الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملائكة وشياطين

رامي رفعت

2015 / 2 / 21
المجتمع المدني


لا اذكر انني كنت يوما من المهتمين بالشأن السياسي ، فقد كانت فترة حياتي الجامعية وما تلاها من فترات حكم الرئيس السابق حسني مبارك حيث الكلام في السياسة من الامور المنهي عنها حتى لا تجد نفسك مطلوبا في امن الدولة . ونتيجة لاقتناعي الشخصي بعدم جدوى الحديث او العمل السياسي وقتها فلم احاول ان اجرب مدى شجاعتي الشخصية في تحدي نصيحة الاهل بالابتعاد عن السياسة . واعتقد ان كثيرين شاركوني نفس الابتعاد عن السياسة لاسباب امنية بالدرجة الاولى ، وانا لا الومهم ولا الوم أهلهم فكل شخص حر في اختياره فالعبرة ليست بالانخراط لمجرد الانخراط في العمل السياسي انما بالنتيجة العائدة علي الفرد والمجتمع .
ثم قامت احداث يناير 2011 واصبحنا فجأة في قلب الحقل السياسي نعترض ونصرخ بعد ان كنا نكتفي بالتندر على الحزب الوطني همسا ، اصبح من السهل ان تعترض على اكبر رأس في حكومتك دون ان تتلفت حولك خوفا من وجود مخبر لجهة امنية . كان الاقبال على السياسة والمظاهرات كبيرا جدا لانه اتى بعد فترة جفاف طويلة للغاية ، الا انه ونتيجة عدم انتشار ثقافة الاختلاف وانعدام الشفافية مع نسبة امية فكرية لا بأس بها تحول الحقل السياسي الا مكان مزدحم غير منظم تعلوه الغوغائية والخطابات الديماجوجية .
مع وصول الرئيس السابق محمد مرسي للحكم ثم رحيله والدخول في مرحلة انتقالية اخرى ثم وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي لسدة الحكم ، لاحظت ظهور اتجاه جديد في تحليل المواقف والحكم على الاحداث يعتبر من هم موجودين في الساحة ملائكة وشياطين . ساعد هذا الاتجاه على ظهور ( المجاذيب ) في الحياة السياسية فاصبح لكل فريق مجاذيبه الذين يطوفون حارات وازقة مواقع التواصل الاجتماعي متغنين بتواشيحهم التي تمدح في اوليائهم وتذم شياطينهم .
تقوم فكرة الملائكة والشياطين على ان يرى البعض مرشحهم او قائدهم ملاك مرسل من السماء ، شخص لايخطئ لا يفشل لا يكذب بل حتى لا يريد ان يكون قائدا انما هو مضطر لذلك لتلبية رغبة الملايين . اما الخصم فهو شيطان رجيم يستحل الدماء والاعراض لا هم له الا اطماعه ، واتباعه هم زبانية الجحيم ومجموعة من المسوخ البشرية المتعطشة للدماء .
العيب الرئيسي في تلك النظرية انها تبتعد عن الواقع بعيدا جدا وتحلق في سماء اللا معقول ، فالملاك لا يخطئ في قرار ولايمكن افتراض سوء النية فيه وهو احرص من الجميع على مصلحة هذا الوطن فهو الزعيم والقائد والملهم ، والشيطان لا يمكن ان يتخذ قرارا صحيحا او لمصلحة البلاد وبالتاكيد كل همه هو تلطيخ سمعة الملاك الطاهر وتعطيل مسيرته . الحقيقة انه لا يوجد ملائكة او شياطين في السياسة ، يوجد اشخاص لهم ما لهم وعليهم ما عليهم . ونتيجة تلك النظرة الخالية من المنطق والعقلانية نجد الطرفين يتفوقون على انفسهم في تصيد الاخطاء وتلفيق الاخبار ، لان في الاساس كل طرف له مصادره ( الملائكية ) للاخبار التي تبرز محاسن ملائكتهم وتثنى على حسن ادارتهم وتفضح مخططات الشيطان ومصادره ( الشيطانية ) التي لا تدخر جهدا في نشر الاكاذيب حول الملاك الطاهر وتضع هالة من النور الزائف على شيطانهم .
