الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في فكر المستفيدين من الاسلام سياسيا (7)

عادل صوما

2015 / 2 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الظواهر والتركمات ومقولات المستفيدين من الاسلام سياسيا في الماضي البعيد أو القريب، وكل ما حصل فيها على شراسته وغرابته، يمكن تفهمها وادراكها وبحثها ودراسة اسبابها ورصد بواعثها، واين السياسة فيها؟ واين الهلوسة؟ واين تكمن المطامع الدنيوية وإلى ما أدت وامتدت؟
لكن الغليان الحاصل منذ ما يقرب من خمس وثلاثين سنة، وتصعيده الدموي المستهجن في آخر عقد، امر يحيّر أي مدقق يرصد كل ظواهره وبواعثه، ويجعل الدارس في حيرة تسمية ابطاله كافة على المسرح؛ هل الخوميني فقيه أو سياسي أو عسكري أو إمام؟ السؤال نفسه ينطبق على الملاّ عمر واسامة بن لادن وأيمن الظواهري وأبو مصعب الزرقاوي وعبود الزمر وحسن نصر الله. اختلطت الامور وتشعبت بين الحق والباطل. بين ما يقولوا وخفايا سجلاتهم في الاستخبارات العالمية. بين اتفاقات التآمر وبروتوكولات الصمت المتفق عليه. بين المعقول والخيالي وما يكرره ويردده الناس في المنتديات. بين ما نراه على الارض، وما ينقله صحافيون كبار عن مصادر موثوقة. بين ما هو إستفادة من الدين وما هو سياسة وما هو مصالح دنيوية.
اختلطت الامور فعلا مع ترديد ما يُقال بعد طرد صوت العقل وحجة المنطق. وبمجرد ان يمسك أي دارس بخيط ويعتقد انه التقط اوله ليصل الى طريق ما، سرعان ما يجد نفسه ضائعا في تفاصيل جانبية، ويجد اوراقه اختلطت مرة اخرى، ويندهش من ان كل ما عرفه مجرد تفاسير ناقصة؛ في لحظة يجد نفسه ممسكا بخيط استخبارات، ومرة بخيط المال، واخرى بالجنون واحلام الالوهية، ورابعة بصراع اقليمي، أو تأجير ارض وطن لعمليات عسكرية، لصالح عدو ظاهر للعيان لكنه مجرد لاعب آخر في الشبكات المتقاطعة، واخيرا بالربيع المشبوه إياه ومحاولات المستفيدين من الاسلام سياسيا الاستيلاء على اراض بعيدة عن سلطات دول تضعضعت لممارسة القرصنة، مثلما يحدث في سورية والعراق، أو اراضي اهملتها الدولة وتعاملت مع مواطنيها على انهم مزدوجي الولاء مثل سيناء بمصر.
وفي كل طريق يمشي الباحث فيه لابد ان يجد نفسه بالحدس والقرائن والحاصل وسيناريو الذي سيحدث لأنه تكرر من قبل، امام ايادٍ خفية تدير وتدفع حمم هذا البركان باتجاهات يبدو انه مرتب لها مسبقا، لكن المتوقع ان تفلت من ايادي مدبريها ومموليها ومُنفذّيها وتحرق الجميع، لأن اللعب بورقة الدين لا يمكن التحكم فيها كلعبة سياسية أو كمبيوترية مثلما يظن صانعو الخرائط السياسية وهما.
التعليل الناقص
قال راصدو الحركات المستفيدة من الاسلام، انها عادت للظهور في سبعينات القرن الماضى. هذا متفق عليه، لكن تعليل ظهورها يحتاج مناقشة، لأنهم وضعوا الاصل لظهورهم، حين تخلى العالم العربي عن الاسلام في صراعه مع إسرائيل، التي تقوم على اساس ديني توراتي، ما دفع البعض ان يجعلوا الامر صراعا دينيا بين مسلمين ويهود، وجعل مسيحي العالم العربي على درجة مستشار لا يلتزم احد بكلامه على أحسن تقدير داخل الصراع، أو لإلقاء كلمات في مناسبات، تنال التصفيق ويكون نصيبها النسيان.
