الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وهم الاعتدال الإسلامي

ميثم محمد الحلو

2015 / 2 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من الملاحظ أنّ في معظم الأديان فرزٌ واضحٌ بين أتباع الدين وبين الآخرين (أولئك الذين لا يؤمنون أصلاً وأولئك الذين لديهم إيمانٌ آخر). وفي الوقت الذي تتحد الأديانُ عرفيّاً في مواجهة خطّ عدم الإيمان.. تسعى معظم الأديان إلى إزاحة المؤمنين بإيمانٍ آخر الى ما بعد ذلك الخطّ الافتراضي الذي يفصل بين الإيمان والإلحاد.. ففي النهاية لا يتّسع التسامح في الغالب ليشمل أكثر من إيمان.. فالتفريق الواقعيّ يحتّم أنّ حكم الدين الواحد على البشر يتضمن تمايزاً عملياً يصادر حريّة اختيار نوع الإيمان. أو بعبارةٍ أخرى يتلاشى مفهوم الإيمان العام بخصوصيات المصداق فيكون المصداق هو المفهوم والإيمان بمصداقٍ مخالف ينقلك الى مفهوم آخر وإن كنت لا تتبنّاه حقيقةً هو ( عدم الإيمان أو الإلحاد).
هذا هو الواقعُ الفاعلُ في التاريخ في ظلّ المنهجيات القديمة التي كانت تبحثُ عن حقيقةٍ واحدة لا غير ولا يمكنها تخيّل تعدّد الحقائق..
ولو تجاوزنا بعض أديان شرق آسيا وبعض الفرق الغنوصيّة والباطنيّة والصوفيّة نجد التكفير سمةً فاعلة في معظم الأديان.
تتفاوت الأديان في فهمها للتكفير ولوازمه وتوابعه ومقتضياته.. ففي بعضها هناك مجال واسع للتسامح الديني كالذي رأيناهُ في مجتمع الجزيرة العربية قبل الإسلام.. حيث كانت اليهوديّة والمسيحيّة حاضرةً بقوة بالإضافة إلى الوثنية العربية الشائعة.. ورغم الصراعات المختلفة في هذا المحيط البدويّ التعدديّ لم يكن هناك صراعٌ ديني.
وفي البعض الآخر يأخذ التكفير شكل العنف المفرط والدعوة الى الاستئصال.
التسامحُ بين الأديان في معظمه لا يتعدّى الغفران المتعالي.. التنازل عن المعايير لقبول الآخر دون إدخاله في دائرة الحقّانيّة الضيّقة.. هو نفيٌ آخر من الوجود والسماح ُ له بالتواجد بعيداً في أمان.. وليس ذلك من الإنسانيّة الحقّة في شيء. فالإنسانيّة اليوم تبتني على قبول الآخر كما هو.. مع غضّ النظر عمّا يعتقده أو يفكّر به. لكن يبقى هذا التسامح هو أقصى ما نطمح له في حمأة التثقيف بالكراهية وسجالات الدم.
عندما يتعلّق الأمرُ بالدين ينشطر العالم الى شطرين ( أنا والآخر) فتارةً تعبّر الحركات الأصوليّة المتطرّفة على لسان ( بن لادن) مثلاً الى فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر وأحياناً الى دار هجرة ودار حرب.. والغريب أن ذات النفَس في الخطاب نجده في خطاب صقور المحافظين الأمريكيين المشوب بإيمانٍ محافظ عندما قسّم جورج بوش الإبن العالم الى محور خير ومحور شرّ.
ومع غضّ النظر عن هذه الثنائية الساذجة التي تتضمن فيما تتضمن ما لا يخفى من التأطير والتنميط الذي يحتفل بالاختلاف في سياق الحرب أو التحريض عليها لا في سياق قبول الآخر.. فإنّ الأديان إن صرّحت أو لم تصرّح تتضمن تكفير الآخرين بالدلالة الالتزامية.
يقول نصر حامد أبو زيد في سياق تشكيكه في جدّية التفريق بين المعتدل والمتطرف في كتابه نقد الخطاب الديني:
( الحقيقة أن الفارق بين هذين النمطين المعتدل والمتطرف فارقٌ في الدرجة لا في النوع. والدليل على ذلك أنّ الباحث لا يجد تغايراً أو اختلافاً من حيث المنطلقات الفكريٌة أو الآليّات بينهما.. ويتجلّى التطابق في اعتماد نمطيّ الخطاب على عناصر أساسيّة ثابتة في بنية الخطاب الديني بشكلٍ عام عناصر أساسيّة غير قابلة للنقاش أو الحوار أو المساومة).
