الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أحمد عبدالحسين مكي أنموذجا في العطاء

مفيد بدر عبدالله

2015 / 2 / 10
المجتمع المدني


منذ فترة ليست قليلة وانا افكر في كتابة كلمات تصف رجلا اتخذته أخا أو أبا يزيح عني الهموم، تنسم هواء ابي الخصيب وأستظل بنخيله، وارتوى من مياهه، حتى أضحى خصيبيا حد النخاع، طيب القلب عطوفا حليما معطاء، وكأن قدماه تحمل الطيبة وتسير بها على الارض، وهو السيد احمد عبدالحسين مسؤول الشعبة الزراعية في ابي الخصيب التي انتسب لها، لكني تريثت لحين اقتراب موعد احالته على التقاعد كي لا تساور بعض القراء الشكوك بصدقي ودوافعي النبيلة ويحسبون ما اكتب تملقا(رحم الله امرأ جب الغيبة عن نفسه)، أن قرب موعد احالته على التقاعد سبب لي الما كبيرا زاد بداخلي الرغبة في الكتابة، فالحاج احمد ليس مجرد شخص عابر نجح في ادارة الشعبة الزراعية لأعوام طويلة، بل هو عقلية فذة استطاع توجيه موظفيه بالوجهة الصحيحة وزرع عندهم حب العمل والتفاني من اجله دونما وعيد او تلويح بعقوبات.
حالة ترقب ممتزجة بالألم تتمالك جميع موظفي الدائرة، تتنامى كلما اقترب موعد وداعه، فلقد ترك خزينا هائلا من الذكريات الطيبة، أجملها العبارة التي يخاطب بها أكثرنا " بابا" تلك التي عادت تطرق سمعي للمرة الاولى منذ ان رحل والدي رحمه الله الى مثواه الاخير قبل عقد من الزمان، كم هي جميلة ودافئة تلك العبارة، تفجر بداخلي احاسيس كثيرة، قد احتاج لأعوام كي تمحى من ذاكرتي فكان الله في عوني، وعون زميلتي فاطمة ابنة الشهيد التي لم تر والدها، رحل عنها ولم تزل طفلة صغيرة لا تذكر من ايامه شيء رحمه الله، لكنها سمعت كلمة" بابا" للمرة الاولى من الحاج احمد.
أن السيد أحمد من القلائل الذين لم تتمكن منهم سلاطين الجاه والغرائز، فلا يحمل في قبله من الكبر شيء و يرى المنصب تكلف لا تشريف، فيما يجد آخرون في ابسط مسؤولية فرصة للتنفيس عن ما تحمله نفوسهم القذرة، فهناك قول مأثور يقول: اذا اردت ان تعرف معدن الرجل اعطه سلطة، فالسلطة لا تغير الأشخاص بل تكشفهم على حقيقتهم، فالبعض لا يتحمل ان يكون مسؤولا ولا يجد ذاته القذرة الا من خلال تجريح من هم في مسؤوليته، فقناع الخلق والوسامة عنده يصبح شيء من الماضي، ويكشف عن انيابه وملامحه القبيحة.
بالأمس القريب غادر شعبتنا الزراعية نجمان لامعان تركا في نفوس موظفينا جرحا غائرا لم يندمل حتى الساعة ( السيد اسحق، والسيد عبد الرحمن) وهما لا يقلان طيبة عن السيد احمد، كانا ملاذين وينبوعين من ينابيع الحكمة والخبرة الوظيفية لكن وجود السيد أحمد بيننا عوض جزءا من الفراغ الذي تركاه، لكن ما لا نحتمله أن ندخل يوما غرفته ولا نجده فيها، أن العبرات الان تصل ذروتها وانا اكتب هذه العبارات، وقد يستغرب البعض، وليكون لكلماتي وقعها في نفس القارئ الكريم لابد من التحدث عن بعض ما يحمله من مزايا: سافرت معه قبل عام بإيفاد حكومي الى تركيا "والسفر يكشف معادن الناس ويظهر أخلاق الرجال"، ففي 15 يوما أمضيناها بين إسطنبول وغازي عنتاب وكهرمان مراس، لم افارقه ساعة واحدة، كنت احسب نفسي كريما لكني وجدت كرمي يضمحل امام كرمه، لم يكن يرضى بغير صدارة العطاء معي و الاخرين، في غرفة الفندق كان يقضي اكثر الليل قائما يصلى تارة ويقرا القران والادعية تارة أخرى، لم ينس أن يصل رحمه بالسؤال عنهم – حتى الاباعد منهم- ولم يكن يأبه لفواتير المكالمات الدولية الباهظة، هذه الافعال وغيرها لا يتسع المقام لذكرها زادني محبة واحتراما له واتسع هذا الحب ليشمل انتمائه، فهو بحراني الاصل والمنبت.
نسبت قبل عام مسؤولا عن اعلام الشعبة الزراعية، هذا الموقع اتاح لي فرصة مرافقته في جولاته وهو يتفقد بساتين ابي الخصيب، ما كان يلفت انتباهي في كثير من الاحيان انفعالاته التلقائية، يحزنه موت عصفور أو عطش شجرة، فيما تبرق عيناه فرحا حين تقع على أحد البساتين العامرة المخضرة. فيقول عنه مزارعو ابي الخصيب : أن اقصر واسرع طريق لتنفذ لقلب الحاج أحمد هو أن تبرهن له على انك ترعى النخلة وتعطيها حقها.
ختاما لا يسعني الا القول: وفقك الله ورعاك يا "بابا أحمد".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني


.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط




.. خالد أبو بكر يرد على مقال بـ -فورين بوليسي-يتهم مصر بالتضييق


.. جامعة كولومبيا: فض اعتصام الطلبة بالقوة واعتقال نحو 300 متظا




.. تقارير: الجنائية الدولية تدرس إصدار أوامر اعتقال بحق قادة من