصّة والمحدّدة. ولكنّ الله أعطى القرآن للمسلمين، وأعطاهم عقولًا تتطوّر، ودعاهم لطلب العلم وفكّ رموز الكون. وهذا يعني تطوير الحياة ومواكبة تطوّرها، بما في ذلك تطوّر منظومة العقوبات. ونحن نعرفُ أنّ الأغلبية السّاحقة في هذه الأمة الحزينة ستقول: "هذا كلام ضد الاسلام" !
ومع ذلك نقول صراحة أنّنا ضد هذه الأساليب التّعاليم التي وردت في زمن التوحّش والقسوة، إذ كان الرّدْعُ بهذه الطّرق المُرعبة، مناسبًا لثقافة تلك العهود الغابرة. وهذا ما يزيدنا قناعة في أنّ الإسلام دين تاريخيّ، وليس جملة من الأساطير والخرافات، كما ادّعى الصّليبيون سابِقًا، وكما يدّعي الإسلام السّياسيّ اليوم. نحن ضدّ مآسي التّشبّث بأبشع مظاهر توحّش البشر، وضدّ مأساة تشويه الإسلام وإعدام نص القرآن بجعله ميّتًا ثابتًا عاجزًا على التّجدّدِ وفق تجدّد الحياة وتبدّل أحوال الأزمنة. والإسلام الحنيف النّظيف المتسامح، الذي هو مكوّن أساسيّ لهويّتنا ولأرواحنا، ليس ملكًا لأيّ شخص، حتّى يفسّر نصوصه على هواه، ويُكفّر بقية الخلق. و لا علاقة لنا بهذا الإسلام المجرم الذبّاح. وإذا لزِمَ الأمر، سنكتفي بحبّ الله الجميل كما نفهمه، كي لا نموت مُجرِمين.

إنّ المشروع الاستعماري له أجنحة متنوّعة. الكيان الصّهيوني لوحدِه عجز على السّيطرة على المنطقة بحكم رفض الشّعوب العربيّة الانخراط في التطبيع. وبِحكم الصُّمود الأسطوري للشعب الفلسطيني الذي أوقف المشروع الاستعماري في نسخته الصهيونيّة بالدم والتضحيات ومنع تمدّده.
كان لابدّ للامبرياليّة أن تخترق الرّفض العربي بإنشاء كيان استعماري في نسخة إسلاميّة. في البدء كان ببعث "المُجاهدين العرب" في أفغانستان الذي فرّخ حركة طالبان، غير أنّ حركة طالبان ارتكزت على هويّتها الوطنيّة المحدودة في الجغرافيا. فصُنِع تنظيم القاعدة العابر للهوّيّات والذي تمكّن من تقديم المساعدة الجبّارة للدّول الاستعماريّة في احتلالها لمنابع النّفط واستنزاف المنطقة استنزافًا كارثيًّا.
تنظيم القاعدة أدّى دوره كامِلًا، لكنّه عجز على تكوين دولة تُعاضد دولة "إسرائيل". ولكنّ التّنظيم تطوّر مع أبي بكر البغدادي ليعلن دولة "داعش" التي هي كيان يقوده مجموعة من الغرباء القادمين من كلّ بقاع العالم، والمدعومين بأموال لا تُحْصَى ولا تُعَدْ، وبأسلحة أمريكيّة متطوّرة، استولوا عليها في غاراتهم على الجيش العراقي.
جماعات المرتزقة التّكفيريّة هذه، مصمّمة على إنشاء دولة دينيّة غريبة على العصر، في أرض العرب، تمامًا كما تمّ إنشاء دولة إسرائيل الدّينيّة.

من الثّابت أنّ الغرب قرأ تاريخ المسلمين جيّدًا. ويتذكّر كيف فشل الغرب الصّليبي في طردهم من الأندلس. ولمّا اقتتل المسلمون فيما بينهم، تمّ طردهم بكلّ سهولة بعد ثمانية قرون من التّعمير. ولذلك فقصّة دولة "داعش" التي ما انفكّت تستقطب عشرا الآلاف من الشّباب العربي، جاءت ردًّا على أكبر هبَّة وطنيّة شهدتها الأمّة العربيّة منذ مئة سنة. جاءت ردًّا على الثّورة لإفساد نتائجها، وتخريبها، عبر تفتيت الجماهير، ومنع التفاف الكتلة التّاريخيّة التي أسقطت الأنظمة حول مشروع وطني ديمقراطي، يؤسّسُ الدّيمقراطيّة الاجتماعيّة، ويُكمِلُ الاستقلال الوطني. ويبني مسارًا وحدويًّا عربيًّا ديمقراطيًّا يحلُّ قضيّتنا القوميّة ويُنهي حالات الاحتلال المتبقّية من العهد الاستعماري..
لا يوجد فرق من حيث الدّور والوظيفة بين دولة "داعش" ودولة إسرائيل. ولا يوجد أيّ فرق بين المرتزقة والجواسيس وبين الأحزاب الإسلامية، بما في ذلك تلك التي تتظاهر بالدّيمقراطيّة. حتّى أنّ جماعة الإخوان المصريّة وأوخياتها في المنطقة تختلف عن داعش وتنظيم القاعدة، كما يختلف حزب العمل الإسرائيلي على حزب الليكود أو كاديما.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف صعد الآشوريون سلّم الحضارة ؟


.. أبو بكر البغدادي: كواليس لقاء بي بي سي مع أرملة تنظيم الدول




.. 164-Ali-Imran


.. 166-Ali-Imran




.. 170-Ali-Imran