الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيادة الحركة الإسلامية في العراق 1980 – 2003 / الحلقة 17

عباس الزيدي

2015 / 1 / 29
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



من المؤكد أن ما كان يدور في أذهان الجميع أن النظام سيسقط لا محالة، خاصة وأن التصريحات الامريكية كانت واضحة في هذا الصدد، وكانت القوات الامريكية قد دخلت الاراضي العراقية واحتلت أجزاء كبيرة منها، من محافظة البصرة والناصرية، فأصبح الجميع متوقعاً أن يستمر الزحف الامريكي حتى بغداد، أو تمنع القوات الامريكية أي تحرك لقوات النظام ضد المدن الثائرة، بعد أن طاردت الجيش العراقي ودمرته داخل الاراضي العراقية، فحصل الاطمئنان في النجف وغيرها فجاء التحرك من قبل المرجعية في النجف نتيجة لهذا الاطمئنان، وهو أمر لم يكن الجميع متفق عليه، فهناك من كان يعتقد أن أمريكا رأس الشر ولا تأبه لأي قيمة إنسانية، فكان لا بد من الاعتماد على الامكانات الذاتية المتوفرة في البلد والتحرك بما يناسب هذه الامكانات.
أمَّا اللجنة التي تشكلت فلم يكن في تفكيرها توسيع الانتفاضة أو اتخاذ قرارات على الصعيد السياسي نظراً لغموض الموقف، فكانت اللجنة مجرد تسيير أعمال على صعيد الأمن والممتلكات وتوفير الحاجيات الضرورية لا أكثر (وهذا ليس قليلاً بالتأكيد)، ولم تكن هناك رؤية سياسية واضحة أو تخطيط مرحلي لما بعد الانتفاضة، فضلاً عن أن يكون تخطيطاً استراتيجياً، وخلاصة القول أن الأسلوب الديني التقليدي هو نفسه قبل وبعد الانتفاضة، ولكن لا يمكن الإنكار ان تشكيل لجنة أو لجان هو الحل الأمثل في مثل هذه الظروف الجديدة على الساحة في العراق، فما هو دور هذه اللجنة؟ وكيف تمَّ تشكيلها؟.
فيما يلي نص حديث الشيخ محمد رضا شبيب الساعدي آخر المتبقين على قيد الحياة من أعضاء اللجنة آنفة الذكر(1):
((بدأت الإنتفاضة في البصرة وانتقلت الى السماوة، وكنا نسمع أخبارها من الزائرين القادمين الى النجف، وسبب تأخرها في النجف أن معظم الأهالي كانوا في زيارة كربلاء بمناسبة النصف من شعبان.
وبعد أن انطلقت الانتفاضة في النجف أرسل السيد الخوئي الى مجموعة من العلماء والفضلاء كالسيد علاء بحر العلوم والسيد عز الدين بحر العلوم والسيد محمد رضا الخلخالي والسيد جعفر بحر العلوم وأنا والسيد محمد ابن السيد عبد الأعلى السبزواري وغيرهم. اجتمعنا في مكان خاص بالسيد الخوئي فقال لنا : أولادي أحب أن أحدِّثكم بحديث، أنتم كما ترون البلد دخلت فيه عناصر (من غير المنتفضين، من غير المجاهدين) بعض العناصر من السجناء(2) وحصلت منهم اعتداءات (سرقات) على بعض المحلات، فصارت فوضى فلا بد أن نوقفها، فماذا ترون، نترك الأمر ونترك الناس تقاتل بعضها بعضاً، وتكون علينا لعنة الله والملائكة والتاريخ الى يوم يبعثون، أو نتحرك بالقدر الذي نستطيع؟، أما أنا فأصارحكم بكل صراحة، أنا عاجز وحتى صلاتي من جلوس، فإذا يسألني الله تعالى يوم القيامة عن هذا الموقف أقول له: إلهي، إن هؤلاء أثق بهم واخترتهم من أجل إصلاح البلد، لهذا اخترتكم وليس عندي غير هذا، والمسئولية أمام الله ألقيها على عواتقكم.
فقسم استجاب، وقسم اعتذر ببعض الاعتذارات كالسيد علي البعاج والسيد محمد رضا الحكيم والسيد علاء بحر العلوم(3) وغيرهم، ووافق الآخرون، فقال السيد الخوئي: يُكتب كتاب ويُنشر بالبلد حتى نستعد لتهدأة الوضع العام.
