الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجذر اللفظي للأكل دون ملح

خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد

(Kalil Chikha)

2015 / 2 / 23
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


من منا لم يسمع عبارة يرددها أحد المتخاصمين عند فورّات الغضب، بأن فلاناً من الناس سيأكل غريمه دون ملح . بمعنى آخر، هو يريد أكله بطريقة بدائية دون بهار أو منكّهات إضافية. ويتساءل المرء أحياناً، لماذا تتردد المقولة و تزداد الرغبة عند الخصام أو الصراع بين الأفراد؟ وأين تكمن الحقيقة في هذا النزاع والعنف اللفظي ضد من نراه عدواً؟
- الممارسة عبر التاريخ:
نشرت دورية (المجلة العلمية) بحوثاً عام 1999 عن مكتشفات في منطقة فرنسية تثبت أن إنسان النندرثال كان يأكل اللحوم البشرية. إضافة لذلك، اكتشف الاركيولوجين في عام 1977 في مقاطعة (فوتبرغوي) الفرنسية أن الإنسان الحجري الذي كان يرعى الماشية ويزرع القمح ويصنع الأواني الفخارية، مارس عادة أكل اللحوم البشرية. خاصة عندما تحتد الصراعات القبلية بينهم، كانوا يأكلون ما يقع في الأسر من الطرف الآخر. وفي منطقة كولورادو في الولايات المتحدة الأمريكية، اكتشف الباحثون عام 1997 دلائل على أن قبائل (الأناسازي - Anasazi) التي كانت تقطن في المنطقة، أكلت اللحوم البشرية. يروي لنا المؤرخ الأمريكي المعروف وول ديورنت (1885-1981) في الجزء الأول من كتابه (تراثنا الشرقي) بأن رئيس أحد القبائل في الكاريبي، أخبر صديقاً له، بأنه يفضل اللحّم الأوروبي عن المحلي بسبب الملوحّة الجيدة التي فيه. ويتابع ديورنت أن ليس هناك حضارة بشرية لم تمارس أكل اللحوم الآدمية بطريقة أو بأخرى. يدعم هذا الرأي الانثروبولوجية (بولا فيلا) من جامعة كولورادو بأنها تقول : أكل اللحوم البشرية، وقعت في مناطق متعددة وبنسب غير قليلة في العالم القديم. تضيف باحثة أخرى بذات الاختصاص (Jane Goodall- جين غودآل) عن ظاهرة غريبة في مجموعات الشمبانزي، تروي من خلال بحوثها بأنه عندما تهاجم مجموعة من الشمبانزي مجموعة أخرى، تُقْتل الأمهات وتأكل الصغار.
- الأضحية البشرية:
تكلم الباحث (ريت نوسترو) بتوسع عن الأضحية البشرية عبر التاريخ الإنساني وما كان يكتنفها من طقوس دينية في التهامها بواسطة الكهنة. يروي عن أحد الآلهة الهندوسية، في القرن التاسع عشر، "كالي" التي تفتتن بالأضحيات البشرية، خاصة من الأطفال. فمن كان لديه طفل واحد ويريد عدداً كبيراً من الأطفال، كان يأتي بهذا الطفل إلى الآلهة ويضحي هذا الطفل سائلا مزيدا من النسل، ومن كان مظلوماً ويريد إنصافا، يأتي بأحد أطفاله كي يضحيه لها. أما في حضارة (الأزتكز-Aztecs) ، فكانت الآلهة متعطشة لدماء البشر، فكان كل من يقع في الأسر يضحى به لتلك الآلهة أو قد يتبرع شخص بنفسه طائعاً ليكون الأضحية المختارة. هذا الموت يكون شرفاً عظيماً له، تماماً كما في ساحة الوغى. يؤتى بالشخص ويوضع على منصة هرمية يمسك بأطرافه أربعة من الكهنة، ثم ينهّال الكاهن الخامس على صدره بسكين يخرج بعدها قلبه ويرفعه إلى السماء طالباً من الآلهة الصفح والغفران، ثم يقذفه إلى أسفل كي يأكله المحاربون لتزداد قوتهم في المعارك القادمة. أما العامة، فتكتفي بأكل الخبز المعجون بدم الضحية. يقول الباحث ( فيليب ارميستو-Felipe Armesto) في كتابه (أفكار غيرت العالم-2003) : "ربما يبدو لنا أكل اللحوم البشرية أمرا همجياً نحن الغربيون، لكن هذه العادة كانت تمارس عالمياً من سائر الجنس البشري بشكل عام. ثم ينقل على لسان امرأة من غينيا الجديدة، وهي جزيرة شمال القارة الاسترالية، قولها: " لا يمكن أن نترك فرداً لنا يتعفن حين يموت، نحن نشفق عليه ولن ندعه يتعفن في الأرض، بل سنأكله وندع جسده ينحل في جسدنا حباً وولعاً به.
انعكاسه في الأدب والسينما:
كتب دانيال ديفو (1660-1731)، الروائي البريطاني روايته المشهورة (روبنسون كروز) عام 1719. تروي لنا القصة أن سفينة روبنسون تتحطم على شواطئ إحدى الجزر النائية. يعاني البطل من الوحدة والعزلة هناك، إلا أنه يتعرف على احد المحليَين هناك (فرادي) الذي يكون من قبائل آكلي اللحوم البشرية. يصبح فرادي الخادم الوفي لروبنسون، وأول ما يعلمه من لغة تكون كيف يلفظ كلمة (سيدي). إضافة إلى روايات أمريكية كثيرة في الرعب تجنح أحيانا لسلوك أشخاص تأكل اللحوم الآدمية مثل روايات ستيفن كنك ودين كونز وآن رايس. أما أفضل فيلم عبر عن هذا التوجه كان (صمت الخراف -Silence of the lambs ) ومثلت أفلام كثيرة تنحو هذا الاتجاه.
خاتمة:
أحياناً، يستغرب الإنسان بعض السلوكيات والحوادث التي تروي أن أمريكياً كان يلجأ لقتل أشخاص بغية أكلهم، وقد تم إلقاء القبض عليه بعد أن قتل أكثر من عشرين شخصاً.
وبما أن سلوكاً كهذا، رافقه تحريماً دينياً وحضارياً، أخذت الممارسات القديمة والتي أصبحت غير أخلاقية شكلا من الرمزية سواءً في الصدام اللفظي أو في تناول بعض الأطراف البشرية المصنوعة من الخبز في بعض الدول الأسيوية، أو في التناول الرمزي لبعض المجتمعات الدينية لقطعة الخبز التي تمثل الجسد والبركة التي ستحل فيمن سيأكل منها.
________________________________________
كتبت هذه المقالة عام 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا لم تتراجع شعبية ترامب رغم الإدانة؟| #أميركا_اليوم


.. 10 شهداء بينهم أطفال وعدد من الإصابات في قصف استهدف منطقة رم




.. بن غفير: الصفقة تعني التخلي عن تدمير حماس فإذا ذهب نتنياهو ب


.. تشويه لوحة فرنسية شهيرة بسبب التقاعس بمواجهة التغير المناخي




.. تظاهرة في مدينة بينغول التركية دعماً لفلسطين وغزة