الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تراث أسوان.. ورحلة الصمود

هويدا احمد الملاخ

2015 / 2 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لا شك بان الموروث الثقافي والحضاري يعتبر احد الروافد الحيوية التى تصب فى النهر الثقافي المصري الممدد عبر ألاف السنين ، إن هذا الموروث واجهة تحديد عظيم من اجل البقاء صامدا على ارض الواقع .، وكان ذلك فى أعقاب ثورة 23 يوليو 1952 م ، التى تبنت تنفيذ مشروع بناء السد العالي على النيل فى أسوان ، لتخزين مياه النيل في السنوات ذات الإيراد العالي لاستخدامها في السنوات ذات الإيراد المنخفض، وكان بناء السد العالى اول مشروع للتخزين المستمر او القرنى على مستوى دول حوض النيل جرى تنفيذه داخل الحدود المصرية .
هذا المشروع القومي العملاق الذي بنته ارادة وصمود وتحدي المواطن المصري ، بعد ان ظهرت عيوب مشاريع التخزين السنوي المؤقت ، وعانت مصر على مر العصور المختلفة من خطر الجفاف وثورة النيل التي كانت تداهم القرى والمدن كل عام ، وأصبح التخزين المستمر أو القرني ضرورة ملحة لتنمية المجتمع المصري .
ومنذ بداية التخطيط لتنفيذ مشروع السد العالي فى أسوان على ارض الواقع ظهرت فى الأفق
تحدى الحفاظ على التراث الحضاري المهدد بالغرق عقب الانتهاء من المشروع الطموح ، وضياع جزء عظيم من تاريخ الإنسانية غارقا تحت بحيرة السد العالى ، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل هناك تراث حضاري غارقا تحت رمال صحراء النوبة ، لم يكتشف بعد ، ينتظر ايادى انقاد .
وزاد القلق والتساؤلات حول مصير الموروث الثقافي والحضاري وشراء رخاء اقتصادي منتظر بعد اكتمال صرح السد العالى ، مقابل ضياع وغرق تراث حضاري ظل شاهد عيان على عبقرية الإبداع المصري منذ فجر التاريخ البشرى !
والجدير بالذكر ان آثار النوبة تعرضت للغرق ثلاث مرات قبل التفكير فى بناء السد العالي، فكانت المرة الأولى عام 1902 عند بناء خزان أسوان ، والمرة الثانية 1912م بعد ارتفاع منسوب المياه بشكل هدد الآثار ، وجاءت المرة الثالثة عام 1932،و كانت هيئة الاثار المصرية تقوم في كل مرة برسم الخرائط وتسجيل البيانات ، و عمل مسح للمواقع الأثرية ، لكن مع دخول فكرة تنفيذ مشروع السد حيز التنفيذ ، و أصبح واضحًا أن جنوب الوادي سيتعرض لارتفاع منسوب المياه بشكل دائم ، ومن ثم أصبح من الضروري العمل لتلافي مخاطر ارتفاع منسوب المياه على المواقع الأثرية.

