الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أيمكن أن يكون الله مطلق العدل ومطلق الرحمة في آنٍ معاً؟

إبراهيم جركس

2015 / 2 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أحبّ أن أبدأ هذه المقالة باقتباس مقطع للكوميدي الملحد جورج كارلين الرائع إذ يقول في أحد عروضه: ((الدين في الحقيقة أقنع الناس بأنّ هناك رجل خفي، يعيش في السماء، يراقب كل شيء تفعله، كل دقيقة من كل يوم، وهذا الرجل الخفي لديه قائمة خاصة بعشرة أمور لايريد منك أن تفعلها، وإذا فعلت أي شيء من هذه الأمور العشرة، فلديه مكان خاص مليء بالنار والدخان والحرق والعذاب والمعاناة، حيث سيرسلك لتعيش وتعاني وتحترق وتختنق وتصرخ وتبكي إلى أبد الآبدين حتى نهاية الوقت.... لكنه يحبك!!!!!!))
أفضل صفة يتمتّع بها الله هي مجموعة صفاته التي يتميّز بها، فهو لطيف، محب، عادل، عطوف، رحيم، كما أنّه يكره جميع الأشياء التي نكرهها نحن . وهو مثالي ومطلق أيضاً... إنّه الخير المطلق، كما أنّه مطلق العدل، ومطلق الرحمة، ومطلق المغفرة. لكن هل هذا صحيح؟... وهل تتناسب هذه الصفات مع بعضها؟
يشير دان باركر (المبشّر والقس السابق الذي تحوّل إلى الإلحاد) بأنّه من غير الممكن _بل من المستحيل_ وجود إله مطلق العدل من جهة، ومطلق الرحمة في الآن نفسه من جهةٍ أخرى، لأنّ أي اتساع من جهة الرحمة يستلزم عنه انحسار في مجال العدل... بمعنى آخر كلّما زادت رحمة الله نقص عدل، وكلما زاد عدل الله نقصت رحمته.
وإذا كانت رحمة الله مطلقة... أي أنّها غير محدودة فهذا يلزم انعدام العدل الإلهي، والعكس صحيح.
على سبيل المثال، إذا سمح الله لشخصٍ ما بدخول الجنّة، وهو في الواقع يستحق دخول النار أو الجحيم فإنّه رحيمُ ورؤوف، لكنه ليس بعادل. لكنّه إذا أرسله إلى الجحيم، إذن هو عادل، لكنه ليس برحيم.
ومع ذلك نرى أنّ الكتب المقدسة للديانات الرئيسية الثلاث تصرّ وتؤكّد باستمرار أنّ الله عادل ورحيم في نفس الوقت. جاء في القرآن:
{وأنت أرحم الراحمين} [الأعراف: 151] {وأنت خير الراحمين} [المؤمنون: 109] لكنّ من صفاته أنّه العادل والمقسط
وفي الكتاب المقدس ((4هُوَ الصَّخْرُ الْكَامِلُ صَنِيعُهُ. إِنَّ جَمِيعَ سُبُلِهِ عَدْلٌ. إِلهُ أَمَانَةٍ لاَ جَوْرَ فِيهِ. صِدِّيقٌ وَعَادِلٌ هُوَ)) [تثنية 32: 4]
((18وَلِذلِكَ يَنْتَظِرُ الرَّبُّ لِيَتَرَاءَفَ عَلَيْكُمْ. وَلِذلِكَ يَقُومُ لِيَرْحَمَكُمْ،)) [إشعياء 30: 18]
# قصّة قاضيين
لنشرح الأمر بصورة أخرى، تخيلوا أنّ هناك قاضيين، كل قاضٍ منهما على طرفي نقيض عن الآخر. القاضي مطلق الرحمة يعفي الجميع من جرائمهم وأخطائهم وذنوبهم. أمّا القاضي مطلق العدل، من جهةٍ أخرى، يحكم على الجميع كلٌ حسب ما يتناسب مع جريمته.
الآن تخيّلوا أنّ هذين القاضيين مجتمعان في شخصٍ واحدٍ. كيف يمكن لقاضٍ واحدٍ أن يعفو وأن يحاكم في الآن معاً؟ إذا كان الله يتمتّع بصفات مطلقة وكلية ويعمل على أساسها، عندها لن يقدر على القيام إلا بواحدةٍ منها دون الثانية.
قد تخرجنا الديانات الرئيسية _وبخاصة المسيحية والإسلام_ من هذا المأزق كما يتصوّر البعض، وذلك عن طريق افتراض وجود شخص يشفع لنا عند الله ليسامحنا على آثامنا وذنوبنا كمحمد الذي يشفع لأمّته يوم القيامة، أو شخص يدفع مسبقاً الثمن على أخطائنا وذنوبنا كيسوع المسيح!... لكن كيف حدث وأن قامت هذه الصفقة، فلا أحد يدري.
لنأخذ حالة يسوع على سبيل المثال، إذ أنّ التراث الإسلامي يخبرنا أنّه يكفي أن يشفع لنا محمد عند الله يوم الحساب حتى ندخل الجنة، أمّا حالة يسوع فهي حالة فريدة وتتضمّن عذاباً وألماً جسدياً حتى يتمّ الخلاص.

لكنّ فكرة الخلاص بحدّ ذاتها تتضمّن على تناقض خطير، فطالما أنّ الله قادر على كل شيء، لماذا هو بحاجة لكل هذه التمثيلية الغريبة حتى يصفح ويفعو عنا، ولماذا يريد شفيعاً يشفع لنا عنده يوم القيامة. أليس بمقدوره أن يشطب لنا سيئاتنا وذنوبنا بطرفة عين منه وانتهى الأمر؟
ثم هناك نقطة أساسية أخرى، إذا كانت رحمة الله مطلقة فهاذ يعني أنّه بإمكانه أن يغفر للشيطان نفسه وأن يرجعه إلى الجنة، هذا الشيطان الذي عصاه وألّب عليه خلقه منذ خلق الأرض وتحدّاه وسخر منه وتمرّد عليه، بإمكانه أن يعفو عنه بكل بساطة، فما بالكم بالملحد الذي لم يؤمن بوجوده، ذلك المخلوق المتواضع والضعيف... ألا يقدر على المغفرة له هكذا ومن دون أي شفيع أو مخلّص؟!!!!!!
لهذا أنا في الأساس لا أؤمن بالله، لكن عندما كنت ما أزال مؤمناً لم أكن أعتقد حقاً بصواب ومنطقية فكرة رحمة الله وعدله مجتمعين، فطالما أنّه عادل "بالمطلق" هذا معناه أنّه لايقدر أن يكون رحيماً بالمطلق، وطالما أنّه رحيم فهذا يحول دون كونه عادلاً بالمطلق.
الفكرة هنا أننّي عندما ناقشت أحدهم بهذه الفكرة، أشار بأنّ الله "محبّة"، وأنّنا لانستطيع حصره بصفتي العدل والرحمة، فهما صفتان من صفاته، لكنه بالأساس "محبة"!!! فالله ليس محب فحسب، إنّما هو محبة ((الله محبة)) [1يوحنا 4: 16] وهذا ما ذكرني بمقطع جورج كارلين. ويبقى التناقض...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول موظفة يهودية معيّنة سياسيا من قبل بايدن تستقيل احتجاجا ع


.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على




.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah