الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معجزات الأنبياء حقيقة أم قَصص ؟‏

إسماعيل حسني

2015 / 2 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بعد جريمة فقه الردة الذي قتل بسببه ملايين البشر عبر العصور وحتى اليوم والذي وصم الدين الإسلامي بالعنف والإرهاب رغم أنه يعتبر مخالفة صريحة للقرآن الكريم وللسنة الفعلية والقولية للرسول ، تعتبر ثقافة المعجزات ثاني أكبر جريمة ارتكبها المفسرون والمحدثون في حق الإسلام والمسلمين.

فلقد قام هؤلاء الجهلة بتحويل القصص القرآني الذي أنزله الله لتسلية الناس وترقيق قلوبهم إلى أحداث وحقائق تاريخية أطلقوا عليها معجزات ، فتشوهت عقول الناس ، وتصوروا أن من سنن الله تعطيل السنن والقوانين الكونية من أجل نصرة أنبيائه أو مكافأة عباده المخلصين ، فتكاسلوا وتواكلوا وبدلا من العلم والعمل أغرقوا أنفسهم في الطقوس والعبادات متوهمين أن الله يمكن أن يحقق لهم بالدعاء ما لم يأخذوا بأسبابه ويعملوا من أجله ، مما أدى إلى انهيار حضارتنا وتخلفنا منذ انتشار هذه الثقافة على يد الحنابلة في منتصف العصر العباسي الثاني.

ذلك على الرغم من أن الإسلام كدين قد عني بمحاربة الخرافة ومخاطبة العقل فلم تذكر كلمة معجزة مرة واحدة في القرآن ولا في السنة النبوية ، ولم يجر الله معجزة مادية واحدة لنصرة الرسول بل اقتصر التحدي على القرآن الكريم فقط لا غير ، وقد بين الرسول ذلك بشكل قطعي حين ظن الناس المشبعين بثقافة المعجزات أن الشمس قد خسفت حزنا على وفاة إبنه إبراهيم فقال لهم "‏إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته".

حتى حادثة الإسراء والمعراج لم تكن معجزة مادية ، وفي هذا يقول القرطبي "اختلف في ذلك السلف والخلف ، فذهبت طائفة إلى أنه إسراء بالروح ، ولم يفارق شخصه مضجعه ، وأنها كانت رؤيا رأى فيها الحقائق ، ورؤيا الأنبياء حق ، ذهب إلى هذا معاوية وعائشة والحسن وابن اسحاق ، وقالت طائفة : كان الإسراء بالجسد يقظة إلى بيت المقدس ، وإلى السماء بالروح". ونحن نرى أن الإسراء والمعراج لم يكن معجزة مادية بل كانت "رؤيا حق" مما يتفق مع سنة الله كما بيناها ومع ما أكده القرآن ومعظم الصحابة والمفسرون وابن تيمية وغيره أن رؤية الرسول لله كانت بالفؤاد ولم تكن بالعين "مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى" ، ولو كان القرآن أو السنة قد أعلناها معجزة ما اختلف حولها الناس. إلا أن البعض يميل دائما إلى المبالغة من أجل التفاخر ويتصور أنه يحسن صنعا. والحق أن المسلم لا تعنيه المعجزات المادية لأن القرآن الكريم في حد ذاته دليلا على صدق الرسالة.

ولو كان من سنة الله تعالى خرق نواميس الكون لنصرة أنبيائه لما كان خص أنبياء اليهود بعشرات المعجزات المادية وحرم منها نبي الإسلام وهو خاتم الأنبياء وإمام المرسلين ، بل كانت الرسالة الخاتمة أولى بأن تشهد مهرجانات يومية أو سنوية للمعجزات والأعاجيب المنقطعة النظير التي تثبت الرسالة وتخرس الكفار والملاحدة والمتشككة واليهود والنصارى والهندوس والشيوعيين والأناركية وأطفال الشوارع إلى يوم الدين.

