الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديوانية المدينة التي التصقت بذاكرتنا

نبيل عبد الأمير الربيعي
كاتب. وباحث

(Nabeel Abd Al- Ameer Alrubaiy)

2015 / 2 / 5
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات




الكتابة عن روح مدينة الديوانية بحاجة إلى من عرف أزقتها وذاق طعم أيامها وملأ رئتيه بعبق أريجها وحرارة أيام قيظها وامتلأ صدره بترابها . توثيق حياة المدينة والأشخاص والبيوت والمقاهي والدكاكين والشوارع ، قد يبدو للوهلة الأولى عملية سهلة وممتعة لكنها سرعان ما تكشف عن مشكلات الذاكرة في خريفها وأسئلة التأريخ القريب وصعوبات الحضور الفعلي , ناهيك عن مفردات الحياد والأمانة والصدق في توثيق الصراعات والتناقضات التي تسم الحياة اليومية للمدين , من المؤلم لمدينة الديوانية بعد أن حولتها الحروب وسنوات الحصار إلى مدينة خربة لا تتطور بشكل واضح ولا تتخلف ، لا تشرق ولا تغيب بل هي مدينة ساكنة تنمو ببطء شديد ناثرة الهدوء والبساطة على وجوه أبناءها .
الديوانية تشبه القرية الكبيرة , , لكن المدينة يسودها الفقر والأمية والإهمال من لدن السلطات المتعاقبة على العراق تكاد تكون الشفاهة هي بوابة النشاط الإنساني والثقافي فيها على الرغم من انتشار التعليم وظهور الكثير من الأسماء اللامعة في دنيا الثقافة المكتوبة من أمثال البروفسور والناقد عناد غزوان ، البروفسور ميثم الجنابي ، الروائي علي عبد العال ،الروائي سلام إبراهيم , القاصة ناهدة جابر جاسم ، والأديب والناقد ثامر الحاج أمين ، والكاتب والروائي زعيم الطائي ، والكاتب كريم عبد ، والكاتب والباحث والقاضي زهير كاظم عبود وغيرهم .
الديوانية المدينة الهادئة والأ ليفة , والسائر في شوارعها وأزقتها لا يحتاج إلى خارطة أو دليل ليشق طريقه ويتعرف على النهر والبشر، لكن من الممكن توثيق ذلك حتى إن كان من عامة الناس أو من صعاليك المدينة ومجانينها , و من قبل رجل الدين المعمم وشيخ العشيرة ، البعثي والشيوعي، الفقير والغني إلا أن الطابع اليساري كان هو الغالب على الأحداث والشخصيات ولا أظن أن في الأمر مبالغة أو دعاية من نوع ما ولكن هذا هو واقع حال الفرات الأوسط في منتصف القرن العشرين .
حكاية مدينة الديوانية فيها سيلاً من الحوادث والمعلومات والأمكنة والقصائد والأزياء , موزعاً بينها عشرات الأسماء لأساتذة وشعراء وسياسيين وبسطاء ومجانين وسكارى ، حيث نسجت تفاصيلهما عبرَّ قرون من علاقة الإنسان بالمكان. فهو يلتقط دراما شخوصه من الفقراء والمناضلين والسكارى ، ليرسم ملامحهم ويخطط أماكنهم ويبرر أفعالهم وحماقاتهم ونزواتهم كجزء من حياة المدينة ونسيجها الاجتماعي إن كانوا شيوخا للخزاعل والأكرع والمياح أو سياسيين مثل ساجد حمادة وهادي أبو ايدية وناصر عواد وعبدلله حلواص أو ناصر حسين أو عدنان عباس أو كاظم فرهود أو فيصل مشهد أو فوزية السماك , أو صعاليك كالعبدو وعبد اللي ودكتور شناوة , أو شعراء ومجانين وصنايعيه وقصابين لم نعرف الكثير عن حياتهم .
وليس غريبا أن لا نعرف بعض الأسماء أو نجهل بعض المعلومات فأغلبنا لا يعرف أن مدينة الديوانية كان أسمها سابقاً " لملوم ومن ثم الرماحية و الحسكة" قبل أن تقرر قبيلة خزاعة المشهورة بناء "ديوانية الخزاعل " عام 1747م , لاجتماعهم ولقاءهم بضيوفهم ثم اختط الناس لهم دورا حول مضيف الخزاعل سرعان ما توسعت مع مرور الزمن ، وبناية متصرفية الديوانية التي بناها الأتراك ثم أعادت بنائها الحكومة المحلية عام 1934 على شكل قلعة حصينة ما زالت قائمة حتى اليوم.
أن من يكتب أوراق وذكريات المدينة بحاجة إلى التنبيه واستعادة فصول الأسماء ، وبحاجة أيضا إلى المعاونة والاستذكار, ولا ننسى أماكن أخرى كدور البغاء والغجر حيث كان لحضورهم تأثير في نسيج وثقافة المدينة ودورهم في إطالة ليلها وتنويع أشعارها وترديد طور" اللامي" عند أمهاتنا الحزينات القابعات في بيوتهن .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة