الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما المفهوم الدقيق للحداثة؟

رواء محمود حسين

2015 / 2 / 5
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



يؤكد تورين أن فكرة الحداثة، في شكلها الأشد تواضعاً والأكثر صلابة، عندما تحددت بتدمير النظم القديمة، وبإنتصار العقلانية، قد فقدت قوتها في الإبداع والتحرر، ولا تستطيع الصمود أمام القوى المتعارضة مثل الدعوة لتحرير الإنسان وصعود العنصرية والإختلافية. ويبين تورين أن نقطة الإنطلاق في كتابه: " نقد الحداثة"، مع الأخذ بالإعتبار رفض العودة إلى التراث والجماعة، البحث عن تحديد جديد للحداثة وتفسير جديد أيضاً لتاريخ ( نا ) الحديث الذي غالباً ما يختزل في المسار التحريري والضروري لصعود العقل والعلمنة. مع ذلك فلا يمكن تعريف الحداثة على أنها العقلنة فقط، وإنما كتيار متدفق من التغييرات يروج لمنطق السلطة ولتصلب الهويات الثقافية، عندها لا يصبح واضحاً أن الحداثة تتحدث أساساً بهذا الأنفصال المتنامي بين العالم الموضوعي، الذي خلقه العقل باتفاق مع القوانين الطبيعية، وبين عالم الذاتية، الذي هو عالم الفردية، أو تحديداً عالم الدعوة إلى الحرية الشخصية؟ لقد مزقت الحداثة العالم المقدس الذي كان إلهياً وطبيعياً من جانب، وشفافاً ومخلوقاً من جانب آخر. ولم تحل محله عالم العلمنة والعقل، والحداثة حين ردت الغايات الأخروية إلى عالم لا يستطيع الإنسان أن يبلغه، فرضت الإنفصال بين ذات هابطة من السماء إلى الإرض متخذة مظهراً إنسانياً، وبين عالم موضوعات تتلاعب به التقنيات. يقرر تورين أن الحداثة قد أطاحت بوحدة عالم خلقته الإرادة الإلهية، أو العقل أو التاريخ وحلت محله العقلانية وتحقيق الذات الإنسانية. ويبين تورين بوضوح شديد أن هدف كتابه: " نقد الحداثة" هو عرض إنتصار المفاهيم العقلانية للحداثة رغم تصدي الثنائية الدينية المسيحية لهذه المفاهيم، هذه الثنائية التي تبث الروح في فكر ديكارت وفي نظريات الحق الطبيعي وإعلان حقوق الإنسان ( الآن تورين: " نقد الحداثة"، ترجمة أنور مغيث، المجلس الأعلى للثقافة، مصر، 1997 م، ص 23 – 24).
والسؤال الذي يطرح في معرض نقد تحديدات تورين للحداثة هو: كيف يمكن لتورين أن يجزم أن هذا هو المفهوم الذي تحدد به الحداثة؟ في حين اتجه فلاسفة آخرون بمستوى يورجن هابرماس وبالتحديد في كتابه: " القول الفلسفي للحداثة" أن الحداثة مشروع لم ينجز بعد. يشير هابرماس إلى استقبال ألمانيا للفلسفة البنيوية الفرنسية الجديدة، والتي احتلت جوانبها أهمية في ذهن الجمهور، وكذلك الأمر بالنسبة لتعبير ( بعد – الحداثة ) الذي أطلق في منشور ليوتار، ولهذا فإن التحدي الذي يشكله نقد العقل الذي قادته البنيوية الجديدة يحدد زاوية الرؤية التي يحاول هابرماس من خلالها إعادة بناء القول الفلسفي للحداثة منذ نهاية القرن الثامن عشر، هذا القول الذي جعل من الحداثة موضوعاً فلسفياً. إن القول الفلسفي للحداثة يتقاطع مع القول الجمالي في جوانب عديدة ( يورجن هابرماس: " القول الفلسفي للحداثة"، ترجمة د. فاطمة الجيوشي، دمشق، 1995 م، ص 5 – 6).
إذن لا يمكن التوافق مع تورين في أن المفهوم الذي عرضه للحداثة نهائي ومكتمل وقطعي. هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فالمتفحص لأفكار تورين حول الحداثة يلاحظ أن مفهوم الحداثة عند تورين مبني بالدرجة الأساس على ( القطيعة ) مع المقدس والديني والتراثي من جهة، ثم أنه مرتكز على نقد ما يمكن تسميته ( بالمفهوم الأوربي حول المسيحية). إذاً هو ليس بمفهوم كوني بل هو مفهوم لأحد المفكرين الأوربيين، تورين، وليس كل الفكر الأوربي حول الحداثة، وبالتالي هو مفهوم ( محلي أوربي ) وليس مفهوماً ( كونياً ) بحيث يعمم على الأنماط الحداثية الأخرى للبنيات الثقافية في أماكن أخرى من العالم.
يكشف هابرماس عن ( مركزية الفكرة الأوربية ) من خلال العودة إلى مجموعة الدراسات في سوسيولوجيا الدين عند ماكس فيبر وقد كرس حياته كلها لهذه القضية، وهي: لماذا لم يتجه التطور العلمي والسياسي والفني والإقتصادي إلا في أوربا على دروب التعقيل الخاص بالغرب؟ كما إن وجود صلة داخلية لا يمكنها أن تكون محض جواز بين الحداثة وبين ما كان يسميه ب ( العقلانية الغربية ) كان ولا يزال أمراً مفروغاً منه. فك السحر، حسب وصف فيبر، مع ما تلاه من تفكيك التصورات الدينية للعالم تفككاً أوجد في أوربا ثقافة لا دينية هو عملية عقلانية. فالعلوم التجريبية الحديثة، والفنون، والنظريات الأخلاقية والتشريعية أصبحت مستقلة. ويرى هابرماس أن هذه القطيعة تقطع الصلة الداخلية بين الحداثة والإستمرار الداخلي للعقلانية الغربية، بحيث يصبح من الممتنع فهم عمليات التحديث بصفتها عمليات تعقيل، أي بوصفها التاريخ الموضوعي للبنى العقلانية ( هابرماس: نفسه، ص 7 – 9).
والسؤال الذي يطرح أيضاً: هل يتعين على الحداثة من أجل أن تكون حداثة أن تكون مبنية على القطيعة مع ما هو مقدس وتاريخي؟ والسؤال الأهم: الأ يمكن أن تكون الحداثة مبنية على نظام التواصل بين المقدس والدنيوي، وبين الماضي والحاضر والمستقبل؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا استبعدت روسيا ولم تستبعد إسرائيل من مسابقة الأغنية -يو


.. تعليق دعم بايدن لإسرائيل: أب يقرص أذن ابنه أم مرشح يريد الحف




.. أبل تعتذر عن إعلانها -سحق- لجهاز iPad Pro ??الجديد


.. مراسلنا: غارة إسرائيلية على بلدة كفركلا جنوبي لبنان | #الظهي




.. نتنياهو: دمرنا 20 من 24 كتيبة لحماس حتى الآن