الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا تسأل .... فالله يحب الصامتين!

محمد صلاح سليم

2015 / 2 / 18
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


" لاتجادل ولا تناقش يا أخ علي " جملة رددها الفنان "أحمد راتب" يأمر فيها الفنان "عادل إمام" بألا يجادل ولا يناقش أوامر الأمير وقيادة الجماعة في فيلم "الإرهابي", كنا نسمعها ونرددها ضاحكين حين نداعب أحد الأصدقاء أو الأقارب المتدينين والأصوليين.
لكن هل تلك الجملة هي جملة سينمائية من وحي خيال المؤلف لا علاقة لها بالواقع ومجرد افتراء علي المتدينين أو المؤمنين؟ أم إنها انعكاس لواقع مجتمعي ليس فقط بين ذوي التوجه الديني الأصولي بل ربما بين عامة الناس فيما يتعلق بما يسمى لديهم بالمسلمات والخطوط الحمراء؟
الحقيقة أن الإنسان يأتي إلي الدنيا كصفحة بيضاء لم يُخط فيها بقلم, ولا تحركه غير الحاجات والغرائز الأساسية, وتؤثر في تشكله الجينات الوراثية, لكن يبقى العقل كالإناء الجديد الفارغ في إنتظار من سيسكب فيه أول قطرة, وهنا تبدأ رحلة التشكل الفكري والعقلي مع اول قطرة معرفة وتلقين تُغرس في العقل الإنساني, والتي لا تكون إلا مايعتنقه الأبوان أو المربون من أفكار ومعتقدات وأديان,وينشأ الإنسان وهو يتعلم ويُلقن ما تغرسه فيه أسرته,وتنقشه بيئته ومجتمعه بمؤسساته التربوية والتعليمية والثقافية والاجتماعية والتي تعكس بالضرورة توجه الدولة وسياستها.
لكن ليس دائما تأتي الرياح بما تشتهي السفن, ولايكون للمرء دوما كل مايتمناه, وليس الإنسان بتعقيدات عقله وفكره وأبعاده النفسية والعقلية والاجتماعية وغيرها مجرد قطعة صلصال يشكلها فنان ما حيث شاء وتظل علي ماهي عليه لا تتغير ولا تتبدل, وليس العالم بالمكان الضيق ذي الإتجاه الواحد,وليس الفكر الإنساني بالفكر البسيط المتشابه, ولم تكن أبدا الحضارات والثقافات ثاتبة وجامدة وبسيطة بل معقدة ومتنوعه ومتعددة, فحين أول خروج للعالم الواسع وبعد أول تصادم مع مختلف الثقافات المغايرة للثقافة الموروثة لاسيما في عصر العولمة والتقنيات العالية يبدأ الإنسان في التعرف علي عالم غير عالمه, وفكر مغاير لفكره,وثقافة غير تلك التي ورثها وتعلمها وتشربها علي أنها الحق المطلق والحقيقة المجردة ومفتاح السعادة والتصور الأمثل للدنيا بما فيها من بشر وعلوم وقوانين وأفكار, بل وتصور يعتقده اعتقاد اليقين عن كيف بدأت الحياة وماذا سيحدث بعد الموت, ومفهومه عن الخير والشر, والحق والباطل, والصلاح والفساد.
ولأن الإنسان يغلبه الفضول ويسعى إلي المعرفة ويحب أن يعلم معنى الحياة ودوره فيها فحين يصطدم بالثقافات التي لم يكن يعرفها والأفكار التي لم تطرأ علي ذهنه, ويعرف أن هناك تصورات أخرى غير هذا التصور الذي كان يحسبه حقا مطلقا, ويقينا لا يقبل الشك, يبدأ الإنسان حينها في الوقوع في المحظور ويتجرأ علي الخطوط الحمراء ويرتكب أكبر جريمة في نظر المجتمعات ضيقة الأفق ألا وهي : الشك .
يهاجمه الشك من كل جانب وتزلزله الأفكار وتؤرق نومه ولا ترحمه فيكسر حاجز الصمت ويرتكب جريمة أخرى ربما أكبر من الشك الصامت السجين بين قلبه وعقله وتلك الجريمة في مجتمع يؤمن أنه خير أمة أخرجت للناس, أو أنه شعب الله المختار, أو أبناء الله,تكاد تكون جريمة لاتغتفر ألا وهي : الجهر بالسؤال .. يبدأ الإنسان أن يسأل ويحطم الخطوط الحمراء ويثور علي التابوهات والمحرمات, يسأل أسئلة تثير غضب العامة والخاصة, يشكك لأول مرة في موروثه الذي كان يؤمن انه لاحق إلا هو .. يسألهم لم يكون الحق معنا؟ لم ليس مع غيرنا؟
أين الله؟ ماحكمة الخلق؟ ماحاجته إلي خلقنا؟ لم ديننا هو الأفضل؟ ماالدليل علي صدق الكتب المقدسة ..... إلي آخر تلك الرصاصات القاتلة والقذائف النارية التي تجلب العداوة وتفرق بين الأب وابنه والزوج وزوجته والصديق وصديقه.
وتأتي ردود الأفعال علي تلك الأسئلة المحرمة والأفكار المجرمة, وتختلف حسب عقلية كل أسرة أو جماعة من المجتمع لكن ربما لاتخرج عن أشكال معلومة ومنها :
