الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كانت تسمى رام الله ..صارت تسمى رام الله

مهند عبد الحميد

2015 / 2 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كانت تسمى رام الله، صارت تسمى رام الله
مهند عبد الحميد/ صوت النساء
حسناً فعلت بلدية رام الله، عندما أصدرت قراراً حازماً بمعاقبة كل من يغير اسم
مدينة رام الله، ذلك الاسم المحفور في ذاكرة ووجدان الشعب الفلسطيني. في البدء
كانت المحاولة غير نظامية، وتنتمي إلى الفوضى وإلى فكرة عمل سلطة دينية موازية
لعمل سلطة المجتمع المدنية )بلدية ومحافظة(. انطلاقاً من التعدد، من حق أي
شخص أو مجموعة التقدم باقتراح أفكار ومبادرات، في أي موضوع للمرجعيات ذات
الصلة، كي تبت بالموافقة أو الرفض، بناء على صلاحياتها والتفويض الذي اكتسبته
من المواطنين، الذين انتخبوا أعضاءها. تغيير اسم رام الله واستبداله باسم آخر هو
العكس، وذلك عندما شرعت بعض الشركات بفرض فكرتها على الأغلبية والمرجعية
في آن. يذكرنا تغيير اسم رام الله بتغيير اسم مسجد جمال عبد الناصر إلى مسجد
سيد قطب، ثم الى مسجد البيرة الكبير. ذلك التغيير الذي لم يحترم ذاكرة الشعب
وعلاقته الوجدانية الحميمة مع زعيم تاريخي كبير. في تغيير اسم المسجد انتصرت
الفئوية وانتصر الثأر على التعدد والإرادة الشعبية. وكان بإمكان الإخوان المسلمين
بناء مسجد جديد، وقد بنوا عشرات المساجد، واختيار الأسماء التي تحلو لهم، وترك
الأسماء التراثية التي تم اختيارها لأسباب ولعلاقات لا يمكن شطبها من الذاكرة ومن
التاريخ.
تغيير اسم رام الله سلوك له مدلولات خطيرة جداً. فهو ينم عن رغبة في شطب
تراث وتاريخ عريق، يصب في مساعي دولة الاحتلال، التي عملت وما تزال تعمل على
إسكات التاريخ الفلسطيني وإزالة كل معالم الوجود الفلسطيني التاريخي على هذه
الارض، وعلى تفكيك بنية المجتمع الفلسطيني. من جهة أخرى فإن تغيير اسم رام الله
يعبر عن رغبة في فرض رأي، ويقدم نموذجاً لتفكير غرائبي يصادر عقل البشر ويرهب
المواطنين ويشوه ثقافة المجتمع وأدوار المواطنين فيه، ويسيء الى الدين الإسلامي.
هذا التفكير يطمس مضمون وجوهر الأشياء. تفكير يشغل الناس في مهمة تغيير
اسم مدينة رام الله، في الوقت الذي تتزاحم فيه عشرات المهمات الكبيرة أمام الشعب
الفلسطيني، كمهمات الخلاص من الاحتلال، ومقاومة الاستيطان، والتطهير العرقي
في القدس والمناطق )ج(، ورفض الإذلال اليومي، وفك الحصار الخانق عن قطاع غزة،
وحماية المقدسات من الاعتداءات اليومية، ووضع حد للقرصنة الإسرائيلية في احتجاز
أموال الضرائب، ومهمة التصدي للفساد والواسطة والمحسوبية، والاتجار بالمواد
الفاسدة والتهرب الضريبي، ومهمة مقاطعة سلع الاحتلال ومقاومة التطبيع، ومهمة
إزالة التمييز ضد نصف المجتمع )النساء(، والتوقف عن حرمانهن من حقهن في
الإرث. تخيلوا أن هؤلاء الأخوة يتركون كل هذه المهمات ولا يجدون غير مهمة تغيير
اسم رام الله. والتبرير هو الدفاع عن اسم الجلالة. دفاع مسيئ للعقل وللدين معاً.
إن الأخذ بهذا المنطق التجزيئي الشكلي في محاكمة الكلمات والنصوص، من
شأنه أن يغرق المجتمع في حرب تدمير الذات، فالأسماء والصحف والكتب والإعلانات
والمدارس وأسماء الشوارع، وأشياء أخرى كثيرة، ينطبق عليها ما ينطبق على اسم رام
الله. الخطير في ما جرى أن هؤلاء ينتمون أو يتأثرون بأفكار المدارس الدينية المتطرفة،
التي تطرح مفاهيم وأفكار ومقولات خطيرة وبائسة من نوع : «تعليم المرأة هو السبب
في انحطاط الأمة وسقوطها في الهاوية « .» تحريم دراسة النساء للهندسة والكيمياء .»
«تحريم سياقة النساء للسيارة « .» التعمير على القبور ح رام « .» سماع الموسيقى
والأغاني حرام « .» مشاهدة التلفزيون حرام « .» مشاهدة المباريات الرياضية حرام »، وفي
هذا الصدد اعدمت داعش مؤخرا 13 شاباً عراقياً بتهمة مشاهدة مباراة الأردن والعراق
لكرة القدم في دوري آسيا. «الدخان وبيعه حرام « ،» تحريم لبس البنطلون ». وغير ذلك
من خزعبلات وخرافات يتم الإفتاء بها باسم الدين. كان لهذه المدرسة دور في تشويه
وهدم وانحطاط المجتمعات العربية والإسلامية من الداخل، بعد فصلها عن الحضارة
الإنسانية، وعن تراث الحضارة الإسلامية الرائدة في العلوم والثقافة والفكر. لقد كان
النتاج الطبيعي لتغلغل أفكار وثقافة تلك المدرسة التكفيرية، هو نشوء تنظيمات
القاعدة وداعش والنصرة وبوكو حرام وطالبان، وعديد المنظمات والقوى التي على
شاكلتها، التي جلبت التخلف والانحطاط والتدخل الاستعماري، وانظمة الاستبداد
والإساءة إلى الدين الإسلامي وبالعكس.
إن محاولة تغيير اسم مدينة رام الله باسم الحلال والحرام، يندرج ضمن نشاط تلك
المدرسة الدينية، التي تنشر فكر التكفير والترهيب. وتحاول السيطرة التدريجية
على المجتمع، من خلال منطقها الوسواسي الذرائعي التعصبي. وما نشر اللوحات
المكتوب عليها «وحدوا الله، واذكروا الله » وغيرها من الشعارات، التي ينطبق عليها
«حق يراد به باطل »، إلا مثالا على مساعي السيطرة. فهذه المجموعة التي تنتمي
لمدرسة التكفير والترهيب، ترغب في احتلال موطىء قدم باسم شعارات يجمع عليها
الناس ولا يختلفون عليها، واقع الحال تريد احتلال حيز باسم الدين، سواء بموافقة
عن طريق الابتزاز الديني، أو بدون موافقة، وأغلب الظن بدون موافقة. لأنه كان من
المفترض أن تتقدم هذه المجموعة بطلب الى المجلس البلدي والمحافظة، لوضع
شعاراتها، كما تتقدم الأحزاب والتنظيمات لطلب وضع شعاراتها في الشوارع، وهي
التي تقرر وضع الشعارات بالاشكال الجمالية المناسبة، وفي الأماكن المناسبة، وفقاً
لجهة اختصاص في مجال الدعاية والإعلان. وليس لصقها بطريقة بدائية وفي أماكن
عشوائية. الهدف الكامن وراء عمل كهذا، هو تنفيذ مهمات إضافية، كتغيير اسم رام
الله بدون موافقة مثلاً، ومنع المهرجانات الفنية، وأشياء أخرى.
ما حدث مناسبة لإعادة الاعتبار للنظام واحترام القانون، ووضع حد لحالة التماهي
مع التخلف والترهيب، واحترام عقول الناس والتاريخ والتراث الجميل








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي


.. كاتدرائية واشنطن تكرم عمال الإغاثة السبعة القتلى من منظمة ال




.. محللون إسرائيليون: العصر الذهبي ليهود الولايات المتحدة الأمر


.. تعليق ساخر من باسم يوسف على تظاهرات الطلاب الغاضبة في الولاي




.. إسرائيل تقرر إدخال 70 ألف عامل فلسطيني عبر مرحلتين بعد عيد ا