الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوهم المقدس

محمد صلاح سليم

2015 / 2 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يُحكى أن قوما ظلوا آلاف السنين يؤمنون بحكايات إيزيس وأوزوريس وانتقام حورس والتاسوع المقدس ويدينون بذلك الدين على أنه الدين الصحيح والحق المجرد ثم تبين لأحفادهم بعد زمن طويل أن كل ذلك مجرد أساطير.
هؤلاء القوم هم شعب وملوك مصر القديمة "كيميت" وهذا الدين هو الدين المصري القديم الذي كان من أهم أعمدة الحضارة المصرية القديمة, فقد كان الدين المحرك الأساسي للسلوك الإنساني والمجتمعي في مصرالقديمة ومصدر التنظيم والتشريع, وموزع الأدوار ومُحدد الطبقات (ملوك,كتاب ومسؤولون,كهنة ونبلاء, فلاحين وعبيد ...)
وقد ظل هؤلاء البشر يتعبدون بإخلاص ويقدمون القرابين لآلهتهم لفترة زمنية أطول من عمر الديانات الإبراهيمية المعروفة وبُنيت المعابد وكُتبت الكتابات ونُقشت النقوش للتأصيل لماهية الدين والقوانين المستمدة منه مثل قوانين ماعت وأساطير البعث والحساب والمحاكمة مثلما نجد في كتاب الموتى وتحكم الدين في أغلب الممارسات إن لم يكن كلها وحتى التقدم والعلوم التي أدهشت العالم بعد مرور فترات زمنية بل عصور طويلة قد استمدت كينونتها وأسباب وجودها من الدين والعقيدة مثل بناء الأهرام, والتحنيط وغير ذلك.
وبالنظر إلى الحضارات الأخرى مثل الحضارة الإغريقية فإننا نرى كم كانت الميثولوجيا والأساطير في اليونان القديمة محورا هاما وثقافة أصلية فقد كان الشعب الإغريقي يبجل الآلهة مثل زيوس وهيرا وبوسيدن وغيرهم وكُتبت الأساطير والمعجزات ودونت وتناقلت عبر الأجيال وتم مزج بعض الحقائق بالأساطير والبطولات بالخيال كما في الإلياذة لهوميروس.
وفي الحضارة السومرية القديمة يُعتبر الدين من أقدم الأديان الموثقة كتابيا وقد قدس السومريون الآلهة و نسجوا الأساطير عن بداية الخلق و بعض الملاحم مثل "ملحمة جلجامش" ومن المعلوم مدى تأثير تلك الحضارة علي تشكيل وصقل الدين الإبراهيمي لاحقا لاسيما التوراة وقصصها.
وكذلك عند النظر في الدين لدى حضارة المايا فإننا نجد أنه كان للدين دورا كبيرا على معظم جوانب الحياة اليومية للمايا، كان لكل يوم في السنة أهمية دينية خاصة، وتكمن أهميته في الزراعة، الاحتفالات العامة، وفي الفن والثقافة. وكانت أهميته كبيرة جدا للسيطرة على الحياة السياسية.
والعجيب أن تلك الحضارات السابق ذكرها قد تركت لنا معظمها العديد من مختلف الكنوز والثقافات في شتى المجالات مثل: الفنون والآداب والأخلاق والقوانين والآثار والمنحوتات والتماثيل والعلوم والفلسفة والأفكار والسياسات وطرق الحكم, لكن يطرأ علي الذهن بعض التساؤلات ومنها:
.. هل كان يؤمن شعوب تلك المناطق المختلفة أو علي الأقل معظمهم بأن دينهم هو دين الحق أو معتقداتهم المتعددة, وأنه ليس مجرد وهم وخرافات وأساطير؟
.. هل قوة معتقدهم وتأثيره في الحياة السياسية والاجتماعية والحضارة وخلود آثار بعض الحضارات تلك علي مر العصور يُعتبر إعجازا علميا يثبت صحة دين مثل الدين المصري القديم مثلا؟
.. هل هم مختلون عقليا لم يعرفوا شيئا عن المنطق والتفكير السليم حتى يعتقدون ببعض المعتقدات الوثنية؟ أم إن من سيأتي بعدنا بألف عام مثلا سيرانا بنفس العين وينظر إلينا بنفس النظرة علي أن أدياننا التي نلقبها "بالسماوية" ماهي إلا تراث إنساني لا يزيد عما سبقه من أديان أخذت قرونا عديدة يُنظر إليها في عين معتنقيها أنها لاتقبل الشك؟
الذي أهدف إليه ليس منح اجابات جاهزة للقارئ ولا أسعى أن أظهر أدلة بطلان أو صحة المعتقدات التي تحويها الأديان الإبراهيمية, ولا أنفي عنها صحتها ولا أثبتها, لكني فقط أحاول أن أسلط الضوء علي أهمية البحث, وضرورة أن يفترض الانسان ولو مرة أنه علي خطأ حتى يصل إلى الصواب والمعرفة, فانت لست مميزا ولست وحيدا تدعي أنك دون السابقين والآخرين قد هداك الإله إلى الحقيقة المطلقة, ولست أيضا وحدك من تزعم انك تمتلك الأدلة العقلية والعلمية علي صحة دينك ومعتقدك, بل الحق أقول لك إن بلايين البشر يعتقدون نفس اعتقادك عن دينهم من الأولين والحضارات العتيقة ومن المعاصرين في شتى بقاع الأرض.
فالباحث في تاريخ الأديان يرى بوضوح كيف كان السابقون يقدسون الوهم وتقوم وتفنى حياتهم في نصرة هذا الوهم .. فأنت لن تختلف معي ولا مع أي أحد – أعلمه – في العالم حين أقول لك أنه لاوجود للإله أوزوريس أو حورس ناهيك عن عشتار وبعل وهيرا وزيوس ..إلخ
ربما تضحك كيف سولت لتلك الشعوب أنفسهم أن يأسرهم الإيمان بتلك الخرافات ولكنك إن بحثت بموضوعية ستجد أنه كان لديهم من الشواهد والأدلة والمحركات والدوافع لاتقل عما لديك, لكنك فقط تنظر من منطلق رأيك وبيئتك ومنطقتك الجغرافية أكثر مما تنظر بعين البحث الموضوعي.
من حقك أن تؤمن بأي دين وأي عقيدة لكن لابد لك أن تقف لحظات مع النفس, وتسأل نفسك بقوة: هل أنا أقدس وهما؟
والاجابة ليست سهلة ولن تجدها إلا بالبحث الموضوعي, حين تضع معتقدك الموروث لوهلة جانبا – أيا كان معتقدك – وتبحث في أصوله وأين وكيف ومتى نُسجت حكاياته ورواياته؟ ومامدى منطقيتها ومعقوليتها وماالدليل علي صحتها؟
ربما يفنى عمرك كله, وتمر حياتك, وتنشأ وتنضج, بل تُعذب نفسك وتضر وتحارب غيرك وأنت تؤمن وتُقدس معتقدا ودينا ما ولاتشك لحظة فيه ويكون لديك من وجهة نظرك الأدلة والمبررات!
لكن هذا كله ليس معناه انك تملك الحقيقة ولايمنع أنك ربما لا تُقدس إلا الوهم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من وهم الى وهم
صلاح البغدادي ( 2015 / 2 / 9 - 12:51 )
ذكرني مقالكم الكريم ببيت شعر لعبقرية العرب ابو العلاء المعري:
ستقول ناس ماقريش ومكة......كما قال ناس ما جديس وما طسم
وجديس وطسم من القبائل العربيه البائده..وهكذا من وهم الى وهم وسيآتي قوم بعدنا ويقولون عنا لقد كنتم في وهم،الفرق هناك وهم انتج حضاره وموسيقى وعمران(مصر،بابل،الصين ،روما) وهناك وهم انتج الذبح وقطع الرؤس والمفخخات ...تحياتي الى الكاتب

اخر الافلام

.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في


.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج




.. 101-Al-Baqarah


.. 93- Al-Baqarah




.. 94- Al-Baqarah