الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المؤسسة التعليمية... الحق في التعليم و المعرفة

عبد الوهاب عتى

2015 / 1 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تعتبر المدرسة الأساس الأول لخلق الدولة الحضارية. هكذا، فهي المؤسسة الأولى التي تسهر على تكوين مواطنين أحرار قادرين على التفكير و الإنتاج، و تعزيز قيم الديموقراطية و ثقافة المساواة الحقيقية بين الأفراد قصد تسهيل ثقافة التعايش و الإحترام في المجتمع. و لتحقيق مجتمع متقدم و حضاري يجب على الدولة تطوير منظومتها التعليمية و التسيير المحكم للمدرسة التي تعتبر بمثابة فضاء للتنشئة الإجتماعية و تكوين أجيال قادرة على الأخذ بزمام سيرورة المجتمع و تقدمه.
إن المؤسسات التعليمية هي بمثابة مركز ثقل إنتاج النقاشات الفكرية، مما يجعلها مركز الصراع الدائم الذي تعيشه كل بلدان العالم بين التيار العلماني و التيار الديني. فكلا التيارين يولون إهتمام كبير للتعليم .الأول، هو المنادي بمبدأ الفصل بين الدين و الدولة و بالتالي حيادية الدين الذي يعتبر مسألة ذات طابع شخصي عن المدرسة بإعتبارها ملك عمومي، و الثاني، هو الذي يؤكد على وجوبية التعليم الديني للأطفال قصد السيطرة على هذا الفضاء الخصب لتمرير خطاباته المبنية عن الأحادية و الإنحيازية لدين معين. و بالتالي فإن الخوض في مسألة كيفية إخراج المادة الدينية من المدرسة العمومية في مجتمعاتنا التي تعتمد الدين منبعا لكل تشريعاتها السياسية، الإجتماعية و الإقتصادية هو بمثابة معركة الحسم المستقبلية.

إن إلغاء مادة التربية الدينية من المدرسة العمومية يستمد شرعيته من كل المواثيق الدولية التي تتبنى حق الأطفال في المعرفة، الوعي و التكوين الحر الذي يسمح لهم بإكتساب معرفة ثقافية و علمية من كل الإديولوجيات و المعتقدات الدينية التي تمكنهم في الأخير من تنمية رصيد معرفي ضروري للتعايش في مجتمع تعددي. غير أنه، من الواجب على الدولة حماية هذا الحق، و كذا تطوير المعرفة العلمية و تعزيز ثقافة الإحترام و التسامح بين مختلف الأقليات الدينية و الثقافية دون إنحياز حتى يتمكنوا من الإستمتاع بممارسة شعائرهم الدينية بلا قيود غير تلك المنصوص عليها قانونيا. و ذلك بتفعيل سياسة وطنية للتعليم تجعل التعليم بمثابة حق دستوري يستفيد منه كل المواطنين و المواطنات دون إستثناء.
إن حيادية المدرسة تعني حيادية القوى السياسية العمومية و عدم وقوفها إلى جانب عقيدة أو آخرى بالتعليم العمومي، و ليس من الضرورة أن يكون التعليم بمثابة جهاز لتمرير أو فرض دين أو إديلوجية دينية معينة على التلاميذ. الدكتور عبد الصمد الديالمي في مداخلته تحت عنوان "حرية العقيدة"، التي ألقاها يوم 24 نوفمبر 2014، في المنتدى العالمي لحقوق الإنسان بمراكش، يؤكد على أن الأغلبية السكانية (مهما كان عددها) المعتنقة لدين معين أو ذات إديولوجية معينة لا يمكن لها السيطرة على المدرسة العمومية التي هي ملك لكل المواطنين. فمن غير المقبول أن يكون المعلم و المربي في مدرسة عمومية بمثابة المشكل و المحدد لعقلية الطفل، حيث يكون هذا الآخير من صنع الأول و طبقا لما يتوخاه منه.