ويقول أيضاً: ( وكما يتطابق نمطا الخطاب من حيث المنطلقات الفكريّة يتطابقان كذلك من حيث الآليات التي يعتمدان عليها في طرح المفاهيم وفي إقناع الآخرين واكتساب الأنصار والأعوان).
تحارب المؤسسة الدينية دائماً أيّ صوت يحاول أن يشكّك في منهجيتها أو أفقها أو يمسّ ثوابتها حتى لو كان هذا الصوت منبثقاً من داخلها. فحينما يتعلّق الأمر بالثوابت لا حصانة لأحد فمجموعة المسلّمات المفروضة داخل المؤسسة هي ما تبقيها حيّة وفاعلة وأيّة محاولة تشكيكية بها تعني إهدار مئات السنين من ترويض العقول وسحق ذاتيّة الأتباع وهذا ما لا يتحصّل بسهولة.
من كل القنوات الفضائيّة العراقية يطلّ علينا رجل دين له مساحته الخاصّة في البثّ التلفزيوني.. يستقبل الاتصالات التليفونية ويجيب عن الأسئلة والاستفتاءات.. ومع غضّ النظر عن درجة اليقين الذي يفتي به شيوخ الفضائيات فإنّه يبدو للناظر أن لا شيء في المدى القريب سيوقف طوفان الإجابات.. فالشيوخ قادرون على حلّ جميع الإشكالات ودرء كلّ الشبهات بردودٍ ارتجاليّة.. معظم الشيوخ في هذه الفضائيّات يصنّفون أنهم معتدلون. ربما يقصد من ذلك أنهم يظهرون بوجوههم أمام الكاميرات لا ملثمين كما يظهر الآخرون في أشرطة الذبح والإعدام الكرنفالية.. تظهر في هذه البرامج مصطلحات الكتب المتداولة داخل المؤسسة الدينية.. فلا غضاضة مثلاً من التكفير في هذا السياق لديهم.. تستمع الى الشيوخ وهم يستخدمون لفظ الكافر ثم يفصّلون الأحكام ببيروقراطيٌة مفرطة الى كافرٍ كتابيّ وكافر غير كتابيّ.. هكذا يأخذ شركاءُ الوطن حصتهم من التمييز بين سطور مؤلفاتهم وعلى لسان شيوخ الفضائيات.
يخطيء من يظن أن المعتدل في خطابه الديني مفارقٌ للمتطرف طالما يخضع الطرفان لسلطة النصّ وعصمته وسطوته.. المعتدل ببساطة هو الحاضنة الطبيعية والملاذ الآمن.. يخرج منها المتطرف متى شاء ويعود إليها متى حوصر.. وجود المعتدل ضرورة للمتطرّف كي يتماهى داخل بنيته كلما هوجم.. لو وقف المتطرف وحيداً لوجد نفسه في حرب مع العالم لا تنتهي إِلَّا باستئصاله.. وجود المعتدل يحميه.. لك أن تتصور هنا الاعتدال موقفاً تكتيكيّاً له واجبات لا تقلّ أهميّة في فلسفة الخراب. أدبيّات الاعتدال ومصادره ونصوصه ومسبقاته ومسلّماته ونتائجه وفتاواه هي ذات مرتكزات التطرّف.. الفارق الوحيد في الفعل على الأرض.. المواجهة الآن مع داعش الأرض ويغضّ الطرف تماماً عن دواعش الكتب.. تأمُّل في كتب المعتدلين ومصادرهم ورسائلهم العمليّة ستجد التكفير وأحكام الحرب وأحكام أهل الكتاب ذاتها التي يمارسها داعش على الأرض.. لا تخدعك بياناتهم الصحفيّة وهروبهم الى الأمام.. حقيقتهم في كتبهم واضحة صريحة.
هذه معضلةٌ فريدة نلمسها واقعاً في بنية الخطاب الديني ولا نجد لها حلّاً في الأفق المنظور.
المطلوب رفض المنظومة بكاملها.. نقد مصادرها.. أوّلياتها.. نصوصها.. كنس كلّ ما هو خرافيّ ووحشيّ وعنصريّ وتمييزي من النصوص. تقديم رؤية جديدة توافق العصر والحريّة وحقوق الإنسان والديمقراطية لا وضع المكياج على قباحات الماضي والتمترس في خندق الإنكار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تكوين- بمواجهة اتهام -الإلحاد والفوضى- في مصر.. فما هو مركز


.. الباحثة في الحضارة الإسلامية سعاد التميمي: بعض النصوص الفقهي




.. الرجال هم من صنع الحروب


.. مختلف عليه| النسويّة الإسلامية والمسيحية




.. كلمة أخيرة - أسامة الجندي وكيل وزارة الأوقاف: نعيش عصرا ذهبي