الوعيد والترهيب بالعذاب في الآخرة وأن تلك الأسئلة "حرام" ويتم الاستشهاد بالنصوص الدينية مثل "تفكروا في آلاء الله ولاتفكروا في الله", ويزيد الزجر عسي أن يمنع الوعيد فكرا لكن هيهات.
المعاداة والتهديد الدنيوي من طرد ومعاقبة وزجر ونهي ربما يصل إلي الضرب والأذى البدني وأن تلك خطوط حمراء لا يجوز لأي أحد أن يشكك فيها ولكن أيضا لم يقتل القمع فكرة ولن يجيب الأذى عن سؤال.
النقاش الحر يأتي أحيانا والرد بالحجة والعقل بابتسامة خفيفة ومحاولة احتواء حتي لا يُقال أن القمع هو الأسلوب في الرد علي الشك والأسئلة ولكن إن لم تأتي تلك الطريقه بنتائجها فالويل للسائل لو كانت الدولة دينية فلن يجد إلا "الإستتابة" ثم القتل لو اعتنق تلك الأفكار التي يسأل عنها وكانت تُعد كفرا وردة.
لكن يصرخ العقل أمام طغيان المعتقدات الشمولية ويزأر أمام تابوهات ومحرمات المجتمع,ويتجاوز كل الخطوط الحمراء ويبدأ في تحطيم أصنامه الفكرية ويأبى أن يقول " إنا وجدنا آباءنا على أمة" ويسأل ثم يسأل ولا يجد من المجتمع إلا القمع والتكميم للأفواه .
وكيف لك أيها الإنسان الجاحد أن تسأل ؟ كيف سولت لك نفسك أن ترتكب تلك الجريمة؟ ألم تر أن الخانعين الخاضعين تبتسم لهم الأرض وترضى عنهم السماء؟ ألم تعلم أن السؤال يفتح أبوابا لا تغلق؟ ألم تتعلم في طفولتك أن الطاعة لابد أن تكون عمياء؟ وأن سبب معاناة البشرية هي ثمرة محرمة أكلها أبوك محطما للأوامر الألوهية العليا؟ كيف تتبع الشيطان وتتكلم؟ أنت نكرة ليس عليك أن تأتي بجديد وكل دورك أن تسمع ثم تطيع .. أن تقبل يد الكاهن حيث البركة .. وأن تسأل الفقيه في أمور دينك ودنياك .. وألا تعارض الحاكم مادام يحكم بحكم الله ... كيف لك أن تطالب بالدليل علي صدق كلام من هم أعلم منك..؟ تبا لك من جاحد .. اللعنة علي عقلك فهو قاصر ... عد إلي رشدك وسر مع القطيع حتى لاتطرد من جنة المجتمع .. لا تأكل من شجرة المعرفة فإن المعرفة عليك حرام .. ولا تسأل عن أشياء إن تبد لك تستاء .
الحق أقول إن جملة " لا تجادل ولا تناقش يا أخ علي " ليست من وحي خيال سينمائي ولا حتى خاصة بالأصوليين المتدينين .. بل هي جملة يرددها المجتمع العربي كل يوم بطرق مختلفة حين يتجرأ أحدهم علي المحرمات والخطوط الحمراء الدينية أو السياسية .. وماذا ننتظر من مجتمع ليس للعلم فيه مكان؟ ماذا ننتظر من مجتمع قتل المنطق وانتحرت فيه العقلانية؟ حتى إن أحدهم ليقول " لايُعتد بكلامه فهو عقلاني" وكأن العقل أصبح جريمة !!
فمهما صرخت أيها العقل البائس في وجه جبال الجهل .. ومهما قاتلت بالعلم سيوف الرجعية والتخلف .. ومهما واجهت بالمنطق ظلام الخرافة ستظل أنت المهزوم وأنت المطارد في عالم شنق نفسه بحبل الوهم وانتحر عقله ..فما نفع الأدلة ومانفع التفكير العلمي في مواجهة مجتمع يزعم أنه يملك الحقيقة المطلقة وعنده المعرفة في كل شئ وعن كل شئ ويصل إلي النتائج قبل البحث وإلي النهاية قبل الخطوات؟!
فالزم السلامة وارمي بالتفكير المنطقي في أعماق بحر الجهل, واضرب بالعلم عرض الحائط فإنه في مجتمع لا يفكر " لايغني ولايسمن من جوع ".. فإن لك أن تسأل عن كيف تنفذ ما أمرت به,وكيف تستطيع أن تسير مع القطيع بطريقة مثالية؟ حينها ستصبح قريبا حبيبا لهم ... لك أن تسأل ماذا يجب عليك أن تفعل كي ترسخ الأفكار الموروثة أكثر؟ وتضمن نقل المعتقدات المتوارثة إلي الأجيال القادمة.
لكن إن تجرأت وأجرمت وسألت سؤالا واحدا يهدم الموروث ويحطم التابوهات ويتجاوز الخطوط الحمراء ويتعارض مع المقدسات فإنك لن تجد الإجابة إلا:
لا تسأل ....... فالله يحب الصامتين !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا تدركه الأبصار
سيّد ( 2015 / 2 / 18 - 21:06 )
قال تعالى : لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ-;- وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ

اخر الافلام

.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في


.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج




.. 101-Al-Baqarah


.. 93- Al-Baqarah




.. 94- Al-Baqarah