ويروي الطبري وغيره سبب نزول القصص فيقول : "مَلَّ اصحاب رسول الله ملَّةً (يعني ملوا من قراءة القرآن وكان الرسول يغضب إذا ذهبوا ليتسلوا بالإستماع إلى القصاصين اليهود) فقالوا: يا رسول الله، حدَّثنا: فأنزل الله تعالى: { ٱ-;-للَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱ-;-لْحَدِيثِ} الآية. قال: ثم إنهم مَلُّوا ملَّةَ أخرى فقالوا: يا رسول الله فَوْقَ الحديثِ ودُونَ القرآنِ (يعنون القصص) فأنزل الله تعالى: { نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱ-;-لْقَصَصِ} فأرادوا الحديث، فدلهم على أحسن الحديث ، أرادوا القصص، فدلهم على أحسن القصص". أي أن الناس ملوا من قراءة القرآن الذي يبين أمور الدين ، وملوا من الحديث الذي يتناول حقائق الدنيا والتاريخ ، وطلبوا القصص الذي يدخل البهجة والسرور إلى قلوبهم فأنزل الله أحسن القصص. والقصص لا يكون قصص إن خلا من الخيال والأحداث والصور غير الطبيعية وغير المألوفة حتى يثير السامعين ويأسر ألبابهم وينفذ إلى وجدانهم بما يريد من العبر والمواعظ ، مما يتأكد في تعبير "أحسن القصص" فليس هناك خبر أحسن من خبر ، ولكن هناك قصة أحسن من قصة. أي أن القصص غير الحديث غير الخبر.

ولقد أثار إعلان الشيخ خالد الجندي أن آدم قد خلق في الأرض ومات في الأرض ولم يغادر الأرض رغم أن ظاهر النص القرآني يشير إلى أن آدم قد خلق في الجنة ثم هبط إلى الأرض عقابا له لعصيانه أمر الله "وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ، فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ" أثار هذا الإعلان من جديد موضوع الرمز والمجاز في فهم القصص القرآني ، إذ لا يستطيع عاقل أن ينكر استخدام القرآن للغة الرمز والمجاز في عشرات الآيات والقصص:

فهل قوله "يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ" تعني أن الله قد سأل وأن جهنم قد أجابت؟

وهل قال الله فعلا للسماء واِلْأَرْضِ "اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ"؟

وهل قوله لليهود الذين اعتدوا في السبت "فقلنا لهم كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ" يعني أن هؤلاء تحولوا فعلا إلى قردة؟ .. قال مجاهد : مسخت قلوبهم ، ولم يمسخوا قردة.

وهل قوله " يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ" يعني أن الله قد وضع يده فعلا على أيديهم؟

وهل قوله عن الأرض "يومئذ تحدث أسرارها" يعني أن الأرض ستتكلم ؟

ونجد في قصة سيدنا موسى خير دليل على كونها إبداع قصصي رمزي وليست أخبارا وحقائق ، فالقرآن يقرر أن حبال وعصي سحرة فرعون لم تتحول إلى ثعابين حقيقية فقال " يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ-;-" مما فسره المفسرون بأن السحرة عادة يقومون بدهان حبالهم وعصيهم بعقاقير خاصة مثل الزئبق تضطرب عند تعرضها لحرارة الشمس وينتج عنها هالات ضوئية يتخيل الناس عند رؤيتها أنها تسعى وتتحرك ، فأمر الله موسى "وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا" أي ألق عصاك يصدر عنها هالات أكبر تطغى على ما صدر عن حبال وعصي السحرة ، ولم يقل القرآن أن عصا موسى تحولت إلى حية حقيقية وأنها أكلت ثعابين السحرة ، فكيف لحية حقيقية أن تأكل هالات ضوئية وهمية ؟ ... وإذا كان الله قد أراد أن يؤيد نبيه بمعجزة تتحدى عقول الناس عبر العصور أفلم يقدر جل جلاله على غير هذه اللعبة السحرية البسيطة ؟ ... سبحان الله عما تصفون.