الطرح غير مقنع، لأن اسرائيل وإن قامت على اساس ديني فهي دولة علمانية. ولو اخذنا مصر على سبيل المثال، وسألنا: هل تركت مصر الدين ما قبل 1967 وعادت له في 1973 فسنجد ان الامر غير صحيح تماما. فمصر منذ عشرة الاف سنة على دين أرضي أو إبراهيمي، وايمان عميق بالخلود والروح والبعث قبل ان تنادي به المسيحية والاسلام بقرون طويلة. ثم ان ظاهرة الاستتفادة من الاسلام سياسيا تصاعدت بعد نصر تشرين/اكتوبر.
قيل من جهة اخرى ان العالم العربى تشّبه بالحضارة الغربية، وبدأ الذوبان وانحصرت حضارته، وهي مقولة تحتاج إلى مناقشة، لانها تخلط بين الحضارة والثقافة. وقالوا ايضا ان ارتفاع اسهم المستفيدين من الاسلام سياسيا سببه الحالة الاقتصادية المتراجعة، وهي مقولة تحتاج الى الكثير من التروي لان الظاهرة وجدت في دول غنية مثل السعودية ودول الخليج وماليزيا، ودول تعاني مشاكل اقتصادية مثل مصر والسودان واليمن.
اذا تركنا جانبا الاسباب التي اوصلت ظاهرة الاستفادة من الاسلام سياسيا الى حالتها الراهنة، لانها أبعد وأعمق من المقولات المطروحة، التي يكوّن بعضها خليفة الصورة، لكنه ليس المقصود نفسه، نجد ان هناك ظواهر لا تخطئها العين، منها ان هذه الظاهرة تداخلت وتشعبت، وجعلت بعض اصدقاء الامس اعداء اليوم، كما جعلت إسرائيل ليست عدو العالم العربي الاول كما كانت في زمن العسكرتاريا. كما بدأت عملية تلقين إنزواء الوطنية بالايحاء في عقول الناس، وتمثلت علانية في قول مشهور جدا لمرشد الاخوان المسلمين مهدي عاكف: "طظ في مصر وأبو مصر وألي عايشين في مصر. انا ميهمنيش يحكم مصر واحد ماليزي".
لا جواب واضحا سوى ما نراه على الارض واقعيا اليوم على اسباب الصداقة.. ولماذا العداوة.. وأسباب إنزواء الوطنية. كما يشعر الانسان بالحدس والقرائن والملابسات، بالايادي التي لعبت وعبثت ودفعت هذه الظاهرة لتأخذ حجمها الشرق أوسطي والدولي. وأخطر ما في الامر ان الاوراق الدينية هذه المرة فاقت اوراق بونابرت، ونزاعات القرن التاسع عشر، واصبح المال ذا ارقام فلكية، وأصبح أهل القِبلة يتحدثون عن دم بينهم لا يمكن ان يُنسى.
المال والسيف
كانت بدايات القرن العشرين استكمالا ليقظة العالم العربي التي بدأت من التاسع عشر. وشارك فيها كل رجال الفكر العربي، من أقصى يمينه إلى أقصى يساره، وحاولت كل مجموعة فكرية ان تنشر افكارها وتدعو لها. فمنهم من كان متمسكا باحلام الخلافة العثمانية، ومنهم من نادى بثقافة حوض البحر المتوسط.، وطلب آخرون قطع كل علاقة مع الماضي والاتجاه نحو الغرب. وظهرت مع الشيوعية كل درجات الاشتراكية. كما ظهرت حركات الفاشية، وظهرت حركة الاخوان المسلمين المستفيدة من الاسلام سياسيا .