إن إخراج العنصر الديني من المنظومة التعليمية هو عمل لا يندرج في مجال الحد من الحريات الفردية، بقدر ما هي وسيلة للحفاظ على أمن و سلامة المجتمع، و تعزيز الحق في التفكير و الوعي للطفل. هذا المشروع بالرغم من صعوبته يجب أن يتم بطريقة تدريجية كما هو الشأن بالعديد من الدول المتقدمة (إسبانيا خلال الجمهورية الثانية إبان ثلاثنيات القرن الماضي و إنجلترا، على سبيل المثال). ففي المقام الأول، يجب صياغة ميثاق وطني شامل لإصلاح المنظومة التعليمية بمشاركة كافة القوى السياسية. في المرحلة الثانية، يتم صياغة قانون إلغاء إجبارية المادة الدينية من المناهج التعليمية في التعليم الإبتدائي، و جعلها مادة إختيارية لا يمتحن عليها. في المرحلة الثالثة، يتم إلغاء هذه المادة من المدرسة العمومية، مع الإبقاء على تدريس مختلف الثقافات الدينية بشكل علمي دون تحيز يذكر، و آخذا بعين الإعتبار حيادية المدرسة في علاقتها مع الدين. الشئ الذي سيمكننا من كسب معركة المدرسة العلمانية التي تنبني أساسا على تجريد المدرسة من الإنتماءات الدينية، بغية تحقيق مبدأ حرية العقيدة و المساواة في المجال المعرفي بين الأطفال دون اللجوء إلى الإنتماء العقائدي أو الإديولوجي، و كذا زرع مبدأ الفكر التنويري و التقدمي في المجتمع. غير أن إخراج المادة الدينية من المناهج التعليمية العمومية يقابله السماح لكل المذاهب و الطوائف الدينية بشرح و تدريس دينها وفق منظورها الفلسفي و التاريخي و نظرتها إلى العالم في مدارسها و معاهدها الخاصة، غير أن هذه الأفكار يجب أن تكون مراقبة من طرف الدولة، قصد تفادي تمرير أي مفاهيم رادكالية تتنافى مع القيم الإنسانية و تهدد السلم الإجتماعي.

إن التعليم في مدرسة عمومية محايدة عن كل الإديولوجيات الدينية يسعى إلى تدبير الإختلافات الإجتماعية و الثقافية بشكل عادل دون الدخول في تناقظات بين القيم ذات الصبغة الجماعية و القيم ذات الصبغة الفردانية. حيث يصبح بالتالي بمثابة تعليم مبني على القيم و الوعي الإنساني التي تسموا على التعليمات الدينية. جاعلا في نهاية الأمر إستقلالية التفكير الفردي للمواطن بمثابة المحفز الرئيسي في توعية الطبقات الإجتماعية بحقوقها و واجباتها و المطالبة بها. و بالتالي تحقيق مجتمع ديموقراطي صلب تكون المواطنة بمثابة المحدد الرئيسي و القاسم المشترك بين الجميع، مما يسهل عملية المرور من الديموقراطية السياسية إلى الديموقراطية الإجتماعية الذي لا يمكن تحقيقه إلا بواسطة التعليم و المدرسة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحية
عبدالله خلف ( 2015 / 1 / 27 - 16:35 )
جميع مدارس أوروبا و جامعاتها العامة ؛ تُدرّس علم (اللاهوت) , ثم تقوم أنت و تطالب بعدم الاهتمام بمواد الدين الإسلامي في مدارس العالم الإسلامي؟ .
يا رجل ؛ الجامعات الألمانية يوجد بها (مركز الدراسات الإسلامية للدين الإسلامي) , فهل نسيت زيارة الرئيس الألماني لــ(جامعة مونستر)؟ .

اخر الافلام

.. -السيد رئيسي قال أنه في حال استمرار الإبادة في غزة فإن على ا


.. 251-Al-Baqarah




.. 252-Al-Baqarah


.. 253-Al-Baqarah




.. 254-Al-Baqarah