ولقد أفاض الكثيرون وآخرهم الإمام محمد عبده في تفسير المنار في بيان الرمز والمجاز في مسائل الطير الأبابيل والحجارة من سجيل ، وخلق آدم وحواء ، وسجود الملائكة لآدم ، واستكبار إبليس ، وهكذا يجب أن نفهم أيضا يأجوج ومأجوج ، وذي القرنين ، وحوت يونس ، ونملة سليمان ، وشق البحر ليس عن شك في قدرة الله ولكن عن إيمان بأن الخلق وكافة الأحداث تجري وفق سنن الله وقوانينه ، ولم يشذ عن هذا الفهم السوي سوى بعض السلف وابن تيمية وقبيله من الوهابية والسلفية والدواعش الذين يصرون على التفسير الحرفي للقرآن حتى نستمر في خصومة مع القوانين والإكتشافات العلمية في مسألة الخلق وغيرها ، وحتى نظل أسرى تفسيراتهم الحرفية لأحكام الردة والتكفير والجهاد والقتل والجزية ونكاح الصغيرات وتعدد الزوجات .. إلخ.

إن الكتب المقدسة ليست كتب تاريخ ، ولم تعنى بتسجيل تاريخ البشرية كما يتصور بعض السذج ، وليس أدل على ذلك من أن الحفريات المكتشفة مثلا تؤكد أن عمر الإنسان على الأرض يزيد عن 200 ألف سنة بينما نجد أن عمر الإنسان في الأديان الإبراهيمية "السماوية" الثلاثة لا يزيد عن 6000 سنة فقط لا غير ، وذلك اعتمادا على الحسبة التوراتية التي تقول أن آدم عاش 930 سنة وأنجب إبنه شيت وعمره 130 سنة ثم تتبع سلسلة المواليد باليوم والساعة والثانية لتصل إلى هذا الرقم الذي أيده كتبة الإنجيل (انظر لوقا 3) ، كما أكده بأحاديث نبوية "جميع" علماء السلف في الإسلام ، ووصل الأمر بالإمام السيوطي أنَّ حسب مدة الكون كله على بعضه من ساعة الخلق إلى يوم القيامة بسبعة آلاف سنة "الحاوي للفتاوى" (2/105) ، ولكن الدروايش في أيامنا هذه يتصورون أن هذه الكتب تحتوي على علوم وتاريخ ثم يتساءلون عن سبب انتشار الإلحاد في صفوف الشباب؟

ملحوظة هامة : لا يفهم مما سبق أن الله لا يستجيب للدعاء وهو القائل "ادعوني استجب لكم" ، فالله وفق مشيئته قد يستجيب وقد لا يستجيب ، والإستجابة قد تكون بتحقيق المراد من الدعاء وقد تكون بأشكال أخرى لا نستطيع إدراكها مثل تيسير ما هو خير منه ، أو دفع شر به ، أو ادخار الدعاء عند الله يوم القيامة حيث يكون العبد إليه أحوج.

أخيرا أقول لكم : إن ظهور داعش قد طوى إلى الأبد صفحة دين الأئمة والفقهاء ، وفتح صفحة جديدة يعود فيها الإسلام إلى جوهره الحقيقي دين للعقل والجمال والمحبة ، دين بلا سلطة ولا عنف ولا خرافة ولا كراهية ، ولو كره الساذجون والمتطرفون ، ونحن لن نفلت هذه الفرصة.

لا تنسونا من صالح الدعاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إلى الأستاذ الفاضل إسماعيل حسني
Randa Shawky Elhamamsy ( 2015 / 3 / 22 - 15:56 )
أ. إسماعيل حسني
يسعدني بل ويشرفني لو حضرتك إطلعت على مقالي من 6 أجزاء يتكلم عن المعجزات وقصص الأنبياء-أكون شاكرة كتير لو أعرف تعليقكم على هذا المقال.
ولكم عميق الشكر والتقدير
راندا الحمامصي
رابط مقالي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=460509

اخر الافلام

.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah