الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين بين الغاية والحقيقة .. ودور العلم في نقد النص الديني !

محمد صلاح سليم

2015 / 2 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مرت الإنسانية عبر العصور بالعديد من المراحل في مغامرة رائعة شيقة امتزجت أحداثها باللذة والألم, والمغامرة والتشويق, والنصر والهزيمة.
وكان القاسم المشترك بين كل تلك المراحل هو السعي الدائم للمعرفة وإيجاد تفسير لمعنى الحياة, والهدف من الوجود, وإثارة العديد من الأسئلة مثل: كيف بدأ الكون؟
وماذا يحدث بعد الموت؟ وتطورت وتشكلت الإجابات وتباينت متأثرة ببعض الدوافع والمحركات المختلفة ومتفاعلة مع البيئة المحيطة وطبيعة المجتمع.
تلك المحركات كان منها الخوف من الظواهر حيث خاف الإنسان القديم بعض الظواهر الطبيعية أو الموجودات فعبدها, وقدم إليها القرابين,وأقام لها المعابد.
لم يكن الخوف وحده هو المحرك والدافع الدائم عبر الزمن الذي ساهم في تشكيل مفهوم الدين, بل وُجدت دوافع ومحركات أخرى من بينها الفضول الذي تبلور في الفلسفة التي كانت أم العلوم وهدفها السعي إلى المعرفة والحقيقة وإيجاد الحكمة,
وتتابعت الدوافع فكان منها حب السلطة والسيطرة علي الجماعة, ومحاولات الوصول إلى السعادة, وغير ذلك من تلك الدوافع المعروفة.
فكان الدين وظهر لتحقيق غاية أو أكثر واختلفت تلك الغايات باختلاف الأديان نفسها والمجتمعات التي ظهرت فيها, فتنوعت بين تنظيم المجتمع, إسعاد الإنسان, تفسير الوجود, أو التبليغ بالحقيقة المطلقة المجردة وكانت تلك الأخطر علي الإطلاق!
والذي يهمني هنا هو ذلك الدين الألوهي التوحيدي الرسولي الذي يخبرنا أنه سماوي منزه, بين طياته الراحه والمعرفة والسعادة في الدنيا والآخرة, والذي ينتشر بأغلبية في شتى أنحاء الأرض متمثلا في الأديان الإبراهيمية الرسولية الكبيرة: اليهودية والمسيحية والإسلام, وهم في الحقيقة من مشكاة واحدة تتضح لكل باحث ومهتم.
في عصرنا هذا _عصر الحداثة ومابعد الحداثة_ ليس هناك أنبياء يسيرون بيننا ولا ملائكة ينزلون من السماء باتفاق الجميع, فقد انقطعت أخبار السماء وانفصل العالم الإفتراضي الفوقي الكامل عن الأرض الدنيوية, ولم يبقى لنا إلا مايسمى "بالنصوص المقدسة" والتي هي محفوظة في الكتب معروفة للجميع .
تلك "النصوص المقدسة" هي مايعنينا دراسة ونقدا, وتحليلا وفحصا, وإن أردنا تقسيم نص الكتب المقدسة حسب الموضوعات فإننا يمكن أن نقسم المجالات التي تطرقت إليها تلك الكتب إلى :
.. ذات الإله وطبيعته وتوحيده.
.. كيفية نشأة الكون وبدء الخلق.
.. قصص عن أمم سابقة وملوك وأنبياء ورسل.
.. أحكام وتشريعات ووراثة الأرض.
.. بعض التفسيرات للظواهر الطبيعية.
.. الثواب والعقاب متمثلا في النعيم والجحيم.
.. الأخلاق والمعاملات والروحانيات والعبادات.
الحقيقة أنه لايهمني أن أتطرق إلى طبيعة الإله ولا الروحانيات أو الأخلاق ولا حتى الجدل الفلسفي عن الثواب والعقاب, والنار والجنة, والحكمة من الخلق, وقضية العدل المطلق, والقدرة المطلقة, وغير ذلك من المسائل الفلسفية التي يطول فيها الجدل.
ولن نحتاج إليها إن نظرنا إلى الدين نظرة ناقدة موضوعية من خلال عرض نصوصه علي العلوم المختلفة.
الدين هو: فهم بشري للنصوص المقدسة إذ أن النص المقدس نص مبهم حمال أوجه يحتمل أكثر من تأويل ولا ينتطح في ذلك عنزان, فكان السؤال كيف نفسر النص الديني؟ وكيف نخضع محتواه إلى النقد الموضوعي المبني علي المنهج العلمي الرصين؟
وهنا تكون الإجابة السحرية : "العلم " !
نعم العلم هو المعيار الذي يجب أن نخضع كل نص مقدس له .. فعندما نتكلم عن العقل في مقابلة النص فإننا لا نقصد بذلك العقل الآراء الفردية القائمة علي الأهواء والميول, بل نتاج ماتوصل إليه العقل الإنساني من علم منهجي مبني علي خطوات البحث العلمي الرصين.
التفسيرات القديمة منها ماهو منقول شفهيا ولم يُكتب إلا بعد مرور زمن كبير علي وقت روايته المفترض "مثل الاحاديث النبوية التي فسرت بعض القرآن " ومنها ماهو متأثر بالبيئة والمجتمع, فالتفسيرات مثلا في الإسلام قبل العصر العباسي وترجمة كتب اليونان اختلفت عما وصلنا قبلها _ مع العلم أن معظم المخطوطات في تصنيف شتى العلوم الشرعية تعود للعصر العباسي_ وفي المسيحية مثلا اختلفت التأويلات باختلاف الزمن وسلطة الكنيسة من عدمها والبيئة والمجتمع وقبل وبعد ثورة التنوير وهكذا قياسا.
