الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الإلحاد مسؤول عن الجرائم والوحشيّة والإرهاب؟

مالك بارودي

2015 / 1 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل الإلحاد مسؤول عن الجرائم والوحشيّة والإرهاب؟

كثيرا ما إعترضني قرّاء يعارضون كلامي عن جرائم الأديان وخاصّة الإرهاب الإسلامي بقولهم أنّ دينهم بريء من الجرائم وأنّ كلّ ما حدث لا يمثّل الدّين ولكن يمثّل الأشخاص الذين قاموا به والذين فهموا الدّين بطريقة خاطئة أو "تأوّلوا فأخطأوا"، إلخ... ثمّ يقفزون إلى خطاب آخر أصبح معتادا ومستهلكا جدّا قائلين: أنظر ما فعله الملحدون من جرائم، أنظر ما فعله هتلر وموسوليني وبول بوت وستالين وغيرهم. الإلحاد هو أصل الإجرام.
في البداية، يجب أن نتّفق على أنّ أيّ نقاش حول ما إذا كان إعتقاد معيّن قد يسبّب بعض المآسي في الماضي أو المستقبل يجب أن يستند على صلات منطقيّة بين تعاليم الإعتقاد والأفعال النّاتجة عن معتنقيه. يمكنك أن تصرخ كلّ يوم وتقول بأنّ هتلر كان كاثوليكيّا وأنّ ستالين كان ملحدا، ولكن هذا لا يهمّ. هذه مغالطة معروفة تسمّى "التّكافؤ الكاذب". هذه المغالطة، بكلّ بساطة، تقول بأنّه لأنّ هناك سمة مشتركة بين شيئين إثنين، لذا فهما متشابهان. مثلا: هتلر نباتي وقتل الملايين، ألبرت أينشتاين نباتيّ أيضا، إذن لا بدّ أنّ أينشتاين هو أيضا كان قاتلا. من الواضح مدى سخافة هذا المنطق. منطقيّا، يجب على المرء إيجاد إتّصال مباشر بين النّباتيّة وبين القتل ليكون لكلامه قيمة ومعنى، وإلاّ فسيبقى كلامه مجرّد تخاريف وهلوسات لا أساس لها من الصّحّة.
وبالمثل، عندما يقول أحدهم بأنّ ستالين وبول بوت ملحدان، وأنت أيضا ملحد، إذن فأنت أيضا ستفعل أشياء غير أخلاقيّة، مثل التي فعلها هؤلاء. نفس سخافة حجّة النّباتيّة نجدها هنا. لذلك، حتّى تثبت أنّ الإلحاد فعلا يقود إلى الفجور والقتل في المقام الأوّل، فحجّتك لا قيمة لها وتبقى مجرّد عبث وشحن عاطفي.
في الحقيقة، ليس هناك علاقة بين الفجور والقتل وبين الإلحاد. فالملحد سيقول لك: أنا لا أؤمن بوجود أيّ إله ولا أصدّق خرافة الحياة بعد الموت، وعليه، فإنّي أريد أن أعيش حياتي في سعادة وأن أجعل العالم سعيدا وأخلاقيّا قدر المستطاع لأنّي لن أعيش إلاّ مرّة واحدة.
من ناحية أخرى، فإنّ العلاقة بين العديد من النّصوص الدّينيّة والأعمال غير الأخلاقيّة واضحة وسهلة الإثبات. معظم الأديان الكبرى لديها نصوص تشير إلى علويّة المؤمنين على غير المؤمنين أو تحتوي على أوامر للمؤمنين بقهر وإضطهاد غير المؤمنين. الإلحاد لا توجد لديه مثل هذه النّصوص والعناصر، لأنّه ليس دينا يجب على من يؤمن به تطبيق تعاليمه المقدّسة بحذافيرها وليس مذهبا لهُ قائدٌ سطّر خطوطه العريضة والرّقيقة وأتباعٌ مريدون ملتزمون بما سطّره قائدهم وقدوتهم. لذلك، عندما تفكّر في المرّة القادمة في رمي هذه التّهمة على الإلحاد فكّر مليّا في شيئين إثنين: أوّلا، إيجاد رابط منطقي واضح ومدعّم بأدلّة بين الإيديولوجيا والفعل، ثانيا، خطورة رمي الحجارة على غيرك بينما أنت نفسك تسكن في بيت من زجاج.
في الواقع، هذا الإتّهام لغير المؤمنين هو إتّهام جاهل بطبيعة الطّرح. في النّهاية، المتديّن يشعر بالإستفزاز من قول الملحد بأنّ العنف مولود من الدّين وبأنّه فقط من خلال الدّين يمكن تبرير العنف. لذلك يلتجئ المتديّن إلى القول بأنّ هتلر أعظم ملحد في العالم (رغم أنّه مسيحي كاثوليكي وتمّ دعمه من الكنيسة على طول الطّريق، كما كانت له علاقة مع المفتي العام للقدس أمين الحسيني)، ولأنّه لا يؤمن بخرافة الآلهة، فهذا هو تفسير المجازر التي وقعت. وكأنّه يقول، بدون أن يشعر، بأنّ الإلحاد ليس أقلّ فسادا من أيّ دين آخر.
بطبيعة الحال، كلّ هذه الحجج التي يحاولون تقديمها عن جرائم الإلحاد زائفة ولا أساس لها من الصّحّة ولا تستند لأدلّة واضحة يمكن فحصها والتّأكّد منها، فالإلحاد ليس إلاّ عدم الإيمان أو عدم الإعتقاد بوجود آلهة وعدم تصديق خرافات الأديان. لذلك من السّهل أن تجد ملحدا شيوعيّا أو ديمقراطيّا أو أرستقراطيّا.
لذا، عزيزي المؤمن، لا يجب أن تشكّ ولو للحظة واحدة في أنّ الشّموليّة والعقائد الدّينيّة الرّاسخة والمصالح الشّخصيّة هي الأسباب الموضوعيّة التي أدّت إلى ما حدث في القرن العشرين أو في القرون الأخرى من جرائم ومجازر وليس الإلحاد.

