الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل اللُغة هوية؟!

مرثا بشارة

2015 / 2 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في حوارٍ منطقي هادىء مع صديق مغربي الجنسية، عربي الثقافة، عاشق للُغة العربية، تبادلنا جدلا فكريا صاخبا حول اللُغة - أيُ لغة- .... هل هى هوية ام وسيلة تواصل؟
ولظروفٍ اضطرارية انقطع الحديث فجأة دون ان نستكمل الحوار! وتلك هي فرصتي لأستكمل طرح رؤيتي عبر هذا المقال، لا لأُغالبه، بل لنفكر جميعا بتروي وموضوعية من اجل الوصول لمنطقٍ سليم،
وكبداية لمناقشة تلك النقطة الجدلية كان لابد من الوقوف عند المعنى اللُغوي الدقيق لكلمة لُغة، وتعريف اللُغة كما ورد في لسان العرب هو: (أَنها أَصوات يُعبِّر بها كل قوم عن أَغراضِهم، وهي فُعْلةٌ من لَغَوْت أَي تكلَّمت)، وبالرجوع للقواميس الانجليزية والفرنسية، وجدتها تتفق على نفس المعنى وهو ( نظام "طريقة" تواصل تتضمن اصوات وكلمات وقواعد لُغوية)
المُلاحظ هنا، انه رغم اختلاف الثقافات واختلاف صيغة المعنى، إلا ان المضمون واحد، وهذا واضحٌ جلي لا تخطئه عين!
فاللُغة هي وسيلة تواصل بين الانسان واخيه الانسان، وقد تحمل مفرداتها حميمية خاصة بين الناطقين بها كونها تعبر عن مكونات ثقافية توحدهم جميعا، لكنها تتبدل وتتغير بتغير احوال الناطقين بها، فقد تسمو وترتقي لفظا ومعنى، وتصير أيسر شكلا واجمل تعبيرا، وربما يصير العكس، تنحدر بانحدار الثقافة والذوق العام ويكون ذلك نذيرا بموتها الوشيك، وربما يأتي غازِ يُجبر اللغة –أيُ لُغة- على الرحيل او يعلن موتها رسميا،
فهل يعنى فقدان اللغة او تغيّرها او تبدلها فقدان الانسان لهويته؟
يرى الكثيرون ان هوية الانسان تكمن فيما يعتقد، وعليه، يُقدّس كل ما له صلة بمعتقده، بما في ذلك اللُغة حتى لو كانت هذة اللغة في عتاد اللُغات الميتة او على مشارف الموت!
ولا يُنكر عاقل ان اللُغة الاصلية لأي معتقد هى المعوّل الرئيسي لفهمه فهما صحيحا، اذ تُعبر عن مضمون مبادئه وتعاليمه وفق الخلفية الحضارية للبيئة التي نشأ بها، وهذا امرٌ لا يُعنىَ به سوى أهل التخصص من الباحثين والدارسين، او الفئة الاهم وهم الباحثين عن الحق بين مئات بل آلاف المعتقدات!
اما تقديس اللُغة لكونها لُغة المعتقد الاصلية، وترويجا لفكرة ان اللغة تعني الهوية، فهذا يجعلها قيداً يُعيق تواصل الانسان مع ربه قبل ان يعُيق تواصله مع اخيه الانسان، فعلى سبيل المثال، لو أن انسانا نشأ منذ نعومة اظفاره في بلدٍ غير ناطق بلغة معتقده الاصلية، ولظروف نشأته اصبح لا يُجيد سوى لُغة هذا البلد ليُعبر بها عن مكنونات نفسه وقتما أراد التقرب إلى الله....فهل حينها يُجيبه الله: لا تتقرّب اليّ بغير هذه اللُغة او تلك؟ أليس هو الله وإليه يأتي الجميع وهو سامعُ الصلاة من قلب كل بشر؟ خالق البشر اجمعين، أيستعصي عليه فهم لُغاتهم جميعها؟!
الواقع والتاريخ يثبتان بما لا يدع مجالا للشك، انه لا يوجد ما يمكن تسميته لُغة مقدسة او لُغة سماوية، فاللغة كالكائن الحي ينشأ صغيرا فقيرا، ثم فتيا ثريا إلى ان تدُب فيه عوامل الشيخوخة ليصير مدونات وسجلات على صفحات التاريخ، اللغة تموت اما المعتقدات تبقى وجميعها يخضع للنقد والتحليل لتكون النتيجة قبول هذا وترك ذاك، فالانجيل "بشارة الله المُفرحة للإنسان" كمثال، تم تدوينه باللغة اليونانية، وانتهت اليونانية التي سادت بقعة كبيرة من العالم يوما ما، وانحسرت الان بشكل جديد ومختلف في بلاد اليونان وقبرص فقط، لكن ظل الانجيل باقيا، لا لقدسية لغته، إنما لقداسة كلمته، وكثيرون حول العالم آمنوا به وصدقوا كلمته وعاشوا بها، مع كامل احتفاظ كل انسان بهويته.
لم اعشق اللغة العربية يوما كما اعشقها الان، ولم اتذوقها قبلا كما اتذوقها اليوم، لكنني لم ولن افقد هويتي إن اضطررت للتواصل مع اخي الانسان بغيرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأهب أمني لقوات الاحتلال في مدينة القدس بسبب إحياء اليهود لع


.. بعد دعوة الناطق العسكري باسم -حماس- للتصعيد في الأردن.. جماع




.. تأبين قتلى -وورلد سنترال كيتشن- في كاتدرائية واشنطن


.. تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!




.. طلاب يهود في جامعة كولومبيا ينفون تعرضهم لمضايقات من المحتجي