الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المجتمع المدني ظاهرة اجتماعية طبيعية وليست مجرد مفهوماً للدراسة

عاصم محمود امين

2015 / 2 / 20
المجتمع المدني



يعتبر مفهوم المجتمع المدني ظاهرة اجتماعية طبيعية و من أكثر المفاهيم التي تم التطرق إليه من حيث التحليل والبحث عن تاريخيته وتحديد زمانه ومكانه.
كما انه بات من أكثر الظواهر والمفاهيم تداولا وتناولا بين الباحثين والمفكرين المعاصرين لما له من أهمية تاريخية وحاجة تنظيميه اجتماعية حديثة.
ويعود بتاريخه الاصطلاحي إلى القرن السابع عشر في أوربا ونتيجة تحولات اجتماعية وفكرية وثقافية فيها ،أصبح محط اهتمام الكثير من مفكرين وفلاسفة تلك الفترة بهدف التخلص من الحكم الثيوقراطي والانتقال إلى الحكم الدستوري الملكي أمثال (جون لوك وتوماس هوبز ومونتسكيو وجان جاك روسو.....) وذلك من خلال طرح فكرة الانتقال بالإنسان من حالة الانتماء الطبيعي الى حالة الانتماء السياسي المدني القائم على روابط اجتماعية مبنية على الإرادة الحرة بعيدا عن الروابط القبلية والعائلية،أي جاء مفهوم المجتمع المدني ليحل محل مفهوم المجتمع الديني.
وبالمعنى الفلسفي والسياسي الحديث للمفهوم،هو مفهوم متطور ومتقدم عن مفهوم الدولة،حيث تنبثق الدولة منه ، ويطور نفسه وفق حاجاته وحركة تطوره ووفق موارده المتاحة ، بمعنى أن المجتمع المدني والدولة منفصلان مدنياً وينظم وينتج ذاته وكيانه وأدواته وعلاقاته من تلقاء ذاته خارج سلطة الدولة ،وتبقى الدولة تحت إشرافه ويصبح هو محركا لآلياتها ومتابعا وراعيا لها.

