الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رشوة

موسى الشديدي

2015 / 1 / 28
التربية والتعليم والبحث العلمي


"ثقافة" و"معرفة" كلمتان متداولتان الى ابعد الحدود في عصرنا هذا ومن الاحكام التي تطلقها الانماط الاجتماعية الزائلة على انسان لا يحمل شهادة اكاديمية انه اقل منزلة ممن يحملها .1
الكتابة كانت تدرس تدريسا منتظما في مدينة شورباك السومرية حيث وجد في التنقيبات التي اجريت هناك في عام 1902-1903 عدد كبير من الالواح المدرسية التي كان يدرس فيها تلاميذ المدارس ويرجع تاريخها الى عام 2500 ق.م على وجه التقريب ومهما كان الامر فان النصف الاخير من الالف الثالث ق.م هو الوقت الذي بلغ فيه نظام المدرسة السومرية طور النضج والازدهار فقد كشفت التنقيبات عن عشرات الالوف من الواح الطين من ذلك العهد وهذا ما يثبت ان عدد الكتبة الذين كانوا يمارسون مهنة الكتابة كان يبلغ الالوف .
في النصف الاول من الالف الثني ق.م اكتشفت التنقيبات مئات من الالواح المنقوشة بمختلف انواع التمارين المدرسية .2
من الجدير بالذكر ان التعليم لم يكن عاما ولا الزاميا فكان معظم الطلاب من الاسر الغنية اما الفقراء فكان من الصعب عليهم توفير المال والوقت اللذين يتطلبهما التعليم الطويل الامد .3
والمحافظة على نظام المدرسة كان لا بد من العصا ومع ان المدرسين على ما يرجح كانوا يشجعون طلابهم ليحسنون عملهم عن طريق المديح والاطراء الا ان جل اعتمادهم في تقويم اخطاء طلابهم عند تقصيرهم هو التجاؤهم الى العصا .4
اول رشوة تعليمية في التاريخ :
هنالك لوح كتبه مدرس سومري مجهول الاسم عاش في حدود 2000 ق.م نجد من خلال هذه الرسالة التي كتبها تلميذا بمدرسة سومرية يخشى اذا تأخر عن موعد بدء العمل في المدرسة "مخافة ان يضربه معلمه بالعصا " فبعد ان يستيقظ يحث امه ان تهيئ له الطعام على عجل وفي المدرسة نجد المعلم ومساعديه "يضربونه بالعصا " كلما اساء السلوك ونحن واثقون من تلك الحقيقة لان العلامة المسمارية التي تؤدي معنى الجلد مركبة من رمز شيئين وهما العصا واللحم او الجلد اما عن حال المعلم فان ما كان يحصل عليه من مرتب كان على ما يبدو ضئيل القدر كحال زميله المعلم الحديث الان وعلى ذلك فكان يسعده كثيرا اذا حصل على بعض المال الاضافي القليل من اباء الطلاب ليزيد قليلا دخله .
حيث ان الطالب تلقى الضرب بالعصا من اكثر من شخص واحد من اعضاءهيئة التدريس من اجل ما ارتكبه من هفوات كالتكلم والقيام في الصف والخروج من باب المدرسة والانكى من كل ذلك قول المعلم له
" ان خط يدك في الاستنساخ رديء غير مرض " وضربه بالعصا من اجل ذلك .
وهنا نفذ صبر التلميذ فاشار على ابيه ناصحا اياه بان خير ما يفعله في هذا الشأن ان يدعو المدرس الى بيته ويسترضيه ببعض الهدايا وهذه اول حالة مدونة للرشوة في تاريخ الانسان .
فيستمع الاب لنصيحة ابنه وجاء المدرس من المدرسة فقام الاب وقدم للمدرس الخمر والطعام وكساه بحلة جديدة واهداه هدية ووضع خاتما في اصبعه فبدأ المعلم يثني على التلميذ فجأة :
"ايها الشاب لانك لم تهمل قولي ولم تنبذ ارشادي عسا كان تبلغ القمة في فن الكتابة وعسى ان تتقنه غاية الاتقان ولعلك تكون القائد بين اخوتك وان تصبح رئيسا على جميع اصدقائك وليتك تبلغ اعلى الرتب بين طلاب المدرسة حقا لقد احسنت في انجاز العمل المدرسي كل الاحسان واصبحت رجل علم " 5
النقود تتكلم :
في الحقيقة التشابه الكبير بين نظام التعليم السومري قبل 5000 سنه تقريبا وبين نظامنا اليوم لا يعني تطور السومريين بل تخلفنا نحن فنحن لم نظور في المظام التعليمي شيء يذكر منذ 5000 سنه !