فوافقنا ووقَّعْنا على ذلك، فأصبح السيد الخوئي بمثابة القيادة العامة وكلما استجد أمر راجعناه. ثم أرسل السيد الخوئي الى المحافظات بيانه الذي أصدره، كما أوعز الى كافة المحافظات المنتفضة باختيار أشخاص كفوءين لإدارة شؤونهم الاقتصادية والأمنية.
أما في النجف فقد اخترنا عددا من الضباط فتم تعيينهم شبه قادة عسكريين (قسم منهم الآن خارج العراق وآخرون عادوا)، فكانت مهمتهم حفظ البلد والاشراف على توزيع الحصة التموينية وحفظ ومراقبة الأمن العام، وقام هؤلاء الضباط بتجنيد مجاميع من الشباب لمنع الفوضى وتنظيم توزيع الوقود وحراسة المصارف.
وخلال تولينا مهمتنا حصلت بعض التصرفات العشوائية عندما اعتقل بعض منتسبي أمن النظام الذين كانوا يتهمون بقتل واعتقال بعض أبناء النجف، فحُبسوا في مدرسة الامام الحكيم وقام البعض بقتلهم من دون موافقتنا، وقد امتعض السيد الخوئي من ذلك وقال: إن هؤلاء لم تثبت إدانتهم، والمتهم برئ حتى تثبت إدانته.
كما حصلت مشاكل ومضايقات عند محطات تعبئة الوقود بسبب التزاحم لشحته.
كنا نجتمع تلك الأيام في منزل السيد الخوئي في حي (السعد) ولم تكن اجتماعاتنا ذات طابع رسمي وإنما كأخوان نتشاور فيما بيننا منذ الصباح وحتى الغروب. وكلما طرأ أمر تجتمع اللجنة وتقرر.
الانتفاضة كانت مفاجأة لنا فلم نكن مستعدين لها، ولم تكن عندنا القوة الكافية (الأسلحة) أما الأسلحة التي كانت بيد المنتفضين فقد حصلوا عليها من الحامية العسكرية، كما عانينا من التعتيم الإعلامي الذي أضرَّ بنا كثيراً، وأنا أجزم لك أن ما كان يجري في كربلاء لا نعلم به في النجف، وما كان يجري في النجف لا تعلم به البصرة أو العمارة، ما عدا الرسل الذين كانوا يحملون وصايا منا أو من السيد الخوئي، وهذا لم يكن كافياً. أما على مستوى الاستعداد الفعلي فلم نكن كذلك لحدث الانتفاضة.
السيد الخوئي بدوره وبصفته الأبوية لم يكن يحب أن ينفرد بالقرار فأرسل الى السيد السبزواري وبعض وجهاء النجف فأبلغهم بالموقف، وأننا إذا لم نستعد فإن النجف ستصبح في فوضى، فاستجاب السيد السبزواري وأصدر مرسوم (بيان) وتمَّ توزيعه، وكان الأشخاص الذين اختارهم هم نفس أعضاء اللجنة التي اختارها السيد الخوئي(4).
جاءت مجاميع من محافظة كربلاء الى السيد الخوئي فخوَّلهم إدارة شؤون محافظتهم وأن يضعوا أيديهم على المصالح العامة.
لم يكن عندنا أي تفكير للقيام بخطوات لتهيأة جيش للزحف الى بغداد، نعم كان هذا المستوى من التفكير يردده بعض الشباب المتحمسين لا أكثر.
عندما اقتربت قوات الجيش العراقي من مدينة النجف أرسل السيد الخوئي الى المتواجدين حول منزله كحماية وقال لهم: أبنائي أنا المستهدف فإذا ابتعدتم فليس عليكم بأس فارجعوا الى عوائلكم أو تغيَّبوا. فذهب قسم منهم والقسم الآخر بقوا يقاومون ولكن من دون جدوى فانسحبوا آخر المطاف.
فدخلت قوات الجيش الى منزل السيد الخوئي واعتقلوا مَن كان في داره وكان هناك عدد من رجال الدين فأقلّوهم بسيارات الى بغداد مباشرة، أما السيد الخوئي والسيد محمد تقي فأخذوهما الى خان النص قرب الكفل، وكان هناك الخبيث طه ياسين رمضان الجزرواي حيث جاء بصحبة سرب من الطائرات المروحية، ومن هناك قام بتوجيه قوات من جهة الكوفة وأخرى من جهة طريق كربلاء وقصفت مدينة النجف بصواريخ أرض ـ أرض.
بعد وصول السيد الخوئي الى مدينة الكفل إلتقاه هناك طه الجزراوي الذي شتمه قائلاً: يا شيبة الضالَّة تريد أن تصبح ملكاً على العراق؟. فأجابه السيد الخوئي: أعوذ بالله، أنا أردت أن أصلح العراق وأقطع يد الفساد. ثم أخذوه بطائرة الى القصر الجمهوري ببغداد، وأما رجال الدين الذين اعتقلوهم في منزله فلم يعد منهم أحد ولم يعثر على أحد منهم.