مع تصاعد حركة القومية العربية، ووصول العسكر الى أغلب كراسي حكم الدول العربية، انحسرت معظم الافكار الاخرى، وقُمعت قمعا عنيفا. وبطبيعة الحال كان لابد ان يُفرض الصراع بين التيار المستفيد من الاسلام سياسيا والعسكر الذين وصلوا الى الحكم، وحدث في مصر الصراع بالسجن والاعتقال. وفي سوريا بدك المدن على البشر. وتكرر المشهد في العراق مع مزيد من الوحشية، ولم يتوان العقيد القذافي عن وصف الاخوان المسلمين باخوان الشيطان، ما دعا الجماعة إلى مغادرة بلادهم تحت وطأة العنوان الكبير الذي رفعه العقيد، فهربوا الى الخليج واوروبا. وفيها وصفوا انفسهم بالمهاجرين، كما حصل ايام النبي محمد حين كانت الهجرة إلى حاكم مسيحي في الحبشة. أما في الخليج، والسعودية حصن الوهابية، فلم يُرصد إلى الان ماذا يدبرون هناك رغم وضوح النوايا، وانهم مع بداية سبيعينات القرن العشرين كانوا اصحاب دور من خلف الستار في تمويل ومساعدة كل الحركات التي تشبههم وتستفيد من الاسلام سياسيا.
قبل ذلك وطوال خمسينات وستينات القرن نفسه، لم يُرصد أي فكر مستفيد من الاسلام سياسيا على درجة كبيرة من العنف، بعد تحجيم الاخوان المسلمين، نزل على الارض للتطبيق سوى سيد قطب، الذي يمكن مراجعة كتبه "في ظلال القرآن" و "معالم على الطريق"، وكان الامن المصري متيقظا للامر، وأفشل المخطط قبل تنفيذه، ومنع بث الحياة في تنظيمه الخاص، الذي كان ينوي تفجير القناطر الخيرية، الذي لو تم لمات حوالي مليون شخص في القاهرة. والمؤكد ان هذا الامر، لم يعط الرئيس عبد الناصر أي هامش تسامح مع قطب ومجموعته التي قُدمت إلى المحاكمة وتم اعدامهم، رغم التدخلات والتمنيات من بعض الدول الاسلامية بعدم اعدام قطب شخصيا.
كذلك لم ُترصد أي محاولة لنشاط أصولي أو نشاط من الاخوان في مصر، سوى محاولة احياء "الجهاز الخاص" المعروف عنه تنفيذ الاغتيالات السياسية للاخوان لمن يعارضهم. وفي ادبيات الاخوان مقولة من يعادي الله يعادي الأخوان. وقال مرشدهم العام مصطفى مشهور علانية: من يعادي الاخوان يعادي الله ورسوله.
ثم لعب المال دورا عظيما في نشر التطرف في الفورة الاخيرة، خصوصا منذ السبعينات، وأصبح في كثير من الدول وكلاء ومعتمدو قبض ومتعهدوا تنفيذ، ومع طفرة اسعار البترول بعد حرب تشرين/اكتوبر، اصبح المال يتسع للكثيرين، ودخل إلى حقل الاعلام المتعاظم ولعب دورا كبيرا فى فرض الواقع فرضا، وحجب الحقائق عن الناس.
ذكر الرئيس ريتشارد نيكسون رأيا جدير بالتأمل في كتابه "نصر بلا حرب" في سياق ما يحدث، وقد كتب الرئيس نيكسون "على الولايات المتحدة ان تعمل على تحويل الطاقة النووية للاغراض الصناعية التكنولوجية، بديلا عن البترول حتى تتخلص اميركا من ادمان بترول الشرق الاوسط".

للموضوع صلة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. د. حامد عبد الصمد: المؤسسات الدينية تخاف من الأسئلة والهرطقا


.. يهود متشددون يهاجمون سيارة وزير إسرائيلي خلال مظاهرة ضد التج




.. مختلف عليه - الإلحاد في الأديان


.. الكشف عن قنابل داعش في المسجد النوري بالموصل




.. شاهدة عيان توثق لحظة اعتداء متطرفين على مسلم خرج من المسجد ف