الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل نحن بحاجة اليوم إلى بروتستانتية إسلامية؟

رابح لونيسي
أكاديمي

(Rabah Lounici)

2015 / 2 / 13
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني





يعد الإصلاح الديني في أوروبا وظهور البروتستانتية التي حررت الإنسان المسيحي من البابا وسيطرة رجال الدين الذين احتكروا فهم وتفسير الكتاب المقدس ثورة كبيرة في العقل الأوروبي، مما مهدته إلى التسامح والتفتح وفتح الآفاق الكبرى، وكانت عاملا رئيسيا في نهظة أوروبا، هذا في الوقت الذي لا نزال نحن المسلمين ننتظر الفتوى من رجال الدين في كل قضية أكانت صغيرة أم كبيرة بالرغم من أن المسلم من المفروض أن يكون راقي التعليم والفهم مما يجعله قادرا لوحده على فهم النص الديني مادام أول أمر قرآني نزل عليه قبل الصلاة والصوم والزكاة وغيرها هو "إقرأ" أي التعلم العميق والنظر في الكون والإنسان والطبيعة والمجتمع.
فظاهرة الإفتاء الديني تعد ظاهرة قديمة عرفتها كل الأديان السماوية، بما فيها الدين الإسلامي الذي عرف تاريخه منذ وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هذه الظاهرة، والتي أخذت أبعادا كبيرة طيلة قرون، وكلما أستجدت الحياة، فظهرت الكثير من المدارس الفقهية التي تحولت إلى مذاهب إسلامية ومنها المالكية والحنفية والشافعية والحنبلية والجعفرية نسبة إلى جعفر الصادق، وكذلك الظاهرية لأبن حزم وغيرها من المذاهب، مثلما عرف تاريخ الإسلام الكثير من الفقهاء الذين قاموا بمهمة الإفتاء إنطلاقا من المباديء الكبرى للدين الإسلامي وطبقا لمناهج وضوابط أنتجها هؤلاء الفقهاء أنفسهم، ولم تكن ضوابط منزلة، أي هي من إنتاج عقل الإنسان، وهو مايعني أن كل ماينبثق على أساسها من فتاوي هي من وضع الإنسان، وليس لها أي قداسة .
وينقسم المفتون ورجال الدين إلى عدة أصناف وإتجاهات، وتتحكم في فتاويهم عدة عوامل، ومنها:
-درجة الولاء أو العداء للسلطة
-درجة الوقوع تحت ثقل وتأثير تقاليد المجتمع
-درجة الإحتكاك بالحياة المعاصرة وتغيراتها وإدراكها
-درجة التثاقف والتأثر بالأفكار والثقافات العالمية أو حتى الأوروبية
- درجة التقوى والإخلاص الروحي .
ولهذا السبب نجد البعض من المفتين والفقهاء يبررون كل ما تطلبه منهم السلطة سواء في الفترة الإٌستعمارية أو بعد إسترجاع بلداننا إستقلالها، فهم غير قادرين على مواجهتها، إما خوفا أو طمعا، وهو ما أطلقنا عليهم في كتابنا " التيارات الفكرية في الجزائر المعاصرة" ب" فقهاء السلطان".
أن هناك إختلاف كبير في قضايا الفتوى، وعادة ما تتحكم فيه عدة عوامل، ومنها بالأخص المصالح والعامل السياسي والثقافي ودرجة التفتح على الثقافة العالمية والعصر، ولا نجد ذلك فقط في المسائل الإجتماعية، بل حتى في مجال العبادات في الكثير من الأحيان، مما يدفعنا إلى القول أن المسألة ليست دينية تتحكم فيها ضوابط دينية وشرعية محددة، بل هي مسألة تأويل ورأي تتحكم فيه العوامل الآنفة الذكر، وهو ما يدفعنا إلى طرح سؤال هام جدا، وهو هل بعض الفتاوي لها علاقة بالدين فعلا أم مجرد رأي وموقف يراد أن يعطى له شرعية دينية؟