الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سرقة آثارنا ... نزيف متى يتوقف؟

حامد خيري الحيدر

2015 / 2 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


يتفق الجميع أن آثار أية أمة هي بمثابة الأرث الحضاري والمعنوي لها، وهي دليل رقيها وصور مساهمتها في المسيرة الانسانية... ولاشك أن فقدان تلك الشواهد بسبب التخريب أو السرقة تعتبر خسارة لايمكن تعويضها ليس فقط لبلدانها وشعوبها، وانما للعالم أجمع باعتبارها تراثاً انسانياً عالمياً. وما يؤسف له أن ظاهرة سرقة الآثار والمتاجرة بها أخذت تنتشر وتتوسع في الفترة الأخيرة أكثر من ذي قبل. كما أصبح لها مروجيها ومتعاطيها، وأصبح لها مافيات عالمية خاصة تديرها ثبت ارتباطها بسياسات دولية واقليمية. ومن الملاحظ أن هذه الظاهرة كما هي حال تجارة السلاح والمخدرات والرقيق الأبيض، تزدهر عند نشوب الحروب والاضطرابات السياسية، وحالات عدم استقرار الأنظمة الحاكمة... وهذا للأسف ينطبق بشكل كامل على واقع عراقنا الحبيب، خصوصاً خلال عقوده الأخيرة.. أما أذا تناولنا السبب الحقيقي لرواج هذه الجريمة فأعتقد أنه من السذاجة التصور أنها لأسباب مادية صرفة، وهنا لا أعني الحلقات الأولى الصغيرة من المنفذين لها، أنما تلك اللوبيات التي غايتها الأساسية من ذلك سلب تراث الشعوب، للحط من قدرها وتفريغها من أرثها الثقافي الذي تفتخر به، ليكون ذلك جزئاً من عملية كبيرة وممنهجة، خاصة حين يضاف اليها مشروع أفراغ تلك الشعوب من كوادرها وعقولها العلمية وكفاءاتها المهنية لتتحول بمرور الزمن الى كيانات مسخة لا شكل لها.... ولو أننا أمعنا قليلاً في دراسة التاريخ لتتبع الجذور الأولى لقضية سرقة و نهب آثار الشعوب لوجدنا أن العراقيين القدماء كانوا أول من أبتدع هذه القضية ولنفس المبدأ تقريباً (مع الفارق الزمني طبعاً) ، حين كان ملوك وادي الرافدين ينهبون كل ماخلفه أسلاف الشعوب المقهورة التي يحتلوها ليجعلوا من تلك الجريمة مفخرة لهم يتباهون بها في مسلاتهم و كتاباتهم الملكية.. ومن أمثال هؤلاء.. الملك (سرجون الأكدي) 2371_2316 ق.م عند احتلاله أرض الشام، أو (أشوربانيبال) 668_626 ق.م عندما قضى على دولة (عيلام)، و(نبوخذنصر) 604_562 ق.م حين سبى مملكة (يهوذا)..... ليأخذ التاريخ دورته فتنقلب الأدوار في زمننا الحاضر لتغدو أرض الرافدين هي الضحية هذه المرة (لترد لعنتنا الى نحورنا).... من جانب آخر فأن هذه القضية لا تنطبق فقط على المؤامرات الدولية أو الاقليمية ممثلة بمنظماتهما المافيوية، بل أيضاً على الأنظمة الحاكمة أيضاً ولنفس الغاية السابقة ألا وهي أذلال شعوبها واهانة عراقتها لعقدة في عقلية هؤلاء الحكام وشعورهم الدائم بالنقص أمام شعوبهم... وهذا ما لوحظ في العقد الأخير من القرن الماضي، وكيف انتشرت هذه الظاهرة في العراق مباشرة بعد تلقى الطاغية المقبور هزيمته المُذلة أمام التحالف الدولي نتيجة جريمته البشعة بغزو دولة الكويت، وأهانته القاسية من قبل الشعب فيما بعد في انتفاضة آذار، وشعوره بمدى كره الناس له. فحاول أهانة هذا الشعب وخاصة أهل الجنوب بأن أباح رموزه الآثارية ودلائل ماضيه الخالد الى مافيات ومُرابي الآثار في الداخل والخارج، ثم ليجعل من أزلامه سماسرة لهذه التجارة الوسخة... ثم بذات الوقت وبأسلوب دعائي كاذب ومفضوح لم يصدقه سوى هو، أن حاول الإيحاء بحمايته للآثار ودفاعه المتناهي عنها من خلال أقامته لبعض المشاريع الثقافية والاثارية التي توحي بذلك.... لتتم المسرحية وتلعب آخر أدوارها عند حدوث الاحتلال الأمريكي البغيض لوطننا العزيز عام 2003، وما تبعه من دمار شامل جلبه لأرض الرافدين وحدوث الكارثة الكبرى حينها بحق آثارنا العظيمة، ثم ليستمر هذا المسلسل الكارثي في زمن سيطرة (الدواعش) على أم الربيعين الشمّاء ليعيث هؤلاء المتخلفين دماراً ونهباً وخراباً بآثارها الخوالد، ليبقى هذا النزيف المميت دون ضماد أمام أعين الشعب، وكل الخيرين في هذا العالم دون علاج شافي يعيد لأعظم رموز الحضارة الانسانية كرامتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شبح -الحي الميت- السنوار يخيم على قراءة الإعلام الإسرائيلي ل


.. الحركة الطلابية في الجامعات : هل توجد أطراف توظف الاحتجاجات




.. جنود ماكرون أو طائرات ال F16 .. من يصل أولاً إلى أوكرانيا؟؟


.. القناة 12الإسرائيلية: إسرائيل استخدمت قطر لتعمّق الانقسام ال




.. التنين الصيني يفرد جناحيه بوجه أميركا.. وأوروبا تائهة! | #ال