اذن فلنتجاهل الأسانيد والتفسيرات الأصولية والمحاولات القديمة لتأويل النص الديني ونجعل العلم وحده هو الحكم علي مدى منطقية ومعقولية وصدق ماجاء في تلك الكتب المقدسة.
ويجب أن ننوه أن النقد لا يهدف إلى هدم الدين وعداوته, بل الهدف هو الوصول إلى المعرفة والحقيقة المنشودة والتي يترتب عليها سعادة البشرية وهنا _من المفترض_ أن يشترك الدين مع العلم في تلك الغاية, فإن كانت الغاية هي سعادة البشرية وتأمين الحياة الرغيدة للإنسان فلن ينزعج رجال الدين حين نتكلم عن نقد النص الديني, وإن كانت الغاية هي الوصول إلى الحقيقة والمعرفة, أيضا لن ينزعج أبدا رجال الدين بل سيوفرون لكل باحث العون للنقد والبحث الموضوعي, لكن الإنزعاج يكون نتاج الدوجما الدينية التي تجعل رجل الدين يتكلم بلسان الإله الأعلى, صاحب الحقيقة المطلقة التي كل مادونها باطل يجب أن يُهدم, وشر يجب أن يُحارب.
فإن اتفقنا أن تكون الغاية المشتركة هي الوصول إلى المعرفة والحق, أو أن تكون الغاية هي سعادة البشرية وتنظيم أمورهم فلاخوف أبدا من النقد البناء للنص الديني, ذلك النقد لابد له من خطوات ومنهج علمي دقيق فأما عن الخطوات فهي خطوات حل المشكلة بطريقة علمية بدءاً من جمع المعلومات ثم التحليل الدقيق وفرض الفروض حتى الوصول إلى النتيجة, والمنهج لابد أن يكون قائما على الشك حتي يتم التيقن من المعلومة بالطرق العلمية المعروفة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر من ضمن أشكال النقد المقصودة هي إخضاع الجوانب المذكورة آنفا إلى البحث والتدقيق الموضوعي كالآتي :
.. نشأة الكون وقصة الخلق : يتم نقدها عن طريق المقارنة بين ماتوصل إلية العلم الكوني التجريبي الحديث من نظريات علمية في تفسير الحقائق عن نشأة الكون والكائنات من ناحية وبين ماجاء عنها في الكتب المقدسة مع الأخذ في الإعتبار إمكانية التأويل من عدمه.
.. القصص عن الامم السابقة والملوك والأنبياء والرسل : هذا المجال اختصاص البحث العلمي الأركيولوجي والمسح الأثري, فيتم مقارنة ماتوصل إليه هذا العلم الواسع مع ما أخبرت عنه الكتب المقدسة.
.. الأحكام والتشريعات : وهذا الجانب اختصاص العلوم الإنسانية التي تطورت حتى وصلت لمرحلة مابعد الحداثة حيث تم ربط بعض العلوم الإنسانية كعلم النفس والإجتماع بالعلوم الطبيعية كعلم "البيولوجي" فيتم إختبار مدى نفع وإنسانية الأحكام والتشريعات الواردة في الكتب المقدسة بقوانين ومعاييرعلوم النفس والإجتماع ومقارنتها بمواثيق حقوق الإنسان والإتجاهات الحديثه في مفهوم الثواب والعقاب وإعادة التأهيل. وأيضا الجوانب التي تخص حرية التعبير وحرية العقيدة والمساواة والميول الجنسية ومقارنة نظرة الدين والعلم الحديث لكل هذا.
.. تفسيرات الظواهر الطبيعية : مثل نظرة النص الديني للشمس والقمر والرعد والبرق والزلازل والجبال والبراكين وغير ذلك وهذا كله اختصاص العلوم الطبيعية المختلفة, فيتم نقد هذا المجال عن طريق مقارنة ماجاء في الكتب المقدسة بالعلم المجرد.
بعد الفحص والبحث, والتدقيق والشك, والنقد والأسئلة, فالحق أقول ببساطة إن كان الدين _أي دين _ صحيحا فإن الطريق الأمثل للوصول إليه وإلى حقيقته هو طريق العقل والعلم فقد مرت قرونا علي آخر إتصال - مفترض – بين الأرض والسماء ولايسهل علينا الوصول والتيقن من كل ماوصلنا إلا عن طريق العلم والعقل.
كان هذا تسليطا للضوء علي ماينبغي أن يُلتفت إليه في التعامل مع النص الديني وتقبل النقد ومعرفة دور العلم في تفسير وتحليل ونقد الدين.
وأخيراً: إن الدين يظل بنصوصه مجرد أساطير حتى يتم إخضاع تلك النصوص إلى البحث الموضوعي والعلم وتوثيق ما جاء في تلك الأديان بالأدلة الواضحة والبراهين البينة بنظرة موضوعية قائمة علي الشك والمنهجية العلمية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في


.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج




.. 101-Al-Baqarah


.. 93- Al-Baqarah




.. 94- Al-Baqarah