، وهو ما يؤدي إلى الخلافات بل تعدد الآراء حتى في المسائل التعبدية، وهو ما يسمح للمسلم أن يختار مايراه متوافقا مع قناعاته وطاقاته، ومادام تتعدد الآراء الفقهية في كل القضايا، بل نجد جميع الآراء موجودة وجائزة، فالبعض يرى مسألة ما جائزة وآخرون يرونها ليست جائزة أو مكرهة، فلماذا هذا النقاش الذي لا معنى له، وهو ما يدفعنا إلى سؤال آخر، وهو ألم يكن علم الإفتاء هو مجرد علم ظهر لغايات سلطوية أكثر مما هي حاجة دينية ضرورية للمسلم ؟، ألا يمكن لنا نحن الباحثون أن نستحضر منهج ميشال فوكو حول العلاقة بين الصراع حول السلطة وظهور بعض العلوم في أوروبا، ونطبق منهجه على العلوم الدينية ومنها الفقه وعلوم الفتوى، ليتبين لنا حقيقة ظهور هذا العلم في الماضي ونجيب على هذا السؤال ؟ .
ونعتقد أن فكرة الإجتهاد في التاريخ الإسلامي قد انحرفت عن مفهومها الحقيقي، والمقصود بها في الأصل هو وضع وإيجاد الميكانيزمات لتطبيق قيم ومباديء الإسلام على أرض الواقع المتجدد بإستمرار أكثر مما هو القول بالحلال أو الحرام في مسائل وقضايا معينة، ونعتقد أنه من غير المعقول أن لايعرف أي إنسان عاقل أن أمر ما حلال لأنه جيد أوحرام لأنه سيء، وهو ما يذكرني بشيخ قريتي وأنا صغير عندما اذهب إليها في العطلة يقول لرواد المسجد مستنكرا أسئلتهم حول الحلال والحرام "أن القط إذا أعطيته لحما أكله أمامك، وإذا أختطفه هرب، لأنه علم أنه حراما، أي ليس عملا جيدا، وأنت أيها الإنسان لا يمكن لك التمييز"، فعادة ما نجد في كل الفتاوي كل الإختيارات الممكنة مادام أن القرآن الكريم لم يفصل فيها، وهي مجرد تأويل نصوص ووقائع تتحكم فيها عدة عوامل قد سبق لنا ذكر بعضها آنفا، أفليس نحن اليوم على سبيل المثال لا الحصر بحاجة أكثر أن نجتهد ونفكر في الأساليب العملية والميكانيزمات التي تنشيء مثلا بنوكا ومصارف ومؤسسات مالية تتماشى مع عدم تعرض المسلم للربا، بدل النقاش البيزنطي هل التعامل المالي بهذا الشكل أو مع هذا البنك حلال أم حرام ؟، وهو ما يمكن توسيعه إلى عدة مجالات، ومنها مثلا ركن الزكاة وضرورة التفكير في أساليب وميكانيزمات عملية تجعله يساهم في عملية التنمية الإقتصادية والقضاء على الفقر، ويمكن القول نفس الأمر في ذلك حول مباديء أخرى كالشورى والعدل وغيرها، وبتعبير آخر نعطي المفهوم الحقيقي للإجتهاد والذي سيكون على يد علماء الإختصاص سواء في مجال الإقتصاد أو السياسة وغيرها من الإختصاصات، مما يعني أنه لاحاجة لنا لرجال الدين، وأن هذه المباديء العامة يعرفها الجميع، بل يمكن القول أن العالم كله متفق عليها تقريبا، فهذه المباديء والقيم الأخلاقية تردد في كل مدارس العالم، ونرددها كلنا يوميا في المساجد والمدارس وفي خطابنا، لكن نرددها بشكل مجرد دون أي معرفة أو تفكير في كيفية وميكانيزمات وضعها وتنفيذها وتجسيدها على أرض الواقع .