ومن أكثر التعريفات شيوعا لمفهوم المجتمع المدني حديثا ،انه المجتمع المؤسساتي الطوعي الخاص والمستقل والغير ربحي الذي تقوم علاقات أعضاءه على الإرادة الحرة بعيدا عن العلاقات وصلات القربى والدين والقبيلة او العشيرة وهو مجتمع تطوعي يتكون من جمعيات ومنظمات واتحادات ونقابات وهيئات .....الخ،وهو مجتمع التعاقد بين الأفراد والمجتمع، وبين المجتمع والدولة. بمعنى أن المجتمع المدني يتوسط مابين الأسرة والدولة تلك الساحة الكبيرة المستقلة للأفراد من النشاطات والأعمال الطوعية والتعاونية التي يقوم بها من خلال المنظمات والجمعيات والمجموعات بهدف تطوير ذواتهم وبيئتهم الاجتماعية من خلال أفكار ومشاريع وخدمات ورؤى حرة تتماها مع حالة ونمط المجتمع الذي ينتمون إليه.
وعلى أساس هذا التعريف وهذا الفهم للمجتمع المدني يمكننا القول انه مجتمع حقيقي،يهدف الى خلق دولة أو نظام سياسي يمثله، قائم على المواطنة والقانون والتعددية والديمقراطية ويكون حقوق الإنسان وحاجاته واستقراره فوق أي اعتبار وهو الهدف الأسمى الذي يحوم حوله الدولة والسلطة في فضاءهما السياسي.
ويرى الكثيرين من المفكرين أن المجتمع البرجوازي والرأسمالي اقتصاديا والديمقراطي سياسيا والمتسامح والمسالم اجتماعيا ،هما أفضل البيئات لإنتاج هكذا مجتمع،وذلك لاعتبار هذا المشروع أو التنظيم الاجتماعي هو مشروع متكامل مرتبط جوهريا بوعي الأفراد وتأهيلهم وتحضرهم، وقيمهم، ونمط تفكيرهم، ونظام حاجاتهم وطريقة إنتاجها، ويكون تبنّي الفكر العلماني القائم على العقد الوضعي للدولة وعلى أساس قاعدة الحقوق والواجبات للفرد، شرط أساسي لتأسيس هذا المجتمع.
ويعتبر أهم الأدوار التي يقوم به المجتمع المدني، الحفاظ على الشكل الديمقراطي للحياة السياسية ومراقبة دور الحكومة وأعمالها،وتكون بديلا للدولة حين لا تكون الأخيرة بمقدورها القيام بدورها و غياب سلطتها نتيجة الصراعات والخلافات السياسية أو ظهور أزمة اقتصادية او إسقاط أنظمة ديكتاتورية، كذلك ضبط المجتمع وحماية حقوق الأفراد والدفاع عنها وتحقيق التكافل الاجتماعي والتنمية البشرية والمادية عن طريق تفعيل دور المنظمات وتطوير مهارات أعضاءها وقدراتهم ،في مناخ ديمقراطي قائم على الحرية والتعبير عن الرأي، كون الحرية تعتبر الفضاء الذي يتحرك فيها كل نشاط مدني
فالحرية كانت على الدوام هاجس لكل عقل وفكر ينشد التطور والخلق والابتكار،هي حاجة وساحة لنضالهم في مواجهة الغموض وتعقيدات الكون والطبيعة والحياة،هي جاذبية غريزية لا ينال منها إلا الفكر المتسلط والديكتاتوري والاستبدادي
ولذلك واجهة مفهوم المجتمع المدني صِداماً باطنياً عنيفاً وتداولا ملتويا ومسخا من قبل الفكر القومي والديني المؤدلج معا على غرار(مفاهيم عن الحرية والديمقراطية والعلمانية .....) إلى درجة أنهما تآلفا عليه رغم تناقضهما وصراعهما الإيديولوجي العميق والطويل ،فصلوا له كفناً قبل ولادته،واعتبروه ظاهرة وبدعة استعمارية غايتها النيل من البلدان الهادئة والمستقرة تحت سطوة السوط ،وبدعوى اندثار الهوية الثقافية التي بنيت عليها مجتمعاتهم من جهة،وغربية هذا النوع من التنظيم البشري وتآمريته من جهة أخرى ،وتم التركيز على اصطلاحه ومنشأه و وتطوره أكثر من تشخيصه ومدى حاجته كشكل تنظيمي للاجتماع خاصة في الجامعات ومراكز البحث والثقافة.
تجلى ذلك أكثر في البلدان والمجتمعات السياسية الديكتاتورية المتبنية للفكر القومي او الديني حيث تم التعامل مع هذا النوع من التنظيم الاجتماعي بشكل غير عادل، وقاسي،وعدائي، تم تداوله بشكل فلسفي وتاريخي على مستوى البحث و الدراسة ليس إلا، لم يكن لتلك الأنظمة السياسية الرغبة والنية الحقيقة في تغيير مجتمعاتها وشعوبها،لان الاجتماع المدني الحر تنافي إيديولوجياتها ونمط سلطتها وطريقة حكمها (الأنظمة العربية مثالا).حيث احتالت على هذا المفهوم و انشات وتبنت مؤسسات ومنظمات مدنية تقليدية رديفة للمؤسسات الحكومية التي هي بالأساس مرتبطة بجهازها السياسي والأمني الغير مستقل.والتي تفتقر إلى ابسط المعايير المدنية العصرية للمجتمعات ،كونها تدار من قبل أشخاص مباشرين من الحكم (كالجمعيات الخيرية والاهتمام بالمعوقين ....) وذلك لتحفظ بقائها وديمومتها.
ان أي مشروع سواء كان حضاريا أم اقتصاديا أم وطنيا أم علميا هو فاشل،ومخالف لمنطق تاريخ حركة تطور المجتمعات ،لن يكتب له النجاح ما لم يشارك فيه المجتمع الذي هو أهم أدوات ذلك المشروع، ويكون بمبادرة منه
المجتمع المدني ظاهرة اجتماعية لها قوانينها الخاصة وتتماها مع كل المجتمعات البشرية كونها تعبر عن مجمل النشاطات البشرية،وقد تم سلب هذه الظاهرة من زمانها ومكانها الحقيقية مثلها مثل الكثير من الحاجات البشرية والاجتماعية التي هي الأساس الذي نبنى عليها المستقبل ،من غير المعقول لأية حكومة او سلطة في العالم ان تقدم حلولا دائمة لمجمل مشكلات وحاجات وأزمات مجتمعاتها، ما لم تقم تلك المجتمعات بمعالجة نفسها بذاتها ولذاتها،وحل أزماتها،والنهوض بواقعها المعيشي والعلمي والسياسي من خلال مؤسساتها وعلاقات أفرادها المدنية الحرة ،هذه الظاهرة الاجتماعية تسمى اليوم المجتمع المدني








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جولة لموظفي الأونروا داخل إحدى المدارس المدمرة في غزة


.. اعتقال أكثر من 1300 شخص في الاحتجاجات المناصرة لغزة في عموم 




.. العالم الليلة | الآلاف يتظاهرون في جورجيا ضد مشروع قانون -ال


.. اعتقال طالبة أمريكية قيدت نفسها بسلاسل دعما لغزة في جامعة ني




.. العالم الليلة | الأغذية العالمي: 5 بالمئة من السودانيين فقط