وهكذا نجد ان الطالب الشاب اليوم ما ينفك منذ السنه الابتدائية وحتى الدكتوراه او شهادة التخرج يبتلع مضمون الكتب بدون ان يشغل عقله او رأيه الشخصي فالتعليم بالنسبة له يتمثل في الحفظ والطاعه انه نظام استعبادي فقط ليس الا وان التعلم الدوري وحفظ القواعد او المختصرات عن ظهر قلب ثم تردادها وتقليدها جيدا بشكل ثقافة مسلية وفيها نجد ان كل جهد هو عبارة عن ايمان واعتقاد بمعصومية الاستاذ وهي لا تؤدي في النهاية الا الى خفض مستوانا وجعلنا عاجزين . 6
فان الطبقة الاجتماعية التي يولد فيها الفرد تحدد نوعية التعليم الذي سيحصل عليه لاحقاً ، وكما ان الثروة تتراكم بايدي القلة من افراد الطبقة العليا ، كذلك التعليم ، فان درجته الاكاديمية ومستواه الفكري مرتبط بالثروة ، والقوة ، والمنزلة الاجتماعية بكلمة اخرى "الرشوة ".7
الخضوع كرشوة للتخلص من العقاب :
لا بل ان هذا النظام التعليمي منذ نشاته في سومر والى يومنا هذا نظام غير اخلاقي عدائي قائم وبشدة على العدوان والعقاب ربما اختلف اسلوب العقاب من العصا سابقا الى سلب التقدير الاجتماعي اليوم والتحقير والاذلال فالنظام قائم على غرس الانانية في نفوس الطلاب والحسد والغيرة من الاخر واذا كانت المنافسة تساعد الطالب على نيل اعلى الدرجات في النظام التعليمي ، فان التعاون بين الطلبة لحل المسائل المعقدة يعتبر نوعاً من الغش والخيانة الكبرى وهذه المنافسة من اجل الحصول على درجات جيدة تدل على خلل اساسي في النظام التعليمي ، ذلك ان المدرسة هدفها غرس العلم في اذهان التلاميذ ، وليس الحصول على الدرجات 8
يعلق غوستاف لوبون حول هذا الموضوع قائلا : ربما كان ممكنا ان نتقبل كل اضرار نظامنا التعليمي هذا على الرغم من انه لا ينتج الا الساقطين والناقمين لو ان الاكتساب السطحي لكل هذه المعلومات والترداد الببغائي لكل تلك الكتب المدرسية يرفعان من مستوى الذكاء والفهم ولكن هل يؤدي بالفعل الى هذه النتيجة ؟ لا للاسف الشديد .9
هذا القائم على ثقافة الرشوة حتى اليوم في اغلب دول العالم يساهم في صنع الجماهير المتمردة الحاقدة على نظام المجتمع فالدولة التي تخرج بواسطة هذه الكتب المدرسية البائسة كل هذا العدد الكبير من الطلاب لا تمتلك القدرة الا على توظيف عدد صغير جدا منهم وتترك الاخرين بدون عمل ناقمين وهنا يكمن الخطر يقول غوستاف لوبون بان "اكتساب المعارف التي لا يمكن استخدامها هو الوسيلة المؤكدة لتحويل الانسان الى متمرد "10




1 يوليوس ليبس , اصل الاشياء : بدايات الثقافة الانسانية , ص207
2صمويل كريمر , من الواح سومر , ص44
3 صمويل كريمر , من الواح سومر , ص46
4 صمويل كريمر , من الواح سومر , ص51
5 صمويل كريمر , من الواح سومر , 55-57
6 غوستاف لوبون , سيكولوجيا الجماهير , ص108
7 زهير الاعرجي , النظام التعليمي , ص25
8 زهير الاعرجي , النظام التعليمي , ص22
9 غوستاف لوبون , سيكولوجية الجماهير , ص 110
10 غوستاف لوبون , سيكلوجية الجماهير , ص 109








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران تتوسع في إفريقيا.. والسودان هدفها القادم.. لماذا؟ | #ا


.. الجزيرة ضيفة سكاي نيوز عربية | #غرفة_الأخبار




.. المطبات أمام ترامب تزيد.. فكيف سيتجاوزها نحو البيت الأبيض؟ |


.. حماس وإسرائيل تتمسكان بشروطهما.. فهل تتعثر مفاوضات القاهرة؟




.. نتنياهو: مراسلو الجزيرة أضروا بأمن إسرائيل | #غرفة_الأخبار