وتعود مشكلتنا اليوم إلى إنحراف قد وقع في تاريخ المسلمين جعل الكثير من الناس ينتظرون الفتوى في كل قضية من الفقيه أو المفتي، وكدنا إن نحول هؤلاء الفقهاء والمفتين إلى أرباب كما فعلت اليهود والنصارى الذين أتخذوا رهبانهم وأحبارهم أربابا من دون الله، أي أنهم يحللون ويحرمون لهم، فكان بالأحرى علينا أن نعود إلى القرآن الكريم مباشرة دون أي واسطة لمعرفة ذلك، لكننا اليوم قلما نعود إلى النص القرآني، بل نفضل أن نقول قال فلان وقال علان، أليس بالأحرى علينا اليوم أن نكتفي بالمباديء والقيم وعدد المحرمات التي نص عليها القرآن والتي تعد على أصابع اليد، ثم نعيش حياتنا بكل حرية طبقا لتلك القيم والمباديء بدل أن نبحث في كل مسألة هل هي حرام أم حلال حتى كثرت وأختلطت علينا المسائل، ووقع لنا نفس ما وقع لبني إسرائيل مع البقرة التي أمروا بذبحها دون البحث في تفاصيلها.
ونعتقد أنه بهذا الشكل نتخلص من مجتمع الفتاوي وفكرة الحلال والحرام، ونعتقد أنه بقدرة أي إنسان أن يعرف الحلال والحرام شريطة تطبيق الأمر القرآني الأول وهو إقرأ، أي تعلم الإنسان وقدرته على النقد والتمحيص والإختيار السليم وفقا لقناعاته الدينية وقيم الإسلام الروحية، وبتعبير آخر نحن المسلمون بحاجة اليوم إلى بروتستانتية إسلامية، أي بمعنى تحرير المسلم من سلطة هؤلاء الفقهاء والمفتين وجعله مرتبطا بالقرآن مباشرة وحر في تأويلاته وإختياراته بدل إنتظار رجل لعله أقل منه ذكاء في الكثير من الأحيان، ويعتبر نفسه مفتيا ليدلي برأيه وتأويلاته التي تتحكم فيها عدة عوامل، فيصبح كأنه أمر إلهي، وما هو في الحقيقة إلا تأويل ورأي هذا الشخص الذي يسمي نفسه ب"الفقيه" و"المفتي" و"عالم الدين".
لكن يتطلب تحقيق هذا الأمر تعليما راقيا جدا، والذي يعد الشرط الأساسي لإقامة المجتمع السليم، لكن ما دام وقعنا في هذه المطبات اليوم وإنتظارا لتحقيق هذا الأمر القرآني، ولأننا اليوم معرضون لفوضى الفتاوي التي تسود مع جهل مطبق، فقد أخذت ظاهرة الفتوى في بلداننا المغاربية وبلدان إسلامية أخرى منحى خطيرا، وأصبحت وسيلة لغزو تيارات دينية مشرقية متطرفة وغريبة عن مجتمعنا، وهي أدوات تستغل لنشر الفتنة وتحقيق أهداف سياسوية، ولهذا فإننا نحن بحاجة إلى تلقين المسلم تعليما راقيا وتحريره نهائيا من رجال الدين الذين يتلاعبون بعقول بعض أبنائنا خدمة لأجندات مشبوهة في الكثير من الأحيان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السمّ في الأصل
مراقب (محمد بن عبدالله) ( 2015 / 2 / 13 - 14:57 )

السمّ كله في الكتاب والاكتفاء به لن ينفع

دليلي ما جاء في مقالك في تلك العبارة (((اليهود والنصارى الذين أتخذوا رهبانهم وأحبارهم أربابا من دون الله)))

اخر الافلام

.. التركمان والمسيحيون يقررون خوض الانتخابات المرتقبة في إقليم


.. د. حامد عبد الصمد: الإلحاد جزء من منظومة التنوير والشكّ محرك




.. المجتمع اليهودي.. سلاح بيد -سوناك- لدعمه بالانتخابات البريطا


.. رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يزور كنيسا يهوديا في لندن




.. -الجنة المفقودة-.. مصري يستكشف دولة ربما تسمع عنها أول مرة