أُخذ السيد الخوئي وولده محمد تقي الى القصر الجمهوري فالتقيا صداماً، فقال صدام موجهاً كلامه للسيد محمد تقي الخوئي: أنت السبب في كل ما حصل. ثم خرج صدام فقام أعوانه بأخذ السيد محمد تقي لغرض إعدامه فأخذ السيد الخوئي يصيح لكي يتركوه، فأخبروا صدام فأخلى سبيله.
وبعد أن وصل السيد الخوئي للنجف بأيام حصلت ضجة إعلامية عن محاصرته ومضايقته من قبل قوات الأمن، فأرسل صدام بعض أعوانه والتقوا السيد الخوئي وسألوه هل هناك مضايقات فأجاب : كلا، لا توجد مضايقات. وتمَّ بثُّ هذا اللقاء من خلال التلفزيون.
كانت الأوامر قد صدرت من السيد الخوئي الى أعضاء اللجنة بالخروج من النجف عندما اقتربت قوات الجيش من المدينة، فخرجنا وبقينا يوم أو يومين في (سوق شعلان) في النجف ومعنا الآلاف من الهاربين، فقد قام الجيش بإعدام واعتقال المئآت، ثم أعلن الجيش بعد ذلك أن مَن يريد العودة الى المدينة فليعد، فعاد الكثير من الناس، ولكن الذين شاركوا بالانتفاضة لم يستطيعوا العودة فتوجهنا الى محافظة السماوة، وكان موقف أبناء السماوة مشرفاً، مع أنهم في البداية لم يتجاوبوا معنا، إذ كانوا متحمّسين واستنكروا علينا ترك النجف والسيد الخوئي لوحده أمام الجيش. فأتى أحد الشباب وأخبرهم أني أحد أعضاء اللجنة ولربما يقوم أحد المندسين باغتيالي فسمحوا لي بالدخول مع أولادي، فبتنا في أحد المنازل المهجورة، ولكن قام أهل السماوة بواجبهم على أكمل وجه.
في السماوة كانت القوات الأمريكية متواجدة وكان بعض الضباط والجنود يتمشون في شوارع المحافظة، وأقولها للتأريخ : أن أحد الضباط الأمريكيين كان يعطي قطع من الحلوى على المارَّة وقال: أنتم بأمان معنا، ونحن خلال يومين سوف ندخل بغداد ونسقط صدام. فحصل عندنا إطمئنان، ولكن بعد يومين أو ثلاثة بدأ القصف بصواريخ أرض ـ أرض على محافظة السماوة من قبل قوات صدام، فخرجنا مع الآلاف الى الصحراء بلا غذاء وبلا ماء، وكان الجيش الأمريكي قد انسحب ولكن بقيت لهم قواعد عسكرية ونقاط تفتيش، وكانت طائراتهم تحوم فوقنا فهبطت إحداهن ونزل منها ضابط يتكأ على عصا، فعرفته إذ كان هو نفس الضابط الذي التقيته في السماوة ووعدنا باسقاط صدام خلال يومين، فقلت له: عندي سؤآل لك.
فاستدعاني الى خيمة نُصبت له واستدعى أحد المترجمين، فقلت له : ما حدا مما بدا من قولك السابق حول إسقاط صدام؟. فقال لي : أنت خميني، شكلك شكل خميني، وأسئلتك أسئلة خمينية. فقلت : كلا، أنا عراقي. فقال : لتعلم، وأنا أنصحكم، نحن لثمان سنوات نقاتل الخميني بكل سلاح، حتى السلاح المحرم دولياً، حتى السلاح الذي لم يُجرَّب جربناه لكي نقضي عليه، ومع أننا لم نقض عليه لكننا أضعفنا قوته العسكرية، والآن عندما دخلنا العراق شاهدنا صور الخميني والحكيم، وهذا يعني أنكم تريدون دولة ثانية وسنداً للخميني، لذا سنقضي عليها قبل انتشارها. (5)
أمَّا بخصوص الإعلام فإن العراق لمدة خمسة أيام يقاتل، فلا الدول العربية ولا الدول الإسلامية ولا الدول المجاورة ذكرت أي نبأ عن الانتفاضة، ولم نحصل على أي دعم من الخارج، لا من إيران ولا من المجلس الأعلى، أما حزب الدعوة فليس له وجود على الإطلاق.
كل مافعله الإيرانيون والمعارضة أن أرسلوا بعض الأشخاص الى النجف وغيرها الذين كانت مهمتهم التقاط الصور، وقد ساعدتهم عندما أخبروني أن هذه الصور ستعرض على وسائل الإعلام، ولكن لم نر لها أي أثر، بينما تعرضنا لمشاكل بسببها لا غير.)).