----------------------
الهوامش:
1.. للإطلاع على بقية مقالات الكاتب على مدوّناته:
http://utopia-666.over-blog.com
http://ahewar1.blogspot.com
http://ahewar2.blogspot.com
http://ahewar4.blogspot.com
http://ahewar5.blogspot.com
2.. لتحميل نسخة من كتاب مالك بارودي "خرافات إسلامية":
http://www.4shared.com/office/fvyAVlu1ba/__online.html








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هل هذا إلحاد أم إيمان ؟؟
john habil ( 2015 / 1 / 25 - 20:17 )
يقول الأستاذ مالك بارودي
في البداية، يجب أن نتّفق على أنّ أيّ نقاش حول ما إذا كان إعتقاد معيّن قد يسبّب بعض المآسي في الماضي أو المستقبل يجب أن يستند على صلات منطقيّة بين تعاليم الإعتقاد والأفعال النّاتجة عن معتنقيه

مثال للتعزيز:
في احدى القرى السورية من محافظة الحسكة وفي مطلع الأربعينات
تراهن أحد الشباب مع مجموعة من كبارالسن من رجال القرية ،على أنه يستطيبع أن يدقُ وتداً إلى جانب رأس الشيخ المتوفي منذأيام ،مفابل 5 ليرات وذهب الشاب للتنفيذ ولكنه لم يعود
خرج الجميع بالمصابيح وبصحبتهم معلم القرية ليجدوا الشاب جثة هامدة الى جانب قبر الشيخ وكان الوتد قد اخترق كلابية الشاب (( دشداشتة)) ولم يعد باستطاعته الحراك
وبرٌرالأستاذ خوف الشاب وموته للخرافات والأساطير الدينية المتعلقة (( ب الثعبان الأقرع )) وعذاب القبر وخرافات أخرى سيطرت على دماغ الشاب ومن هلعه دق الوتد في الأرض مع جلابيته وهكذا عُلق، فظن أن الشيخ الميت يمنعه و يجره .. فمات خوفاً ورهبة
فكيف لو تكون هذه أوامر ونواهي من النص المقدس... قتل وسبي واغتصاب وسلب أموال

اخر الافلام

.. 158-An-Nisa


.. 160-An-Nisa




.. التركمان والمسيحيون يقررون خوض الانتخابات المرتقبة في إقليم


.. د. حامد عبد الصمد: الإلحاد جزء من منظومة التنوير والشكّ محرك




.. المجتمع اليهودي.. سلاح بيد -سوناك- لدعمه بالانتخابات البريطا