الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفيلا في وسط الغابة –الياكيم، باراك، أوباما و التاريخ.

نضال الربضي

2015 / 2 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الفيلا في وسط الغابة –الياكيم، باراك، أوباما و التاريخ.

كتب الياكيم هعتسني في يديعوت، تحليله عن حديث الرئيس أوباما في مناسبة "إفطار الصلاة القومي" و هو حدث سنوي يجتمع فيه قادة الولايات المتحدة (الرئيس، ممثلو الأحزاب) و قادة دوليون لمدة ساعة مخصصة للصلاة و التفكير، حيث استوقفه كلام أوباما عن تاريخ اشتركت فيه المسيحية في أعمال الحرق باسم المسيح، ليخرج إلياكيم باستنتاجه المطابق لاستشهاده بإيهود باراك الذي وصف التحضر و السلام و الحضارة عبر التاريخ بأنها "فيلا في غابة"

استوقفني مقال السيد إلياكيم فوجدت نفسي أعود لحديث الرئيس أوباما و المنشور على اليوتيوب، فوجدت أننا نستطيع تلخيصه في النقاط التالية:

- الإرهاب مُدان و مرفوض.
- المسلمون ليسوا إرهابين.
- بعض المسلمين مثل داعش إرهابيون.
- في العصور القديمة كل الأديان قامت بفظاعات تشبه فظاعات داعش أو تفوقها.
- لذلك يجب علينا أن نعمل معا ً من خلال الإطار الديني لمحاربة الإرهاب. (استعمل الرئيس أوباما جملة God Compels Us و هي جملة معناها الدقيق: الله يريد منا، يطلب منا، يجبرنا، يحدونا، يشجعنا، يدفعنا(.

تلقى الأمريكيون موقف الرئيس و كلمته بطرق مختلفة فاللادينيون و المسيحيون المعتدلون وافقوا على كلامه و رأوا فيها صوابا ً و حكمة ً و مصداقية ً أيضا ً، خصوصا ً أن أمريكا تقود الطلعات الجوية على تنظيم داعش و التي اقتربت من خمسة آلاف طلعة جوية (كان للأردن منها نصيب ألف طلعة) كبدت في مجموعها داعش سبعة آلاف قتيل و خسر فيها عشرين بالمئة من قوته القتالية،،،

،،، بينما وقف المحافظون و المتطرفون على الطرف الآخر ينتقدون إحياء ماض ٍ سحيق لا شأن له بالحاضر و لا يؤثر عليه أو يحكمه، خصوصا ً و أن المجتمعات الحالية قد رفضت بشاعته و أصبحت قوانينها و دساتيرها ضمانا ً للعلمانية ِ التي لا يمكن أن تتكرر فيها هكذا مخازٍ و بشاعات و أدانه أصحاب ُ الدين بأنفسهم،،،

،،، في حين يتفق الطرفان المعتدل و المتطرف بأن هذه البشاعات لم تكن يوما ً في جوهر التعليم المسيحي لكن خارجة ً عن إطاره الأخلاقي بالكامل، و أتت نتيجة ً لمزج الدين بالسلطة و المال، كشأن ما نجد اليوم في حركات الإسلام السياسي التي يجب أن تتعلم من التاريخ الإسلامي نفسه و من تاريخ الأمم الأخرى التي أصلحت من شأنها.

و في السابق حديث ٌ كثير، أجد أنني أتفق فيه مع كل النقاط التي قدمتُها تلخيصا ً في الأعلى مع تحفظي على النقطة الأخيرة التي يرى فيها الرئيس أوباما ضرورة العمل من خلال الإطار الديني بينما أرى أن الإطار الديني هو خيار أصحاب الدين و لهم أن يعملوا فيه، لكن بتضافر ضروري و لا استغناء عنه مع الإطار اللاديني و الذي تمثله شريحة ٌ تبلغ من 15 إلى 20 بالمئة من مجموع سكان العالم، و تزيد لولا مخاوف الكثيرين من الخروج للعلن بلادينيتهم في مجتمعاتهم.

غير أنني أود التوقف عند نقطة محددة و هي التي ذكرها السيد الياكيم أي: "الفيلا في الغابة"، نعم التاريخ يشبه غابة كبيرة، مترامية الأطراف، كثيفة المكونات، شديدة السواد في أماكن، تتلظى فيها حاجات غريزية و بدائية، و ينتظر الكائن ُ القوي مرور من هو أقل قوَّة ً لينقض عليه، بل إن هذا القوي يرتحلُ بين الأرجاء و الأركان ِ و المساحات ِ و التقاسيم ِ في الغابة ليجد َ الأضعف َ فيفترسه و يبني مجده و حضورَه ُ فوقه.

نعم، يبدو أن الحضارة َ و التقدم مثل ُ فيلا مبنية في وسط هذه الغابة، لا تُغني عن الوحشية ِ شيئا ً، و لا تحمي إلا ساكنيها، فإن فكَّروا في الخروج - و خرجوا - فهم على مسؤوليتهم الخاصة، سيجدون من حيث لم يحتسبوا ما لم يعلموا أو يدركوا وجودَه أو أخطأوا في تقدير أبعاد الموجود المعلوم، و هم في داخل "فيلتهم" السعيدة.