هنا يأتي دور عدم الشفافية الذي نعاني منه في بلادنا ، فنجد كل طرف ينشر اخباره وهو متيقن انها الحق والحق وحده ، بل ويسخر ايضا من اخبار الطرف والاخر ومصادره التي لا يمكن ان تقنع طفل صغير – حسبما يراها - من سذاجتها ويتهم دائما الطرف الاخر بانه مغيب او جاهل لتصديقه تلك الترهات . مع ان الحقيقة ان الطرفان لا يمتلكان اي اثبات على ان مصادرهم صحيحة ، كل طرف فقط اختار ان يقتنع بهذه المعلومة او تلك لانها الاقرب الى الحقيقة بالنسبة له ، وبالطبع هي ليست اقرب للحقيقة بل هي اقرب لتصوره عن ملائكته وشياطينه .
والامثلة على ذلك بسيطة وكثيرة ، فلدينا مثال عن تصيد الاخطاء في عهد الرئيس السابق محمد مرسي . فنجد ان كارهيه – وليس معارضيه – ينشرون اي خبر بغض النظرعن معقوليته او توثيقه طالما سيظهر مرسي بمظهر الخائن والفاشل ، حتى لو كان الخبر ان مرسي يريد ان يبيع الاهرامات او ان يصل نهر النيل لقطر . لا مانع ابدا من اتهامه بالتخابر او الجاسوسية بناءا على منشور على الفيسبوك ، تلك التهمة التي يسبقها في المعتاد عمل مخابراتي سري لاعوام من مراقبة وتسجيلات وجمع الادلة وتصوير اللقاءات حتى تصبح التهمة كاملة الاركان .
من ناحية اخرى لا بأس على الاطلاق من اتهام السيسي بانه يشتري سلاح مكلف دون المستوى ، فصفقة الطائرة الفرنسية رافال شهدت جدلا كبير بين غير المتخصصين وانصاف المتعلمين . فقام كارهي السيسي – وليس معارضيه – بالصاق كل المساوئ بتلك الطائرة وقام المحبين بوضعها في مصاف الطائرات المقاتلة على مستوى العالم . المضحك المبكي ان كل طرف كان يضع لائحة من امكانيات الطائرة اكاد اجزم انه لا يفهم – وانا مثله – اي شئ من تلك الامكانيات ، لقد اصبح الجدال في هذا الامر كمن ينوي شراء سيارة وهو لا يعرف كيف يحسم امره ويقارن بين التويوتا والاوبل على سبيل المثال . لقد توهمت انه سيخرج علينا احدهم ليخبرنا عن تجربته الشخصية مع الطائرة حين اشتراها مستعملة ، وبانه لم يجد ميكانيكيا يجيد التعامل معها خصوصا ان بها عيب بالدائرة الكهربائية يجعل التكيف لا يعمل بعد ان تتخطى سرعة الصوت .
لا حظت عزيزي القارئ انني قلت في الفقرة السابقة الكارهين وليس المعارضين ، فالمعارضة قرارعقلاني يسبقه القراءة والاطلاع ثم التفكير ثم اتخاذ القرار بالتأييد او المعارضة ، اما الكراهية فهي ردة فعل عاطفية تؤخذ مرة واحدة ثم يتم بناءا عليها الحكم على كل قرارات الشخص المكروه بالفشل ربما قبل حتى ان يقوم بها .
