الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قتلوا فطرتنا وتلقائيتنا فانتبهوا ياأهل مصر

سوسن أحمد سليم

2015 / 2 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


غادرت بلدي مما يقارب السنتين ، والسبب في ذلك أن سوريا ، تبدلت بها الأحوال ، إلى أسوأ حال عرفته فيها منذ وعيت على هذه الحياة ، حيث الموت بالمجان ودون إثبات جرمٍ يستحق من مات ، عليه الموت ، ولاتستطيع مهما حاولت التحري ، أن تتعرف إلى شخصية أو هوية القاتل ، مالم تكن بالصدفة أو بمقادير ، حاضراً وترى بأم عينك مايجري ، كل فرقةٍ وهبت نفسها للموت ، تلقي بالتهمة على الفرقة الأخرى ، ويضيع مابين تلك الفرق التي لم نعد نستطيع لها عداً ، شعب طيب أعزل ، كل ذنبهِ أنه خُلِقَ على هذه الأرض ، ومهما ادعى المتقاتلون دفاعاً عن أرض وعرض ، أو طلباً للحرية ، ومن ثم ظهور أسباب أخرى لفرق أخرى كرفعها إسلامية ، فالهدف واحد ، الكل يريد تفكيك كيان وبنية البلد ، وتمزيق نسيجها الشعبي ، ليحقق لنفسه مصلحة من خلال التغلغل ضمن تلك الشروخ التي يحدثها بمدفعيته متعددة الأشكال ، من حرب إعلامية ونفسية ، إلى استخدام السلاح بكل أشكاله وأنواعه . والحرب على أرض وسيادة ، ماهي إلا صورة مصغرة لحرب أكبر ، هي الحرب على الحياة بكل تفاصيلها ، حيث يصيب الشلل بشكل كامل أو جزئي ، كل مفاصل الحياة ، من أمنها لقمحها لمائها لدفئها لدوائها، وكل المستلزمات اليومية اللازمة كحق طبيعي للإنسان ، تلك التي بات الشعب يفقدها جزءا فجزءا ، حتى أتت على أغلب احتياجاته الضرورية للبقاء .
الحرب تأكل الأخضر واليابس ، وأهم خضار تجتثه هو القلوب الخضراء المحبة التي لاتعرف الغل والحقد والكره ، قلوب تعايشت عقوداً ولم تدرك فيما بينها إلا المحبة والود والاحترام ، لم أكن أعرف في بلدي نزعات طائفية / وأعتذر هنا لكل كلمة تعبر عن الطائفية أو التحزب ، فأنا إنما أذكرها للبيان / أو مذهبية أو عرقية أو دينية واضحة للعيان رغم أن الفسيفساء السورية لاتخفى على أحد ، لايخلو الأمر من حالات فردية أو ظواهر غالبا ما تُفنى من لحظتها / وأتحدث هنا عن علاقة أفراد الشعب ببعضها / إلى أن أتت هذه الحرب ، ودُسَّ سم التفرقة الدينية بكل مللها ونحلها ، والمُسْتَهدفُ واحد ، هو الشعب ، وتفكيكه بزرع الخوف بين أفراده ، من بعضهم البعض ، ليسهل الدخول عبره إلى أهدافٍ سياسية .
لما دخلتُ مصر ، كنتُ أشعر بغربةٍ واغتراب ، ليس من السهل أبداً أن تستبدلَ مكانك وأهلك / مع جل الاحترام لمصر وأهلها / غير أن البدائل بلغة علم النفس ، تعتبر إشكالاً حقيقياً ، ومنعطفاً صعب المرور في الحياة ، فكيف لو كنتَ تستبدلُ أماً ماشبعتَ بعدُ من لبنها ، هي الأوطان كذا ، يصعب استبدالها ، وخصوصا في مراحل متقدمة من العمر ، هي ولادةٌ جديدة تحتاج الكثير من العناية ليكبر طفلها وينسجم مع الحياة خارج رحم أمه ، وحدثَ أن التقيت في إحدى الحافلات العامة بعد فترة من وجودي في مصر ، سيدة وضح لي أنها سورية من لهجتها وهي تحدث الجالس بجانبها ، رغماً عني رقص قلبي فرحاً ، فبادرتها بالكلام ، عادةً في أي تعارف جديد ، كنا نسأل المقابل في سوريا ، من أي أنت ،هذا السؤال التقليدي في أي مكان ، وماأجمله هنا في مصر ، حين يُتبع بعبارة " أجدع ناس " إلا أننا وكلينا ، تحدثنا في الكثير طيلة طريق لمدة ثلاث ساعات ، ولم تجرؤ إحدانا أن تسأل الأخرى ، من أين أنتِ ، خشية الحساسية المفرطة التي زُرِعَت رغماً عنا ، ودونَ قناعتنا بها ، فينا ، في معرض الأحداث التي لاأطلق عليها سوى أنها غريبة ، في بلدي .