لكن مصر نجحت فى حل تلك المعادلة الصعبة ، حيث لم تخسر تراثها الحضاري فى أسوان ، مقابل الرخاء الاقتصادي وتنمية المجتمع المصري الحديث ، واستعانت بمنظمة اليونسكو للقيام بتلك المهمة ، بعد ان أصبح بناء السد العالي بأسوان يشكل خطرا عليها .
ففى عام 1954 م ، أرسلت مصلحة الآثار المصرية بعثة فنية تشمل كوكبة من الخبراء فى علم الاثار والجيولوجيا والهندسة والفنيين ، لإجراء مسح و دراسة على كل الاثار النوبية والمقابر والمعابد الأثرية المعرضة للغرق وفى مقدمتها معابد ابوسمبل و فيلة ، ووضع برامج عن كيفية العمل على إنقاذها ، ونظرا لضخامة تكاليف مشروع الانقاذ ، قام الرئيس جمال عبد الناصر ، باقتصاص جزء من ميزانية مشروع السد العالى على ان تتحمل الحكومة المصرية ثلث نفقات عملية انقاذ الاثار ، رغم نقص الموارد المالية بعد العدوان الثلاثي ، كما توجهت الحكومة المصرية فى ابريل 1959م بطلب رسمى الى منظمة اليونسكو لإنقاذ الآثار من الغرق
قامت منظمــة اليونسكو بدراسة إمكانية الاستجابة لطلب الحكومة المصرية ، ودراسة جدوى إنقاذ التراث المصري وفرص النجاح والفشل ، كما أرسلت لجنــة من الخبراء الدوليين إلى مصر لدراسة مشروع الإنقاذ على ارض الواقــع ، وجمـــع المعلومات والخــرائط الأزمة ، ووضــع الخطط والبـــرامج المختلفة تحسبًا لآية مشاكل هندسيــة ربما تظهـر فيما بعد .
وجاءت نتائج لجنة الخبراء الدوليين مبشرة حيث أظهرت الدراسات العلمية إمكانية إنقاذ التراث المصري المهدد بالغرق تحت بحيرة السد ا العالي بعد اكتماله .
على اثر ذلك أطلقت اليونسكو الثامن من مارس عام 1960 م، حملة دولية لإنقاذ أثار النوبة وكان بداية لمشروع غير مسبوق في تاريخ منظمة اليونسكو ، واحد أهم الإعمال الإحيائية في القرن العشرين .
و بدء العمل بالحفر والتنقيب فى المنطقة التي تقرر بناء السد العالي عليها ، وشملت نقل معبدي أبوسمبل وفيلة،وتهجير القرى النوبية المهددة بالغرق جراء هذه العمليات. واستمرت جهود الحملة الدولية لإنقاذ آثار النوبة قرابة العشرين عامًا ،وكانت فى سباق مع الزمن للوصول الى الهدف المنشود قبل ان يبلغ ارتفاع منسوب المياه في بحيرة ناصر الحد الذي كان يُخشى منه لو ظلت الآثار قائمة في مواقعها السابقة .
وأنجزت الحملة أهدافها في عام 1980 وكانت أكبر حملة تشنها اليونسكو في تاريخها لإنقاذ الآثار .

لاشك بان مهمة إنقاذ آثار حضارة إنسانية من أعظم الحضارات القديمة ليست بالامر السهل ، وتشهد قائمة اعداد المعابد التي تم نقلها على ضخامة العمل الذي تم في فى عملية الإنقاذ ومن المعابد التى تم نقلها: معبدى "أبو سمبل"، ومعابد فيلة، معبد دابود، كلابشة، وادى السبوع، دندور ، بيت الوالى ، والدكة ، الدر ، والمحرقة وآثار ابريم ومقبرة بريم وغيرها من الآثار الإسلاميـة ، ونظــرا لمساهمة بعض الدول فى الحملة الدولية لإنقاذ الآثار المصـرية فقد أهديت بعض الآثار لتلك الدولــة نظير مساهمات هـذه الدول فــي مشـروعات الحملة الدوليـة .

كما تم جمع قطع الآثار التى عثر عليها إثناء قيام الحملة الدولية بالتنقيب والتسجيل ، حيث يعود بعضها إلى حقبة ما قبل التاريخ، وكان هناك خوف عليها من أن تغمرها المياه
لذلك قامت وزارة الآثار بالاحتفاظ بتلك القطع التى لا تقدر بثمن إلى حين إنشاء متحف تعرض فية تلك الآثار.
وفى عام 1986 م وضع حجر الاساس لمتحف النوبة، بعد ان تبنت منظمة اليونسكو الفكرة من خلال حملة دولية للإسهام فى بنائه ، وتم افتتاحه فى نوفمبر 1997.
هكذا نجحت مصر فى حل المعادلة الصعبة ...حيث لم تخسر تراثها الحضارى ..مقابل الرخاء الاقتصادي ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. «فيرست موتورز» تطلق سيارتي GV 80 Coupe و GV 80 المحدثة من جي


.. مسلسل إيريك : كيف تصبح حياتك لو تبخر طفلك فجأة؟ • فرانس 24 /




.. ثاني أكبر جامعة بلجيكية تخضع لقرار طلابها بقطع جميع علاقاتها


.. انتشار الأوبئة والأمراض في خان يونس نتيجة تدمير الاحتلال الب




.. ناشطون للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية: كم طفلا قتلت اليوم؟