الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ الإلحاد: مدخل للدراسة و التحليل -1

ابراهيم القبطي

2005 / 9 / 11
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


حركات الإلحاد قديمة قدم البشرية نفسها ، فعلى الرغم من أن الكثير يعتقدون أن الإيمان بوجود عالم الروح و ما فوق الطبيعي هو صفة إنسانية تغوص في القدم إلى المجتمعات البشرية البدائية و يعتقدون أن الإلحاد من علامات العصر الحديث ، إلا أن هذا المفهوم خاطئ تماما ، ففي نفس الوقت الذي كانت فيه البشرية تحاول أن تستعيد العلاقة المفقودة مع الله ، وضل البعض في فهم قوي الطبيعة بإحيائها و اسقاط الصفات البشرية الطبيعية و الفوق طبيعية عليها و نصبوها آلهه ، وحاول آخرون اشباع المطلق و المثالي بالبحث عن الإله في صفات مجردة ، كانت هناك حركات شبه متمردة ، تعلن العصيان على قوي الآلهة و تتحدها.
لعل أول هذه الحركات المسجلة تاريخيا للإلحاد كانت في الهند بالتقريب 1000 قبل الميلاد (ق.م.)، حيث كانت أول علامات الشك في النص المكتوب "Rig-Veda": "من يعلم عن يقين؟ من يعلنها هنا؟ متى ولد و متى تكون هذا الخلق؟ الآلهة خلقت بعد ميلاد هذا الكون. إذن من يستطيع أن يعلم من أين نشأ الكون؟ لا أحد يعلم كيف تكون الخلق و لا هل هو(الإله الأعظم) من صنع العالم أم لا . هو من يفحص الكون من السموات العليا ، هو من يعلم ، أو ربما هو لا يعلم." ومن هذه الخطوات الأولى في الشك بدأ الإلحاد في الظهور.
و بعد ما يقرب من 500 عام أخري ( 500 ق.م.) ظهرت البوذية ، و التي استوحت أفكارها من ال” Rig-Veda" حيث حاول بوذا (563-483 ق.م.) أن ينقل الفكر من التركيز على الآلهه ، و التي كان عددها قد جاوز الآلاف في الهندوسية، إلى التركيز على المعاناه الإنسانية و الخلاص منها ، فأرجع السبب إلى المعاناه إلى تعلق البشر و رغباتهم ، و هي التي تخلق الألم عند عدم تحقق الرغبات ، و للتخلص من المعاناه و الألم ، ينبغي التخلص من الرغبة ، و الهروب من عجلة القدر الثمانية ، و بالتالي الوصول إلى النرفانا ، أو اللاتعلق ، أو اللارغبة. و فيها يتوحد الإنسان بالكون و يذوب فيه. و لا يخفى أن ذكر الآلهة لم يدخل ضمن البوذية على الإطلاق ، وإنما هي فلسفة بشرية بحته ، وعندما سئل بوذا عن وجود الله لم يجب، فالبوذية لا تختص بالآلهة بل بالمعانة البشرية و بالتالي لا تحمل أي اجابة عن الله ، و هذا ما يصنف في العصر الحديث باللامعرفة أو اللاأدرية "agnosticism" ، و الموت في البوذية ما هو إلا عنصر في العجلة الثمانية ، و كلما يترقي الإنسان في طريق النرفانا عندما يموت يولد من جديد في جسد مختلف أرقى ، إلى أن يصل إلى النرفانا فيتخلص من العجلة و إعادة التجسد كلية و يبقى روحا علوية.
وفي نفس العصر تقريبا كانت الفلسفة اليونانية تصول في القارة الأوروبية، ففي حوالي عام 420 ق.م. ظهرت النزعة المادية في اليونان، و بدأ مبدأ الذرات كعنصر أوحد و أساسي للكون في الظهور على يد ديموقريطس "Democritus" ، و الذي دفع بنظريته بعيدا ، إلى حد أنه ألغى وجود الآلهة في عالم مادي بحت ، ويقال أيضا أنه من المؤسسين لعلوم الفلسفة و الرياضيات و نظرية المعرفة.
و بحلول القرن الرابع قبل الميلاد (341-270 ق.م.) ظهر في اليونان أبيقور "Epicurus" و الذي يعتبر و بحق أول فيلسوف ملحد ظاهر ، و هو الذي أنشأ و لأول مرة "مجادلة الشر":
"هل الله يريد أن يمنع الشر و لكنه لا يستطيع؟ إذن فهو ليس كلي القدرة.
هل هو قادر على منع الشر و لكنه لا يريد ؟ إذن فهو خبيث و شرير النزعة.
هل هو قادر و يريد منع الشر؟ إذن من أين أتى الشر؟
هل هو غير قادر و لا يريد منع الشر؟ إذن لماذا نطلق عليه إله؟"
و هذا مما قاده بعد ذلك إلى تبني إلهين ، أحدهما للخير و الآخر للشر ، و يقال أنه لم يؤمن في حياة بعد الموت. و ربما كان هذا بداية الحركة الفكرية التي قادت ذرادشت في فارس إلى الخروج بديانة الصراع بين إلهين إله الخير "أهور-مزدا" و إله الشر "أهرمن".
و نستطيع أن نقول أنه في أوائل ظهور المسيحية ، بدأت النزعات الإلحادية و التعددية (تعدد الآلهة) إلى الاختباء لفترة من الزمن ، و لعل الصراعات الدينية بين الطوائف المسيحية ، ثم ظهور الإسلام كلاعب على المسرح العالمي و غزوه لمناطق الحضارات القديمة و احتلاله الكامل لفارس و شمال أفريقيا و العراق و الشام و تهديده المستمر للأمبراطورية الرومانية الشرقية في القسطنطينية لم يدع أي مساحة من التطور الفكري أو الجدل . فالإلحاد بلا شك هو فكر من أفكار الأقليات ، و الأقليات لا تزدهر في عصور الحروب و القلاقل بل تختبئ.
ثم ظهرت الحروب الصليبية من أوائل القرن ال11 ، و استمرت حوالي القرنين من الزمان في محاولة المسيحية الغربية أسترداد الأراضى المسيحية المقدسة التي أخذها الإسلام قبل ثلاثة قرون من الزمان. وهو نفس العصر الذي بدأ فيه الإلحاد أن يظهر في داخل الحضارة الإسلامية في بغداد بعيدا عن منطقة الصراع الإسلامي الصليبي على حدود الشام ، و بدأت الثقافات التي غزاها الإسلام تؤثر في تطوره الفكري......يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكوين- بمواجهة اتهام -الإلحاد والفوضى- في مصر.. فما هو مركز


.. الباحثة في الحضارة الإسلامية سعاد التميمي: بعض النصوص الفقهي




.. الرجال هم من صنع الحروب


.. مختلف عليه| النسويّة الإسلامية والمسيحية




.. كلمة أخيرة - أسامة الجندي وكيل وزارة الأوقاف: نعيش عصرا ذهبي