أصدقائي في سوريا ، يكادوا يكونون صورة مصغرة لتلك الفسيفساء التي أفخر بها ، كما يفخر كل سوري صادق في انتمائه لهذه الأرض وهذا الشعب ، لم ننتبه يوماً للاختلاف لاأنا ولاهم ، ولاأذكر أن حديثاً دار بين أحد منا عن دينه أو مذهبه أو طائفته أو انتمائه ، وحين يمر ذكر لضرورة بيان ، كان يمر دون انتباه له ، فهو في سياق حديث لايعني أكثر من مناقشة تضمنته أو استدعت ذكره بعيداً عن النعرات والفرقة والاختلاف ، من بين أصدقائي ، صديقة وُلِدَتْ في عائلةٍ علوية ، ووُلِدتُ أنا في عائلةٍ سنية ، / وكلانا من غير قصدٍ منا / أحن إليها كما أحن إلى أحد أفراد أسرتي ، إضافة لما يربطني بها من عرى الصداقة الوشيجة التي لم تستطع الحرب بكل لعناتها أن تغيرها أو تدخل خللاً فيها ، مازلنا إلى اليوم نتكلم عبر الهاتف ، نطمئن على بعضنا ونتبادل الحديث عن أحوال وطنٍ جريح وأهله ، في معرض حديثنا آخر مرة من أيام ، كانت تسألني عن ابنتي وهي تعلم أنها مخطوبة ، وفي ذكر خطيبها ، قالت لي : " أذكر أنه من عند.... " وابتلعت باقي الكلمة والكلام ، ومرت فترة صمتٍ أحسسناها كلانا ، ثم قلتُ لها : حبيبتي لمى ، لقد قتلوا الفطرة والتلقائية فينا ، لم نكن لنتوقف عند هذه الترهات ، ولم أكن لأبادر بأي ردة فعلٍ لو أكملتِ كلمتك ، غير ماعهدتِ مني ، مايربطنا أكبر .
كانت كلمة من عندنا ، كلمة عادية نتداولها حين نعرف أن إنسانا ينتمي بالولادة لما ننتمي إليه ، خطيب ابنتي ، وُلِدَ في عائلةٍ علوية ، ولم يقف الانتماء الغير المقصود ، في وجه الحب .
واليوم ، مصر أصبحت بلدي الثاني ، وربما بلد العرب الأول في أحداث هذا الربيع الذي لم يزهر إلا حسرة وأسى في قلوبنا ، تتعرض لهذه الهجمات ، وبغض النظر حقيقية أم مفبركة ، فما عدنا نستطيع إلا اليسير من التمييز بين الحقيقة والوهم ، لكن الأكيد ، أن ليس أقباط مصر المقصودين ، ولامسلميها ، القضية ليست قضية أقباط ومسلمين ، هي ككل قضايا الغل والمصالح التي تذهب بأصحابها للفتك بالبلدان وأهلها ، هدفها الوصول إلى تفتيت النسيج المصري ، بحيث يخشى الجار القبطي من جاره المسلم ، والعكس صحيح ، وتكون فتنة تشعل حرباً أهلية ، يسهل من خلالها الوصول لسيادة هذا البلد ، ولو بشكل غير مباشر ، مع أنه مباشر .
أهلي المصريين ، مصر اليوم ظهر العرب ، ولو بتنا نقول كلمة عرب مجازاً ، لكنها ظهر هذه المنطقة المستهدف كيانها اليوم ، لو وقعت ستحترق المنطقة بمن تبقى فيها ، لاتلتفتوا للنزاعات هذه ، إلا بتوطيد محبتكم ، وبتماسككم على أرضكم ، لاتصدقوا أن جيرانكم المسيحيين يريدون بكم سوءاً ، أو جيرانكم المسلمين كذلك ، صدقوا ماتقاسمتموه من قمح وحب في هذا البلد الكريم الحيي ، ولاتدعونهم يُفْقِدونكم فطرتكم وتلقائيتكم .
قتلوا فطرتنا وتلقائيتنا ببث الخوف والذعر فانتبهوا ياأهل مصر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 232-Al-Baqarah


.. 233-Al-Baqarah




.. 235-Al-Baqarah


.. 236-Al-Baqarah




.. 237-Al-Baqarah