يحضرني من قراءاتي مقولة جميلة لا يحُضر للآسف قائلها معها (فأنا ممن يقدمون المحتوى على ناقله و أجد أن هذا يساعدني في قبول المحتوى بدون تحيز، لكن طبعا ً لا يعفيني من أهمية التوثيق إلا أن موقف اليوم البسيط و توظيف هذه المقولة لا يستدعيان ذلك)، هذه المقولة يمكن تلخيصها بما يلي:

"إن أكثر الأشياء فظاعة ً ليست هي أكثرها إثارة ً للرفض (الاندهاش، التقزز، الاستنكار)"

بمعنى أن خبرا ً في جريدة ٍ عن زوج ٍ يهشم رأس زوجته بماسورة حديد ثم يقطع جثتها و يرميها للكلاب، سوف يثير غضبا ً شعبيا ً كبيرا ً جدا ً أكثر من خبر إلقاء طائرة لقتبلة على مدينة و مقتل ألف شخص ٍ مثلا ً!

إن خبر الزوج سهل التصور، يمكنك استدعاءُ العواطف ِ اليومية ِ المُرتبطة ِ به، و إدراك ُ أبعادِه كاملة ً و ربطها بنفسك و إسقاطها على عائلتك، و بالتالي ستقوم ُ برفضها الرفض الشديد القاسي الذي لا هوداة َ فيه و لا تفهُّم للدوافع، بينما خبر الطائرة التي تلقي القنبلة و تقتل الألف لن يثير فيك ذات المشاعر ِ بذات القوة، لأنك لا تُحيط ُ بأبعاده كاملة و لأنه ببساطةٍ بعيد ٌ عن حياتكِ اليومية غير ُ مرتبط ٍ فيك، أي لا يعنيك حتى لو خبراتيا ً أو تخيليا ً!

يبدو لي هنا أننا حينما ننظر إلى التاريخ على أنه صفحة ٌ بيضاءُ تتخللها نقاط ٌ سود، نتخذ ذات الموقف الذي اتخذناهُ من الطائرة ِ و قنبلتها و الألف قتيل ٍ فيها، و هذا لأننا لا ندرك أبعاد الصراع التاريخي المُستمر منذ انتصب الإنسانُ الأول و قاتل الوحوش بأظافره ثم بالحجارة ِ و العصيِّ الخشبية و النار ثم السلاح ِ حتى دولته الأولى البدائية ِ جدا ً على أعتاب الأعوام العشرة ِ آلاف الأخيرة قبل الميلاد.

منذ ذلك التاريخ إلى اليوم كان السواد هو السائد و ما البياض ُ إلا الاستثناءُ الذي كان يطولُ و يقصر، و هي الحقيقة التي تُعمينا عنها قدرتُنا على النسيان و التغافلِ و الرغبة ُ في اجتناب ِالألم و اكتساب ِ اللذة! و يكفي أن نعود في التاريخ ِ المكتوب للبابلين و الفرس و الفراعنة و اليونان و الرومان و العرب و الأوروبين و حتى الحربين العالميتين الأولى و الثانية لنُدرك صدق هذا.

لطالما آلمتني هذه الحقيقة ُ التي تقضُّ راحتي، حقيقة َ الشر و حتميته في هذا الكائن البيولوجي الغارِق ِ في دمائه ِ حتى و هي تجري في عروقه، و لطالما كثَّفت ُ من القراءة و المتابعة و التحليل بهدف ٍ مُسبق (و هذا خطأ أعترف به) لعلي أجد ما ينفي هذه الحتمية، إلا أنني أجد أن هذا الشرَّ لا بدَّ و أن يؤدي بالضرورة إلى مزيد ٍ من الانحدار الأخلاقي، و المجتمعي، و البشري، حتى يأتي اليومُ الذي سنرتدي فيه أقنعة ً لفلترة ِ الهواء حين نخرج ُ من بيوتنا، لأن مدى التلوث أصبح َ فوق َ ما تقدر ُ عليه رئتا الكائن البشري.

قد يبدو أنني ذهبت ُ بعيدا ً في تحليلي، لكنني أعتقدُ أنني ما زلت ُ منصفا ً فأنا أستشرف ُ مستقبلا ً بعيدا ً لا على مدى الخمسين او المئة عام ٍ القادمة لكن على مدى مئات ٍ من السنين، إن لم نفني أنفسنا قبلها.

أردت ُ أن أقول ُ في مقالي هذا أنني جميعا ً بشر، و إن لم نتوقف عن الاستعلاء على بعضنا، فإننا ننحدرُ نحو بوهيمية ٍ تمسخنا جميعاً و تصبغنا وحوشا ً توظف عقولها لتصبح بإبداع ٍ إنساني ٍ فريد: بلا عقول.

أردت ُ أن أقول أيضا ً أننا نصنع ُ تاريخنا بأيدينا و أنه يمكننا أن نكون أفضل و أن نمنع الكارثة و نمنع الخراب و نرتقي للأعلى، إن، فقط إن، أردنا، فهل نريد؟

من كان له عقل للفهم، فليفهم!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زيلينسكي: روسيا ليست حاضرة معنا لأنها غير مهتمة بالسلام


.. تصاعد دخان جراء قصف الاحتلال لمباني في رفح جنوبي قطاع غزة




.. اليمن.. عودة طريق تعز الحوبان للعمل بعد 9 سنوات من الإغلاق


.. إلياس حنا: الاحتلال يقاتل في بيئة معادية لا يعرف فيها سوى ال




.. مؤتمر سويسرا.. عملية السلام من دون روسيا لا يمكن أن تستمر| #