مثال على عدم تصديق ان الملائك قد يخطئ ، حين قامت المؤسسة العسكرية بتقديم علاج فيرس سي والايدز عن طريق جهاز غريب نوعا ما عن المألوف في علاج هذه الامراض ، حاول المحبين بشتى الطرق الدفاع عن الجهاز على الرغم ان المنطق والعلم وقتها كانا يغردان بعيدا عن هذا الجهاز المعجزة . ومع الوقت وتحديد موعد لاختبار الجهاز ثم تأجيله ثم الاعتراف على مضض بأنه مجرد مزحة لم نجد ايا من المدافعين عن الجهاز قد راجع موقفه المؤيد ، بل تجد سكوتا ربما انتظارا لتقديم مبرر لهذا الفشل ، ربما اتهام اللواء عبد العاطي بأنه اخوان وتعمد احراج المؤسسة العسكرية قد يكون حلا مقبولا في الفترة المقبلة لديهم . وهذا مرجعه ان المجاذيب لا يمكن ان يصدقوا ان مثلهم الاعلى يمكن ان يخطئ ويحاسب كباقي البشر ، كيف وهذا وهم ليسوا بشرا من الاساس ؟
مثال اخر على عدم التصديق ان الملاك قد يخطئ ، بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة وبدأ موجة الارهاب التي لم تتوقف حتى الان لم يشأ ان يصدق مؤيدين مرسي ان الاخوان ضالعين في هذا الارهاب سواء بالتشجيع او بالمشاركة والدعم . فكانت اول رواية هي ان الجيش يقتل جنوده والشرطة تقتل جنودها ، وحين تكررت تلك الاحداث اصبحت المخابرات هي المذنبة وان انصار بيت المقدس لا وجود لها ، وحين تطور الامر الى استهداف الجنود المصريين باعداد كبيرة اصبحت الرواية السائدة ان ما يحدث من عمليات ارهابية هي عمليات انتقامية مما يفعله الجيش من ترحيل قسري لاهالي الشريط الحدودي . أخيرا صديقنا قرر ان يعترف ان هناك ارهاب حين تأكد ان اصابع الاتهام لن تشير الى ملائكته ، فجأة اصبح وجود جماعة انصار بيت المقدس امر واقع بل وطبيعي مع انها كانت منذ اشهر مجرد خيال وصنيعة الاجهزة الامنية بتبرير فشلها وذلك بأن تفشل أكثر .
المؤسف حقا هو ظهور اتجاه لا مانع لديه ان تضيع البلاد وذلك لاثبات عدم قدرة الحكام على ادارتها ، فيا حبذا لو افلست مصر ليظهر مرسي بمظهر الفاشل الذي اضاع مصر ، ويا حبذا لو قامت القوات الامريكية والقطرية والتركيا بضرب مصر وفرض قيودا اقتصادية عليها عقابا لها على ضرب مناطق ارتكاز لداعش في ليبيا لا لشئ الا ليظهر السيسي بمظهر المغامر الذي القى بمصر في براثن الحرب . هذا الاتجاه هو الاتجاه المتطرف من المجاذيب الذين تعدوا مرحلة الدروشة الى مرحلة الاستعداد لهدم المعبد بما فيه لاثبات ان ادارة المعبد فاشلة ، الفارق فقط بينهم وبين شمشون انه هدم المعبد على اعدائه اما هم فسيهدموه على رؤوسهم ورؤوس من خالفهم لكن العدو سيكون بعيدا هذه المرة في انتظار الدخول على انقاض الدولة .
لهذه الاسباب فضلت عدم الحديث كثيرا عن السياسة ، فانا لست من مجاذيب أحد ولا أنوي ذلك . افضل ان اعترض على القرار وليس على الشخص لان نفس هذا الشخص اذا اصدر قرارا جيدا سأكون ايضا من مؤيديه دون ان يجعلني ذلك اشعر بالازدواجية او بضياع البوصلة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنامج الغذاء العالمي يحذر من المجاعة في شمال قطاع غزة... فك


.. مظاهرات واعتقالات في الولايات المتحدة الأمريكية.. حراك جامعي




.. الأمم المتحدة: هناك جماعات معرضة لخطر المجاعة في كل أنحاء ال


.. طلاب معهد الدراسات السياسية المرموق في باريس يتظاهرون دعمًا




.. الأمم المتحدة: الهجوم على الفاشر بالسودان سيكون له عواقب وخي