الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تمّ إثبات نظرية التطوّر؟

إبراهيم جركس

2015 / 2 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هل تمّ إثبات نظرية التطوّر؟

((كلا، لم يتمّ إثبات أنّ نظرية التطوّر صحيحة))!!!!!
أغلب المؤمنين المتديّنين، وحتى الرافضين لنظرية التطور والمؤمنين بنظرية الخلق والتكوين، سيميلون لإنهاء هذه المقالة بالعبارة السابقة بين قوسين، لكن في الحقيقية، الوضع ليس بهذه البساطة كما يبدو. فالمجادلة ضدّ نظرية التطور من خلال القول بأنّها "غير مثبتة" أو "لم يتمّ إثبات صحّتها بعد" يظهر مدى جهل القائل بطبيعة العلم وعجزه عن الفهم، وآمل أن أتمكّن في هذه المقالة من تصحيحه.
صحيح أنّ نظرية التطور لم يتمّ إثباتها بشكلٍ قاطعٍ بعد _إذا كنا نقصد أنّها باتت قائمة كعلم قائم بحد ذاته بتعالى عن أي نقد أن تكذيب. من جهةٍ أخرى، يمكننا القول ذات الشيء عن النظرية الذرية، النظرية النسبية، نظرية الكم، أو أي نظرية من النظريات العلمية. والسبب في ذلك هو أنّ العلم لايتعامل مع براهين مطلقة، بل يتعامل مع البراهين بوصفها ميزاناً ذو كفّتين، ويراقب إلى اي جهة تميل إحدى الكفتين بموضوعية.
ولكي نعرف لماذا هذا صيحيح _ولماذا يجب أن يكون صحيحاً، تخيّل أنّنا علماء نسعى لتفسير ظاهرة ما في العالم الطبيعي. على أساس الأدلّة المتوافرة لدينا، يمكننا بناء فرضية محدّدة _أي ظن مهذّب زقائم على أساس معرفي_ يمكن تقديمها كتفسير لهذه الظاهرة. وإذا ظهرت براهين وأدلّة أخرى تدعم فرضيتنا، إذا كانت فرضيتنا قابلة للتجريب والتكذيب، وإذا كان بإمكاننا استخدام الفرضية للخروج بتوقّعات صحيحة ودقيقة... إذا كانت جميع هذه الخصائص مجتمعة وتنطبق على فرضيتنا، عندها ترتقي فرضيتنا إلى مستوى النظرية، ومع مرور الوقت، تتحوّل إلى حكمة علمية مقبولة بشكلٍ عام.
لكن كيف لنا أن نعرف أصلاً أنّ الفرضية الأصلية صحيحة؟ ماذا لو أنّنا أخطأنا منذ البداية، لكنّنا حصلنا على الجواب الصحيح بالصدفة المحضة؟ أو ماذا لو كانت المسألة تقريبية بالكامل، تعطينا أجوبة صحيحة بشكلٍ عام لكنّها تفشل في تقديم أجوبة دقيقة ضمن إطار الواقع كما هو؟ كيف لنا أن نتأكّد من أنّ الأمر ليس كذلك؟
الجواب طبعاً هو أنّنا لا نستطيع التأكّد من ذلك. لهذا السبب نلاحظ أنّ النظرية العلمية، ومن بينها التطور، لا تعتبر أنّها نظرية مثبتة تماماً. وكلّما تراكم المزيد من الأدلّة الداعمة للنظريةـ كلّما ازدادت ثقتنا بها. في النهاية، سنصل إلى مرحلة حيث تصبح كمية الأدلّة الداعمة للنظرية هائلة جداً وضخمة وواسعة للغاية، أدلّة طاغية لامجال للشك فيها، لدرجة أنّ أيّة محاولات للطعن فيها أو التشكيك في صحتها ستكون بائسة وغير مجدية. هذه هي الحال مع نظرية التطور، كما هي حال النظريات العلمية الأخرى، كالنظرية الذرية للمادة، أو نظرية الصفائح التكتونية، التي تشكّل أساس وعماد العلم الحديث. إنّها ليست براهين نهائية مطلقة. ولا حتى أكثر النظريات العلمية المؤكّدة بأقوى الأدلّة والبراهين تعتبر مطلقة وخارج نطاق النقد وإعادة النظر، إذ يمكن في أي وقت أن يظهر دليل جديد قد يقلب تلك النظرية رأساً على عقب. ونحن لا نملك أي طريقة لنعرف أنّ هذا سيحدث في المستقبل، وما علينا سوى التسليم بحقيقة أنّ لا يوجد حقائق مطلقة، بل أنصاف حقائق، وأنّ العلم ذاتي التصحيح.
لكن هذا لايعني أنّ نظرية التطور غير مؤكّدة أو غير دقيقة أو غير مثبتة. بالعكس تماماً، إنّما هي نظرية راسخة وثابتة تماماً، مؤكّدة ومدعومة من خلال كميات هائلة من الأدلة والبراهين التي تمّ جمعها من جميع أصقاع العالم وعلى مر مئات السنين من البحث والدراسة والتنقيب والتجريب والملاحظة. وخلال كل ذلك الوقت، لم يظهر ولو دليل واحد يتناقض مع أي جزء من أجزاء هذه النظرية.
داخل المجتمع العلمي، لم تعد نظرية التطور محلّ جدل ونقاش أو موضع تشكيك كما يحلو للبعض القول، بل تعتبر أنّها حقيقة تقريباً، حقيقة علمية ومفروضة مثلها مثل نظرية الجاذبية. وفي حين أنّه من غير الممكن إثبات صحّـها بشكلٍ مطلق، إلا أنّها اقتربت من تحقيق هذه المنزلة إلى حدٍ كبير كأي نظرية علمية محتملة. والهجوم على نظرية التطور من خلال القول عنها أنّها "مجرّد نظرية غير مثبتة" غير دقيق وقائم على معرفة غير دقيقة فيها أو بطرق سير العلم وكيفية عمله. وهناك قول كثيراً ما يتردّد في بعض الدوائر العلمية: ((الدليل ينحصر على الرياضيين واختبار فحص الإدمان على الكحول))

إبراهيم جركس 2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 180-Al-Baqarah


.. 183-Al-Baqarah




.. 184-Al-Baqarah


.. 186-Al-Baqarah




.. 190-Al-Baqarah