________________________________________
(1) في مقابلة أُجريت في منزله في النجف الأشرف في يوم الأربعاء الموافق 12 / 5 / 2010، بحضور ولده الشيخ علي، والحاج صدقي اليعقوبي، و"الشيخ حسنين قفطان، ورياض عبد المنعم، وحيدر العامري" من منتسبي مكتب آية الله الشيخ محمد اليعقوبي، والشيخ عباس الزيدي.
(2) كانت الانتفاضة في بدايتها عفوية ومن دون تنظيم، فتم كسر السجون وكان من بين هؤلاء السجناء الكثير من المجرمين واللصوص وهم الذين تسببوا بهذه المشاكل. كما أن قتالاً وقع مع أعضاء حزب البعث في الفرق الحزبية وفي مبنى المحافظة وبعض دوائر الدولة مما أدَّى الى سقوط الكثير من القتلى. عن الشيخ محمد رضا شبيب الساعدي.
(3) سيأتي أن من ضمن الذين اعتذروا عن الانضمام الى هذه اللجنة السيد محمد الصدر والسيد حسين بحر العلوم.
(4) لاحظنا أن بيان السيد السبزواري قد أضاف الى أعضاء اللجنة السيد صالح الخرسان.
(5) مما يؤكد كلام الشيخ الساعدي ما قاله الرئيس الأمريكي جورج بوش: ((إن القوات الأمريكية ستنسحب من مواقعها في جنوب العراق عند التوقيع رسمياً على اتفاق وقف اطلاق النار وقيام ترتيبات أمنية مع الجانب العراقي. وأضاف بأن ادارته لا تؤيد نظام صدام حسين، الرئيس العراقي، إلا أنه في الوقت نفسه لا تؤيد نظاماً أصولياً (شيعياً)،)). صحيفة الحياة، لندن، 16/3/1991.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الصين تحذّر واشنطن من تزايد وتراكم العوامل السلبية في العلاق


.. شيعة البحرين.. أغلبية في العدد وأقلية في الحقوق؟




.. طلبنا الحوار فأرسلوا لنا الشرطة.. طالب جامعي داعم للقضية الف


.. غزة: تحركات الجامعات الأميركية تحدٍ انتخابي لبايدن وتذكير بح




.. مفاوضات التهدئة.. وفد مصري في تل أبيب وحديث عن مرونة إسرائيل